لم تعد الأمم المتحدة تخجل من دماء السوريين التي يستبيحها الديكتاتور السفاح، ولا من مشاهد الدمار التي ترتبها جرائمه ضد الإنسانية. فتوجهات السياسة العالمية تراوح بين ترك الشعب السوري لمصيره المحتوم بزعم التعقد البالغ للصراع الدائر هناك، وبين إعطاء الأولوية لمنع اللاجئين من قدوم الأراضي الأوروبية والإبقاء عليهم في الجوار الإقليمي أو في الداخل السوري، وبين بحث القوى الغربية عن التوافق مع روسيا الاتحادية على حل تفاوضي يبقي على الكثير من حكم الديكتاتور المدعوم روسيا وإيرانيا ويحقق القليل لبعض حركات المعارضة المدعومة غربيا ويتجاهل بالكامل أهل البلاد الذين انتفضوا ضد حكم الديكتاتور طلبا للحرية وللحق في وطن يسوده العدل.
لم تعد لا منظمة الأمم المتحدة ولا القوى الكبرى تخجل من تواصل جرائم الديكتاتور بشار الأسد، ومن استمرار عجزها ومعها الجماعة الدولية عن ردعه. فالرفض الصائب للتدخل العسكري في سوريا، أعقبه امتناع محبط ومنذ بدأت الجرائم ضد الإنسانية في 2011 عن الضغط الجاد لانتزاع قرار أممي يحمي المدنيين بحظر طيران مقاتلات الأسد التي تنفذ ببراميلها المتفجرة وقنابلها الحارقة هولوكوست رخيص الكلفة المادية مكوناته الإبادة والقتل والدمار. وأعقبه أيضا رفض مواجهة روسيا التي سبق لطائراتها وصواريخها قتل المدنيين السوريين، بل والتسليم بالحسابات التفاوضية الروسية والإيرانية التي تحتفظ للديكتاتور بمقعد الرئاسة.
فالغرب لا يبحث في سوريا سوى عن الحرب على الإرهاب متناسيا استحالة القضاء على عصابات الإرهاب دون الخلاص من الاستبداد، وممارسا لاستعلاء مقيت إزاء حق الشعب السوري في ألا يحكمه قاتل وألا تتسلط عليه مجموعات إجرامية تدعي الدفاع عن دولة وأرض. لا تبحث الحكومات الغربية في سوريا سوى عن القليل من التجمل عندما يتم تقييم سياساتها من قبل المجلس الأممي لحقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية وفاعليات المجتمع المدني في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، فتدعي تارة دعم ما يسمى بالمعارضة المعتدلة وتارة أخرى توفير المساعدات للحركات التي تحارب الديكتاتور وترفض الالتحاق بالجماعات المتطرفة. لا يبحث الغرب في سوريا عن إنقاذ الناس من أخطار الإبادة والقتل والدمار، فالأهم هو ألا يسمح لهم بالابتعاد عن الأراضي السورية أو الجوار الإقليمي لكيلا تتكرر كارثة اللجوء الجماعي في 2015 وتجبر الحكومات الغربية، خاصة الأوروبية، على استيعاب لاجئين لا يريدهم أحد.
لا يبحث الغرب في سوريا عن إنقاذ الناس من أخطار الإبادة والقتل والدمار، فالأهم هو ألا يسمح لهم بالابتعاد عن الأراضي السورية أو الجوار الإقليمي لكيلا تتكرر كارثة اللجوء الجماعي في 2015
غير أن الحكومات العربية لم تعد تخجل أيضا من دماء السوريين، ولا تقلق سكونها فيما خص سوريا مشاهد دمار أو خراب. فالعرب بين تقديم البعض لدعم عسكري ومالي لحركات متطرفة أفسدت الثورة السورية بتورطها في حمل السلاح والعنف وممارسات أخرى بالية، وبين فعل عسكري مباشر لحماية الديكتاتور ينفذه حليف إيران حزب الله اللبناني، وبين دعم دبلوماسي للنظام السوري ومساع لإعادته لجامعة الدول العربيةـ وبين انكفاء على الداخل لأغلبية الحكومات العربية التي لا يتعدى اهتمامها بالشأن السوري بيانات الإدانة.
بل أن وسائل الإعلام المسيطر عليها من قبل الحكومات العربية لا يخجل من توظيف المقتلة السورية إما للمتاجرة بأعداد اللاجئين السوريين الذين تم استقبالهم والمطالبة بحصص إضافية من المساعدات المالية الأممية والغربية والخليجية المخصصة للاجئين، أو للترويج البائس للحكومات السلطوية ومظالمها المتراكمة وانتهاكاتها المتكررة في بلاد العرب كضرورة لتجنب مآلات سوريا ومآسيها. فقط القليل من وسائل الإعلام العربية هو الذي لا يخجل من الانتصار للقيم الأخلاقية والإنسانية والدفاع عن حق السوريين في طلب الحرية والعدل، فقط القليل من وسائل الإعلام العربية هو الذي يحمل بوضوح الديكتاتور الأسد وشبيحته وحلفاءه الدوليين (روسيا) والإقليميين (إيران وحزب الله) مسؤولية جرائم الإبادة والقتل والدمار ويحمل أيضا معارضيه المتورطين في العنف والتطرف والجهل والتبعية لقوى إقليمية أو دولية مسؤولية إفساد الثورة السورية ومطلبيتها الديمقراطية.
تستعر الحرائق السورية ويقتل الأطفال والنساء والرجال، بينما ضمير البشرية في بلادنا كما في الشرق والغرب يغط في نوم عميق.
عمرو حمزاوي
القدس العربي