يعاود تنظيم “داعش” نشاطه في الفترة الأخيرة، لتشمل عملياته الإرهابية مناطق واسعة من المحافظات الغربية والشمالية بالعراق، تزامناً مع أزمات معقّدة تواجه حكومة مصطفى الكاظمي.
وتتزايد مخاوف العراقيين من احتمالية استعادة “داعش” نشاطه للقيام بعمليات إرهابية بشكل أوسع، في ظل تصاعد حدّة عملياته في الأشهر الماضية، بينما يعزو مراقبون عودة نشاط التنظيم إلى “عدم معالجة الأزمات السياسية والأمنية والاجتماعية”، التي تعانيها المناطق التي تشهد هجمات.
وإضافة إلى الأزمة المالية التي تمر بها البلاد وانتشار فيروس كورونا ومطالب المحتجين، تضيف العمليات الإرهابية الأخيرة التي شنّها “داعش” أزمة أخرى، على الحكومة الجديدة التعامل معها.
ولعل التصعيد الذي حدث بين الفصائل المسلّحة الموالية إيران والقوات الأميركية، الذي أدى إلى انحسار عمليات التحالف الدولي، دفع بالتنظيم إلى استثمار هذا الفراغ واستعادة نشاطه.
عملية أسود الجزيرة
وفي غضون ذلك، أعلن الجيش العراقي، الأحد الـ17 من مايو (أيار)، انطلاق حملة تمشيط واسعة النطاق، لملاحقة فلول الإرهابيين في ثلاث محافظات. وقال بيان لخلية الإعلام الأمني إن الحملة التي تحمل اسم “أسود الجزيرة” تهدف إلى ملاحقة عناصر “داعش” في صحراء الجزيرة شمالي محافظة الأنبار (غرب)، وجنوبي محافظة نينوى، وغربي محافظة صلاح الدين (شمال)، وصولاً إلى الحدود السورية.
وأضاف، “العملية الأمنية انطلقت من 11 محوراً، بغطاء جويّ من مقاتلات عراقية، لتعزيز الأمن والاستقرار بهذه المناطق وملاحقة هؤلاء”.
وقال المتحدث باسم العمليات المشتركة اللواء تحسين الخفاجي، في تصريح إلى الوكالة الرسمية، “العملية العسكرية تهدف إلى إدامة زخم التعرضات والضغط على (داعش)، وقطع خطوط الإمداد والمواصلات ومطاردة الخلايا النائمة، وإعادة الاستقرار إلى المناطق التي تشهد خروقات أمنية”.
وتأتي هذه العمليات العسكرية إثر الهجمات التي شنّها تنظيم “داعش” في مناطق متفرقة من البلاد، استهدفت القوات الأمنية، مخلفةً عشرات الجرحى والقتلى.
إبعاد التنظيم عن المدن
وكان رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي قال، في وقت سابق، “العراق مقبلٌ على صولة نهائية، لاجتثاث (داعش) الذي يحاول إعادة تنظيم فلوله، ومقاتلو الحشد الشعبي في مقدمة الذين ينفذون هذه الصولة، إلى جانب الجيش وبقية القوات المسلحة”.
إلى ذلك، يقول المستشار السابق في وزارة الدفاع العراقية معن الجبوري، “القضاء على (داعش) مسألة أكبر من إمكانية العراق بمفرده”، مبيناً “الهدف الأساسيّ من العمليات الأخيرة مشاغلة التنظيم، وإيقاع أكبر الخسائر به، وإبعاده عن المدن”.
ويضيف، لـ”اندبندنت عربية”، “التنظيم استغلّ التوقف الجزئي لعمليات التحالف الدولي وأزمة كورونا والوضع الاقتصادي لتوسيع عملياته وزيادة نشاطاته”.
منطلق العمليات
وقال مصدر أمني، “تنظيم داعش يستفيد من ثغرتين رئيستين في شن هجماته، الأولى تمتد في الصحراء الرابطة بين الموصل والأنبار بطول 90 كيلومتراً وعرض 50 كيلومتراً، توجد فيها معسكرات التنظيم ومضافاته، وتنطلق منها العمليات التي تستهدف مدن القائم غربي محافظة الأنبار، ومناطق الشورة والبعاج والحضر بمحافظة نينوى”.
وأوضح، في حديث إلى “اندبندنت عربية”، “الثغرة الثانية توجد في تلال حمرين، ويبلغ طولها 17 كيلومتراً، وعرضها أربعة كيلومترات، تنطلق منها الهجمات إلى محافظتي ديالى وكركوك، فضلاً عن الطريق الرابط بين مدينة بيجي والموصل”، مبيناً أن “وعورة المنطقة واستغلال التنظيم الكهوف وحفر الجحور يصعِّب عملية السيطرة عليها”. مشيراً إلى أن “الإرهابيين يعيدون ترتيب أوضاعهم في هذه المناطق منذ إعلان النصر عام 2017”.
عودة متوقعة
وفي السياق ذاته، يقول مستشار المركز العربي للدراسات الاستراتيجية يحيى الكبيسي، “عودة نشاط (داعش) كانت متوقعة، إذ كان التنظيم مضطراً إلى الانكفاء في مناطق وجوده الأساسية بالصحراء وتلال حمرين، لأن الخطة العسكرية التي اُعتمدت لم تكن غايتها هزيمته بشكل نهائي، بل طرده من المدن فقط”، مبيناً أن “هذا مكّن التنظيم من استعادة مناطقه، وإقامة معسكرات، وبناء مخابئ ومراكز تدريب”.
ويوضح، لـ”اندبندنت عربية”، “القوات العراقية غير مدرَّبة على العمليات الخاصة لملاحقة التنظيم في مناطق تحصينه داخل الصحراء، وهي تتحرّك باستراتيجية تعتمد الكثافة العددية وكثافة النار والغطاء الجوي، وفي حال فقدان أيّ من هذه العناصر، فإنّ القوات العراقية غير قادرة على العمل”.
ويشير إلى أن “الإشكالية الرئيسة تتعلق بغياب الأمن المحليّ، إذ ما لم يكن هناك أمن محلي يُمسك بزمام تلك المناطق، لا يمكن القضاء على التنظيم”.
ويلفت إلى أن “ما حدث هو العودة إلى اللحظة التي سبقت دخول (داعش)، إذ لم تكن هناك أي إصلاحات على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ولم تحلّ إشكالية عودة النازحين والاعتقالات العشوائية والاتهامات المبنية على الظن، فضلاً عن كون معسكرات عوائل المنتمين إلى التنظيم باتت عملياً معسكرات للتجنيد، وعدم وجود استراتيجية لمجابهة التنظيم يعطيان مساحة لعودة نشاطه”، مردفاً “كل الإشكالات العسكرية والسياسية التي سبقت لحظة سيطرة التنظيم عام 2014 لا تزال قائمة”.
ويتابع، “الكاظمي سيواجه مشكلات حقيقية ما لم تكن أمامه استراتيجية واضحة لمعالجة كل الأخطاء التي أنتجت تنظيم داعش”، مبيناً أنه “يحتاج إلى مقاربتين، سياسية وعسكرية، لأن اللجوء إلى الحل العسكري من دون السياسي لن ينتج شيئاً”.
تحدٍّ إضافي
ويشير مراقبون إلى أن الإرهابيين باتوا يعتمدون “تكتيكات عسكرية جديدة”، عبر مجموعات صغيرة من أفراد عدة، لتنفيذ هجماتهم الأخيرة، بينما عزوا سهولة تحرّك تلك العناصر إلى “ضعف التنسيق بين القوات الأمنية في تلك المناطق”.
أمّا رئيس المجموعة المستقلة للأبحاث منقذ داغر، فيرى أنّ “العوامل السياسية والاجتماعية التي أسهمت في ظهور هؤلاء لا تزال موجودة، وعدم معالجة مظلومية المجتمع والتخبط في الأجهزة الأمنية من الممكن أن تؤدي إلى عودة التنظيم”.
ويضيف، لـ”اندبندنت عربية”، “(داعش) كيان فكري يتغذى على مظلومية المجتمع وإخفاقات الحكومة في معالجة الإشكالات، ولن تستطيع الحكومة حلّ المشكلة من دون اتفاق سياسي داخلي”.
احتواء الحشد الشعبي
ويرجّح داغر أن تكون غاية لقاء الكاظمي بقادة “هيئة الحشد الشعبي” هي “دمج الهيئة ضمن المؤسسة العسكرية بطريقة تستطيع أن تبعد أثر التيارات الموالية إيران، وهذا سيُسهم في طمأنة المناطق ذات الغالبية السُّنية”.
ويختم، “التصعيد الذي حدث بين الفصائل المسلحة والقوات الأميركية أدّى إلى توقف طيران التحالف الدولي، وساعد التنظيم في إنشاء مضافات في الصحراء، لأن جهدهم غير مغطى استخباراتياً”.
مراهنة على الصراع الأميركي – الإيراني
“المعركة ضد الإرهابيين قد تعطي للكاظمي مساحة استثمار لتوحيد الرأي العام إزاء حكومته لمواجهة عدو مشترك”، حسب أستاذ الجغرافيا السياسية دياري الفيلي. ويقول “العراق مقبل على إجراء حوار استراتيجي مع الولايات المتحدة مطلع الشهر المقبل، والتجربة أثبتت أنه لا يمكن هزيمة التنظيم بشكل منفرد من دون دعم دولي وإقليمي، وقد تكون بادرة مهمة للكاظمي في تهدئة العلاقة بين أميركا والحشد”.
ويشير إلى أن “(داعش) يراهن على الصراع الإيراني – الأميركي، الذي كلما اشتد أنتج فراغات أمنية في نطاقات مختلفة”.
أمّا الباحث والأكاديمي طالب محمد كريم، فيقول “تنامي هذه الحركات يعقّد مسار الحكومة، ويضعها أمام تحديات جديدة، تضاف إلى الإشكاليات المتعلقة بمطالب المحتجين وكورونا والأزمة المالية”، مبيناً أنه “لا يمكن تحميل حكومة الكاظمي التي لم يمض عليها سوى أيام مسؤولية كل هذه الملفات”.
وختم قائلاً لـ”اندبندنت عربية”، “ملفات كثيرة على الحكومة العمل عليها لحل الإشكالية، أهمها حسم ملف النازحين وإعادة إعمار المدن، وحملات توعية ثقافية لمجابهة فكر التنظيم”.
أحمد السهيل
اندبندت عربي