هل ينفجر الاحتقان الأميركي- الإيراني في أكتوبر؟

هل ينفجر الاحتقان الأميركي- الإيراني في أكتوبر؟

هل باتت القارعة الأميركية تجاه طهران أقرب في الأشهر القليلة المقبلة من أي وقت مضى؟ هناك سحب سوداء كثيفة تتجمع فوق سماوات الخليج العربي، تنذر وتحذر من أن السكون الزائف المخيّم أخيراً ليس إلا الهدوء الذي يسبق العاصفة، فعلى الرغم من الانشغال الأميركي الكبير والخطير بفيروس كورونا في الداخل، فإن تصريحات الرئيس دونالد ترمب تجاه إيران، تدفع لليقين بأن المواجهة قد تحدث عما قريب.

مراقبون عديدون للشأن الإيراني، في تقاطعاته وتجاذباته مع صانع القرار الأميركي، يكادون أن يجزموا بأن ضربة عسكرية أميركية مكثفة ضد أهداف إيرانية، قد تحدث في الفترة الممتدة من الآن وحتى أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، أي قبل موعد انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.

من بين هذه الأصوات يرتفع اسم كونور ديلين، الباحث في مجلة “ذا ستراتيجيت”، الصادرة عن المعهد الأسترالي للسياسة الاستراتيجية. كيف لنا أن نقرأ تطورات الأحداث الممكن حدوثها في الأشهر القليلة المقبلة، بعين تأخذ في الاعتبار ما جرى في الماضي، لتوقع ما هو آت في المستقبل؟

إيران والسعي في الطريق النووي

يوماً تلو الآخر، تثبت طهران بقيادة الملالي أن هدف برنامجها النووي المؤكد هو حيازة سلاح دمار شامل، لا الحصول على الطاقة الكهربائية، وتختبئ خلف أقنعة عدة من أوجه التقية الإيرانية التقليدية.

هل من دليل على صدقية هذا الحديث؟

خذ إليك ما يلي، فقد وسّعت إيران، وبسرعة كبيرة جداً، من مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب، من 373 كيلوغراما في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى 1050 كيلوغراماً بحلول مارس (آذار) المنصرم.

هذا التطور يضرب عرض الحائط بكل قرارات مجلس الأمن، لا سيما القرار 2231 لسنة 2015، الذي يضع حداً أقصى لا ينبغي لطهران تجاوزه، عطفاً على أنها زادت وبشكل غير قانوني من عدد أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، تلك التي تعمل في بيئات الاختبار، كما رفعت مستوى التخصيب إلى حدود 20 في المئة.

زد على ذلك ما يتكشّف تباعاً من منشآت نووية إيرانية سرية، كتلك التي أعلن عنها خبراء أميركيون من “معهد العلوم والأمن الدولي”، ضمن خطتها السرية لتوزيع المنشآت التي يتم تخصيب اليورانيوم فيها.

من هذا المنطلق كانت إيران ترفض في يناير (كانون الثاني) الماضي طلب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، للحصول على معلومات حول ثلاثة مرافق غير معلنة، كما رفضت كذلك طلبات الوكالة بموجب البروتوكول الإضافي للاتفاق النووي لإجراء عمليات تفتيش تكميلية لاثنين من هذه المرافق.

السؤال هنا: هل يمكن للأميركيين أو لغيرهم الوثوق في أي تصريحات رسمية معلنة من طهران؟

مع توالي الأحداث يثبت للعالم شرقاً وغرباً أن الإيرانيين يسوّفون للوصول إلى أهدافهم المكتوبة، في ما يشبه “لوح الثورة المحفوظ”، إن جاز التعبير، وخير دليل على التلاعب الإيراني بالعالم، تصريحات وزير خارجيتها، جواد ظريف، في مطلع العالم الحالي بأن “إيران غير مهتمة بالحصول على السلاح النووي، وأن كل ما تقوم به قابل للتراجع، إذا قدّمت أوروبا فوائد اقتصادية”.

ضمن المنطلقات التي تجعل من توجيه ضربة أميركية لإيران أمراً وارداً وبشكل متسارع، ما يجري في مياه الخليج من استفزازات، تصل إلى مرحلة “التهور الاستراتيجي”.

حدثان استدعيا تساؤلات جديّة عما تتطلع إليه طهران أخيراً، ففي منتصف أبريل (نيسان) الماضي، كانت البحرية الإيرانية التابعة للحرس الثوري، تعلن عن تصنيع صاروخ “بحر- بحر”، يصل مداه إلى 700 كم، وتدعو القوى الأجنبية في المنطقة إلى الرحيل، الأمر الذي تمت قراءته على أنه استهداف مباشر لحركة الملاحة في المياه الدولية للخليج العربي.

قبل ذلك بأسبوع تقريباً، اقترب أحد عشر زورقاً إيرانياً سريعاً من عدد من القطع البحرية الأميركية، بما في ذلك سفينة كانت تجري مناورات مع مدمرة، ونفذت الزوارق مناورات خطيرة على مسافة عشر ياردات من البحرية الأميركية.

في الأثناء، كان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، يصرّح “نريدهم أن يتركوا المنطقة في أسرع وقت ممكن”.

هل تسعى إيران إلى صدام حقيقي مع الجانب الأميركي، أم أن المشهد دعائي يستهدف رفع معنويات الداخل الإيراني الذي أضعفه كورونا بشكل مفجع؟

في قراءة له تحمل عنوان “إيران تتبنى سلوكاً عدائياً في شمال الخليج”، يكتب فرزين نديمي، الزميل المشارك في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والمتخصص في شؤون الأمن والدفاع المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج، يقول “تدرك بحرية الحرس الثوري الإيراني جيداً الإمكانيات الجديدة والأكثر مرونة التي يجري حاليا استعراضها في الخليج، وتلاحظ تسارع وتيرة العمليات المنطلقة من سفينة (بولر) والنية المحددة لمواجهة تكتيكات الحشد الإيرانية، وبناء على ذلك زاد الحرس الثوري سلوكه العدائي في المنطقة المجاورة، كما يفعل عادة عندما يظهر العدو مثل هذه المرونة”.

هل هو انتحار إيراني، أم فخ لاستدراج القوات الأميركية؟

ربما تحاول القيادة الإيرانية إظهار نوع من الشجاعة الزائفة، ورهانها أن واشنطن لديها ما يكفي من القلاقل؛ كورونا، وعام انتخابي، ولهذا تكسب دعائياً من الصمت الأميركي المتوقع، غير أن رد ترمب، كان لا بدّ له من أن يردع قادة النظام، الأمر الذي لم يحدث، لتمضي إيران في منطلق تصعيدي آخر أكثر إثارة وهلعاً للقريب والغريب، على حدّ سواء.

قمر اصطناعي وصورايخ عابرة للقارات

قبل عامين تقريباً أرسلت أوروبا وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، إلى طهران من أجل مناقشة إشكالية البرنامج الصاروخي، والذي وضع مجلس الأمن القيود على مكوناته وتبعاته… ترى كيف كان الرد الإيراني على الأوروبيين؟

الثابت أنه جاء على النحو التالي “سنوقف برنامجنا الصاروخي في حالة واحدة فقط، وهي أن يتخلى الأميركيون والأوروبيون معاً عن ما لديهم من صواريخ، وكذا برامجها”.

كان الردّ التعجيزي رسالة لا بد أن تفهم في واشنطن وبروكسل، تعكس نية إيران استكمال البرنامج الصاروخي، ذاك الذي يكمل النقص الحادث في القوات الجوية الإيرانية، والتي توقفت عند سبعينيات القرن الماضي عن التطوير، الأمر الذي ثبت للعالم أجمع من خلال القمر الصناعي الإيراني الذي تم إرساله للفضاء في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي (نور 1)، باستخدام الصاروخ الحامل “قاصد” على مرحلتين، ليصل إلى مقره على ارتفاع 425 كم من سطح الأرض.

هل يجيئ إطلاق هذا القمر الإيراني بدوره ليعزّز من إحداثيات التصادم الأميركي الإيراني؟

في مؤتمر صحافي لاحق للحدث، جرى في وزارة الخارجية الأميركية، كان مايك بومبيو يعلن وبشكل رسمي أنه “يجب محاسبة إيران على امتلاكها جهازاً عسكرياً يسعى إلى إطلاق قمر صناعي”، مبيناً أن الحديث يدور عن الحرس الثوري الإيراني.

في اليوم التالي لإطلاق القمر الإيراني، كانت صحيفة “وول ستريت جورنال” بدورها تضع الحقائق الصادمة أمام الرأي العام الأميركي، وكأني بها تهيئ الجميع للأسوأ الذي لم يأتِ بعد، فقد اعتبرت أن عملية الإطلاق كانت بمثابة ظهور البرنامج العسكري الذي أبقته إيران سرياً خلال العقد الماضي إلى العلن.

تقرير “وول ستريت جورنال” يخلص منه القارئ إلى أن إشكالية كوريا الشمالية تتكرّر ثانية في إيران، وليس سراً أن بين البلدين تعاوناً وثيقاً، فلطالما تذرّعت بيونغيانغ بأن صواريخها بعيدة المدى لنقل أقمار اصطناعية إلى الفضاء، وتالياً اكتشف المجتمع الدولي أنها كانت مصممة لحمل رؤوس نووية تهدّد بها واشنطن ذاتها.

في هذا الإطار، كان فابيان هينز، الباحث المشارك في مركز “جيمس مارتن” لدراسات منع الانتشار النووي، يشير إلى أن البرنامج الصاروخي الإيراني يحمل تكنولوجيا متطورة للغاية، وعليه فإنه بإمكان الإيرانيين أن يذهبوا إلى أبعد من ذلك متى أرادوا.

وفي التحقيق عينه، كان خبراء ضبط الأسلحة الأميركيين يؤكدون على أن الصاروخ الذي استخدمته إيران في إطلاق القمر الصناعي يمكن تحويله إلى هذا النوع من الأسلحة بسهولة نسبية.

خطر التسلح معركة أكتوبر المقبل

هل سيكون أكتوبر (تشرين الأول) المقبل الموعد المحدد تقريباً للمواجهة التي لا مفر منها بين واشنطن وطهران؟

هذا الموعد شديد الاحتمال، أما السبب فمرتبط بموعد تجديد العقوبات على إيران من مجلس الأمن، تلك التي تمنع التسليح، وتفرض قيوداً على السفر لبعض الإيرانيين الضالعين في تزويدها بالأسلحة الممنوعة.

منذ بضعة أسابيع والعجلة الدبلوماسية الأميركية تدور بشكل سريع ومكثف بهدف تأكيد وحدة المجتمع الدولي في مواجهة طهران في أكتوبر المقبل، ما تجلّى باتصالات واشنطن مع ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، ووصل الأمر بوزير الخارجية بومبيو حدّ التصريح الذي يشبه التهديد المقنع بأنه “في حال لم نتمكن من حثّ الآخرين على التحرك، ستدرس الولايات المتحدة كل الخيارات للتوصل إلى ذلك”. هل لفظة “كل الخيارات” تشي بالسيناريو المتوقع؟

المعروف أن الحظر في إطار قرار صدر في 2015 عن مجلس الأمن يصادق على الاتفاق المبرم بين الدول العظمى وطهران لمنعها من حيازة القنبلة النووية.

غير أن هذا الاتفاق لم يصمد منذ إعلان واشنطن انسحابها منه عام 2018، وإعادة فرض عقوبات أكثر تشدداً على طهران التي لم تعد تحترم بدورها كل تعهداتها النووية، وبالتالي فإن أي تمديد لهذا الحظر قد يصطدم بـ”فيتو” من روسيا والصين، اللتين رفضتا الانسحاب الأميركي من الاتفاق. هل لهذا كان بومبيو يتحدث عن العمل منفرداً وعبر كل الخيارات؟

الشاهد أن هناك موجة من التضامن الفريد من الديمقراطيين والجمهوريين في الداخل الأميركي ضد إيران، وتسعى هذه الموجة إلى حظر توريد الأسلحة إليها من جديد، ما تمثل في الرسالة التي وقّع عليها 382 نائباً من أصل 429 طالبوا الإدارة الأميركية بتشديد التعاطي مع الأمم المتحدة لضمان وقوع التمديد وحرمان طهران من أي ثغرة تنفذ منها إلى أبواب التسلح من جديد.

هل أضحى هذا التوجه الأميركي مزعجاً لإيران وربما دافعاً لارتكاب حماقة ما بعينها تستدعي المواجهة؟

في تصريحات للمتحدث الرسمي باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيع، يقول “لقد أبلغنا أميركا أن تمديد المجتمع الدولي حظر شراء الأسلحة على إيران سيواجه بردّ قاس، وستكون له نتائج وتداعيات وخيمة على الذين مدّدوه”.

من جهته، غرّد أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، عبر “تويتر” قائلاً إن “الاتفاق النووي مريض وسيموت إلى الأبد في حال الالتفاف على القرار الأممي 2231، وتمديد حظر التسلح غير القانوني على إيران”.

شمخاني حذّر من أن تمديد الحظر الأميركي المتوقع على شراء إيران السلاح سيواجه بردّ فوري مكثف، فهل ستعلن طهران بدورها تحللها من بنود الاتفاقية النووية كافة بشكل رسمي، وإن كانت تفعل ذلك الآن سراً، ما يعني سعيها الرسمي لحيازة السلاح النووي، وبسط هيمنتها على مياه الخليج، وإطلاق المجال لبرنامجها الصاروخي، عطفاً على مواصلة عملها على أقمار اصطناعية عسكرية أخرى، ما يفيد بانفلات الجنيّ من القمقم مرة وإلى الأبد؟ وهل لهذا علاقة ببعض الأصوات التي تطالب بحتمية تغيير النظام الإيراني الحالي؟

gettyimages-1170147731-594×594.jpg
مشروع إيران الصاروخي يخالف تعهداتها الدولية (غيتي)​​​​​​​
عن حتمية تغيير النظام الإيراني

عبر مجلة “فورين آفيرز” الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية الأميركي في نيويورك، الجهة الأكثر أهمية في تشكيل القرار السياسي الأميركي، نطالع في عددها الأخير ورقة بحثية لكل من الباحثين غريك إيرلمان، وراي تقية، تحت مسمى “الثورة الإيرانية التالية: لماذا يجب على واشنطن أن تسعى لتغيير النظام في طهران؟”.

القراءة المعمقة لهذا الطرح تقودنا إلى القطع بأنه لا مجال للتوافق بين أميركا و”إيران ـ الثورة”، عبر العقود الأربعة الماضية، من عهد رونالد ريغان، مروراً ببوش الأب، ثم بيل كلينتون، وبوش الابن، فباراك أوباما، وصولاً إلى ترمب.

ينظر الإيرانيون للأميركيين نظرة من يسعى إلى استغلال موارد المنطقة من أجل تعظيم الغرب الصناعي، ويتطلب تحقيق هذا الهدف من واشنطن إخضاع العالم الإسلامي من خلال حلفاء أميركا، بخاصة إسرائيل.

لماذا لن يحدث توافق بين واشنطن وطهران بحسب الدراسة التي نشرتها “فورين آفيرز”؟

لأن النظام الإيراني يرى أن مقاومة الهيمنة الأميركية أمر إلزامي، ولهذا السبب فإن الجمهورية الإسلامية لن تتطور أبداً لتتبوأ مكانة الشريك الإقليمي المسؤول، ولن تتخلى أبداً عن طموحاتها النووية من أجل التجارة الخارجية، ولن تعترف أبداً بأي مصالح أميركية في الشرق الأوسط.

كثيراً ما تساءل ثعلب السياسة الأميركية هنري كيسنجر عن إيران ومتى سيقدّر لها أن تختار بين كونها دولة أو ثورة؟

من الواضح، بحسب تطورات العام الأخير، أن الملالي قد حزموا أمرهم وخلصوا إلى قرارهم بأنها ثورة.. ثورة حتى النهاية.

تلفت “فورين آفيرز” إلى أنه لا بد من أن يأتي تغيير النظام الإيراني من الداخل، ومن خلال إضعافه بشكل علني، ومساعدة القوى الثورية داخل إيران في الخفاء، ويمكن للولايات المتحدة مساعدة فروع المعارضة المنفصلة حالياً على توطيد موقفها في تعزيز المطالب الشعبية، وزيادة استنزاف الاقتصاد الإيراني، والدعوة إلى تفعيل الانشقاقات في صفوف المراكز المتقدمة، وصولاً إلى تمكين أولئك الذين يجرؤون على تحدي النظام خلسة.

غير أن السؤال الذي لم تعالجه قراءة “فورين آفيرز” هو: هل يمكن لطهران أن تراقب كل هذه التطورات من غير أي ردات فعل ومحاولات إقحام واشنطن في ما يشبه حرب الاستنزاف وإزعاجها في قواعدها في الشرق الأوسط والخليج العربي؟

بالقطع ستبادر إيران إلى تحرك مسلح بدرجة أو أخرى، وحتى لا تظهر في أعين شعبها بوصفها متخاذلة، لا تتسق تصرفاتها في الميدان مع شعاراتها العسكرية والدعائية منذ أربعين سنة وحتى الساعة. فما هي السيناريوهات المتصورة؟

أوامر ترمب واستعدادات البنتاغون

على غير توقع منها، فوجئت إيران بردة فعل الرئيس ترمب بعد تحرّش الزوارق الإيرانية بقطع البحرية الأميركية، وقد أعلن ذلك عبر تغريدة على “تويتر” قال فيها “أمرتُ البحرية الأميركية بإسقاط وتدمير أي وجميع الزوارق الحربية الإيرانية، إذا تحرشت بسفننا في البحر”.

تتجاوز أهمية تصريح ترمب تحذير إيران، الأمر الذي بان جلياً من خلال تصريحات مسؤولَين رفيعين في البنتاغون، إذ أشارا إلى أن الجيش الأميركي جاهز بالفعل للدفاع عن نفسه.

في تصريحات لقناة “الحرة” الأميركية، قال أحدهما إن “كل الخيارات العسكرية ستكون متاحة للرد على أي سيناريو لتحرش إيراني بسلاح البحرية الأميركي في مياه الخليج العربي”.

هنا، فإن رؤية إيران وحرسها الثوري لانسحاب أميركا من الخليج العربي ومياهه لن تتحقق بحال من الأحوال، الأمر الذي عبّر عنه المتحدث باسم البنتاغون لشؤون الخليج العربي، الميجور روبرت لودويك، بالقول “سلاح البحرية الأميركي يواصل الإبقاء على وجود عسكري قوي في المنطقة بهدف توفير استقرار إقليمي وتأمين حرية الملاحة البحرية للسفن التجارية في مياه الخليج العربي”.

هل يقود الحضور الأميركي إيران إلى ارتكاب خطأ مقصود أو غير مقصود يعود بنا إلى زمن عملية “براينج مانتيس”؟

“صقور أميركا” واستعراضات طهران

من قلب واشنطن، ترتفع علامات الاستفهام لا سيما من صقور أميركا الذين تجتاحهم رغبة ملحة في إنهاء البرنامج النووي الإيراني بأي وسيلة قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، وفحواها يدور حول الخطأ الإيراني القائم والمقبل، وهل سيكلّف الإيرانيين تكاليف مساوية في الأقل لعملية “براينغ مانتيس” جديدة؟

باختصار للذين سيتساءلون عن تلك العملية، نستدعي الماضي، وتحديداً في 18 أبريل (نيسان) عام 1988، عندما شنّت القوات المسلحة الأميركية هجوماً داخل المياه الإقليمية الإيرانية ثأراً لتلغيمها لمياه الخليج العربي أثناء حربها مع العراق، وإصابة سفينة حربية أميركية (الفرقاطة الصاروخية صموئيل روبرتس).

أدى الهجوم إلى إغراق نصف الأسطول الإيراني تقريباً، وخسائر فادحة في الأرواح والمعدات، الأمر الذي أدى إلى قبول الخميني لاحقاً لقرار وقف إطلاق النار في حربه الدائرة مع العراق، منهياً نزاعاً استمر ثماني سنوات، ويومها صاح صيحته الشهيرة عن تجرّعه كأس السمّ.

هل يمكن للماضي أن يتكرر؟

بحسب كارل ماركس، التاريخ لا يعيد نفسه، وهذا صحيح، غير أن أحداث التاريخ تتشابه في بعض الأحيان، ولهذا فإن عملية أميركية سريعة ضد القوات الإيرانية لا ترقى إلى مستوى إعلان حرب شاملة قد تكون واردة، إذا وقعت قيادات الحرس الثوري البحرية في فخ الاعتداء على أي قطعة أميركية بحرية… هل هي الحرب الموسعة إذاً؟

واشنطن- طهران وميزان الانتباه

من المؤكد أننا لسنا بصدد رسم سيناريو لمواجهة عسكرية جامعة مانعة بين الإيرانيين والولايات المتحدة، وعدد من حلفائها الغربيين وفي مقدمتهم بريطانيا، وربما تساعد فرنسا وألمانيا بشكل لوجستي.

غير أننا لا نوفّر الإشارة إلى أن إيران هي من سيكون بيدها مفتاح الحل والربط، بمعنى إما القبول والإذعان لبنود اتفاقية جديدة، بحسب الإملاءات الأميركية، أو التمادي في المواجهة العسكرية المسلحة.

هنا ينبغي التذكير بأن الأداة الفاعلة الحقيقية لدى الإيرانيين عسكرياً هي الصواريخ، بدءاً من صاروخ شهاب الذي يبلغ مداه 300 كيلومتر، وصولاً إلى صواريخ سومار من طراز كروز والتي يصل مداها إلى 2500 كم، ويمكن أن تكون مهددة للشرق الأوسط وشرق أوروبا ومنطقة الخليج العربي كافة، وكذلك إسرائيل وأفغانستان.

هل سيمضي الجنون الإيراني إلى استهداف أي من تلك المناطق، لا سيما إذا وجدت فيها قواعد أو مصالح أميركية؟

إيران واستحقاقات سيناريوهات كارثية

ما هي أبعاد المشهد الإيراني إذا ارتكبت قواتها الثورية حماقة بعينها على سبيل الغطرسة أو التهور؟

عند المتخصص العسكري المصري، اللواء محمود خلف، مستشار أكاديمية ناصر العسكرية المصرية، إذا حدث ذلك فإن إيران ستتلقى ضربة تأديبية بهدف إجبارها على تغيير سلوكها، وذلك من خلال سيناريو قصف لهدف أو هدفين من أغلى الأهداف الإيرانية، وربما توجه لمواقع نووية، ويكفي قصف لليلة واحدة فقط كرسالة.

تالياً ستعمد القوات الأميركية إلى السكون لتنتظر ردة الفعل الإيرانية، وهل ستبلع طهران لسانها انطلاقاً مما يعرف في العلوم العسكرية بـ”ميزان الانتباه العسكري”، أي حساب قدراتها في مواجهة قدرات الأميركيين، أو ستعمد إلى ردات فعل هوجاء إرهابية.

هنا، وحال ذهاب إيران إلى إشعال المنطقة حسب نواياها المعلنة، ستمضي واشنطن إلى السيناريو الأصعب، وهو قصف مركز لمنشآت إيران النووية والصاروخية من خلال استخدام قنابل الأعماق، وربما بعض الرؤوس النووية التكتيكية الصغيرة، كما حدث مع ميلوسوفيتش في يوغسلافيا في نهاية تسعينيات القرن الماضي.

لكن ماذا إذا جن جنون الملالي وحرسهم ووجهوا صواريخهم إلى دول الجوار والقواعد العسكرية الأميركية، عطفاً على ما هو موجود بنوع خاص من قوات أميركية في العراق؟

هنا ربما تعمد الولايات المتحدة إلى تجاوز الأهداف الإيرانية العسكرية إلى تخريب الاقتصاد الإيراني برمته خلال يوم واحد، وإعادة عجلة الحياة الاقتصادية الإيرانية عقوداً إلى الوراء، وذلك من خلال مهاجمة جميع معامل تكرير النفط المحدودة، ولاحقاً محطات الكهرباء، ثم محطات المياه، ومراكز القيادة والسيطرة، والجسور والكباري، والإذاعة والتلفزة، لتغرق إيران في ظلام دامس، وساعتها سيحمّل الشعب القيادة الإيرانية تبعات مثل هذا السيناريو الجهنمي.

ما تقدم في واقع الحال ليس سيناريو تخيلياً، فهناك الكثير من أوراق البنتاغون يشي بأنه قائم مع الأخذ في عين الاعتبار أن الأوركسترا العسكرية الأميركية، إن جاز القول، ستعزف جميعها دفعة واحدة، وليس بالتجزئة كما حدث في العراق عام 2003، لا سيما وأن مواجهة مثل هذه لن تكون بريّة أبداً، وجنرالات البنتاغون اليوم على قناعة تامة من أنه لكي تنهي عملاً بسرعة لا بد أن تحشد كل قواتك، وهذا عمل المحترفين، فالمحترف يستخدم قواته بأكبر قدر وينهي الأمر في يوم أو يومين.

وفي الخلاصة، يستطيع أي محلل عسكري في بدايات بحثه أن يجري مقاربة أوليّة بين الجيش الأميركي الذي يحتلّ المرتبة الأولى عالمياً، ونظيره الإيراني الذي يحتل المرتبة الرابعة عشرة بين جيوش العالم، وأن يقارن كذلك بين ميزانية الدفاع ومعدل الإنفاق السنوي للجيش الأميركي، والذي بلغ أخيراً 716 مليار دولار، مقابل ستة مليارات دولار للإنفاق السنوي على الجيش الإيراني.

من المقاربات المتقدمة يتساءل العقلاء: على أي أوتار تعزف إيران حين تجاهر بصواريخ بحر- بحر جديدة، أو تمارس تصادماً في زحام مياه الخليج، وعبر تطويرها لصواريخ باليستية وأقمار اصطناعية، فهل تريد إيهام الولايات المتحدة بأنها الأجدر والأقدر على أن تمارس نوعاً من أنواع خداع الذات؟

إنها قصة لافونتين، أديب فرنسا الشهير، عن الضفدع الذي أراد أن ينتفخ ليصل إلى حجم الثور، وفي هذا كانت نهايته…