كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن توجّه الإدارة الأميركية نحو فرض عقوبات جديدة لتعطيل صادرات النفط الإيرانية لفنزويلا رداً على ما تعتبره الولايات المتحدة محاولات إيرانية لإحراز تقدم في أميركا اللاتينية.
ويأتي احتمال فرض العقوبات متزامناً مع اقتراب 5 ناقلات تحمل النفط الإيراني من فنزويلا، مما يوفّر شريان حياة محتمل لنظام الرئيس نيكولاس مادورو المحاصر، وفقاً لمسؤولين أميركيين وإيرانيين وموقع الشحن “TankerTrackers.com”.
وتشكل جهود طهران المتزايدة لبناء قاعدة تجارية وسياسية في أميركا اللاتينية تحدياً لمذهب “مونرو” الأميركي، الذي وضعه الرئيس الأميركي جيمس مونرو منذ نحو قرنين، وهو المذهب الذي يعارض التدخل الدولي في نصف الكرة الغربي، ورغم أن مبدأ “مونرو” لم يلقَ أي اعتراف في متون القانون الدولي، فقد أدت ممارسة الأمر الواقع إلى اعتباره إعلاناً بإطلاق يد الولايات المتحدة في نصف الكرة الغربي من العالم، بوصفها القوة الأولى المهيمنة، وهو ما ظلّت شعوب ودول أميركا الجنوبية تتعامل معه بقدر من التوجس والحذر الملحوظ.
ضرب عصفورين بحجر
الرئيس الأميركي دونالد ترمب كان قد أعلن في أبريل (نيسان) الماضي عن نشر مدمرات بحرية إضافية وطائرات هليكوبتر وأطقم خفر السواحل وطائرات مراقبة، بالقرب من فنزويلا، وبرّرت إدارة البيت الأبيض عمليات النشر وقتها بأنها وضعت لزيادة المراقبة وتعطيل وضبط شحنات المخدرات، التي يستفيد من عوائدها الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو والبطانة المقربة منه، بحسب الاتهامات الأميركية.
تحريك الأسطول الرابع قد يعني أن ترمب قد يتجه لضرب عصفورين بحجر واحد، عبر إسقاط نظام مادورو، وفي الوقت ذاته قطع شريان الحياة عن النظام في إيران، الذي يقايض نفطه بذهب فنزويلا من أجل تمويل العمليات الإرهابية التي يقودها وكلاؤه في المنطقة، وفقاً لواشنطن. وأخيراً قال المسؤولون الأميركيون إن أفراداً عسكريين على متن هذه السفن يمكنهم نظرياً الصعود إلى السفن الإيرانية للتفتيش.
دبلومسي إيراني: أميركا لا تملك الحق
من جانبه، قال عبد الرسول دوكاهكي، القنصل العام الإيراني لدى الإمارات، إن الولايات المتحدة لا تمتلك الحق في مواجهة السفن الإيرانية المحملة بالوقود، التي في طريقها لفنزويلا، بخاصة أنها تبحر في المياه الدولية، وأضاف أن أي مواجهة أميركية للسفن الإيرانية تعدّ خرقاً لقوانين البحار.
وقال إذا ما أقدمت أميركا على مواجهة السفن، عندها ستقرر السلطات الإيرانية طريقة الردّ المناسبة. ورفض دوكاهكي التعليق على النهج الذي قد تسلكه إيران في ردها.
وقال الدبلوماسي الإيراني إن “الحظر المفروض على صادرات النفط، هو قرار أميركي وليس دولياً”، مضيفاً أن من حق بلاده تصدير وبيع نفطها لأي دولة في العالم. ووصف العقوبات الأميركية بغير القانونية والمخالفة للقانون الدولي، قائلاً إننا نرفض رفضاً تاماً الحظر الأميركي المفروض على صادراتنا النفطية.
إيران تستخدم النفط لكسب التأييد
من جانبها، حذّرت إيران من أنها ستنتقم من الولايات المتحدة إذا ما استهدفت سفنها. ومع تعافي أسواق النفط الخام من فوضى جائحة فيروس كورونا الذي أدى إلى تآكل الطلب وتراجع الأسعار المدمر، اغتنم النظام في طهران الفرصة لاستخدام نفطه لكسب تأييد منافسي الأميركيين، بما في ذلك فنزويلا وسوريا.
روس دالين، الاقتصادي في كاراكاس كابيتال ماركتس، قال إن قافلة الناقلات المتجهة إلى فنزويلا تحمل منتجات نفط إيرانية تبلغ نحو 45 مليون دولار، وأضاف أن الضغط الأميركي أوقف أخيراً شحنات منتجات التكرير من الشركات الروسية والإسبانية والإيطالية التي سبق لها أن قدمت إغاثة محدودة من نقص الغاز المزمن في البلاد، بحسب “وول ستريت جورنال”.
وقال الأدميرال كريج فالر، الذي يرأس القيادة الجنوبية الأميركية في منطقة البحر الكاريبي، في مؤتمر عبر الفيديو نظمته جامعة فلوريدا الدولية، إن التواصل الإيراني مع فنزويلا يهدف إلى مساعدتها على “اكتساب ميزة موضعية في جوارنا كوسيلة لمواجهة المصالح الأميركية”.
من جانبه، قال رياض قهوجي، مدير مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (إنيغما)، في تصريحات لـ”اندبندنت عربية”، إن توجّه الولايات المتحدة لتحريك أسطولها في الكاريبي وأميركا الجنوبية أمر وارد، بخاصة إذا وصل التهديد إلى ساحتها الخلفية وعقر دارها، فالولايات المتحدة تمتلك القوة العسكرية للتصدي لمحاولات إيران تعزيز نفوذها في أميركا اللاتينة، حيث إنها في السابق اتخذت خطوات لمواجهة تحركات طهران، واليوم لا يوجد ما يمنعها من اتّخاذ خطوات صارمة تجاهها في تلك المنطقة.
ويقول قهوجي إن إيران ترتبط بعلاقات قوية مع بعض دول أميركا الجنوبية، بخاصة تلك المعادية للولايات المتحدة، كما تسعى دائماً لاستفزاز الجانب الأميركي.
وأضاف أن هناك تقارير أميركية وغربية تتحدث عن أنشطة لإيران وحزب الله في أميركا الجنوبية، وبالتالي الولايات المتحدة تخشى من تلك الأنشطة.
وأشار إلى أن توجّه الولايات المتحدة لتوقيف أي من الناقلات المحملة بالنفط والمتجهة لفنزويلا سيكون له رد فعل في المنطقة الخليجية، فإيران لا تمتلك قدرات عسكرية في منطقة الكاريبي وأميركا اللاتينة، ولكن لديها القدرة على إحداث رد فعل في المنطقة الخليجية، مما سيرفع وتيرة التوتر في المنطقة. وبحسب بعض المطلعين على الأمر، فإن بعض المسؤولين الأميركيين دافعوا عن ضبط النفس، بحجة أن الولايات المتحدة يجب ألا تتدخل إلا إذا أصبحت الشحنات الإيرانية تركيبات دائمة.
ويخشى من يدعمون هذا الموقف من تصعيد التوترات بعد أن تجنبت واشنطن وطهران بفارق ضئيل نزاعاً عسكرياً كاملاً في أعقاب ضربة أميركية أسفرت عن مقتل القائد الإيراني قاسم سليماني، في يناير (كانون الثاني).
مواجهة السفن الإيرانية والتداعيات على المنطقة
من جانبه، قلّل الأدميرال فالر من احتمال استخدام الأسطول الكاريبي الأميركي لإيقاف السفن الإيرانية. وقال “في ما يتعلق بفنزويلا، انصبّ تركيزنا على تبادل المعلومات الاستخباراتية، ومحاولة معرفة ما يصل إليه مادورو ورفاقه”. وبدلاً عن ذلك، ينظر المسؤولون الأميركيون في إجراءات من شأنها ردع إيران عن تكرار عمليات التسليم إلى كاراكاس، بما في ذلك فرض عقوبات على أطقم الناقلات، الأمر الذي قد يحد بشدة من فرص العمل، وقدرة إيران على تزويد السفن القادمة إلى فنزويلا.
ويرى رياض قهوجي أن الأسطول الرابع الأميركي هو القوة العسكرية للولايات المتحدة في مياه أميركا الجنوبية والبحر الكاريبي. وقال “منذ عام رأينا كيف احتجزت طهران ناقلة النفط البريطانية (ستينا إيمبيرو)، وكيف أوقفت شرطة جبل طارق قبطان ناقلة النفط الإيرانية (غريس1)، في عملية شاركت بها البحرية الملكية البريطانية، للاشتباه في أنها كانت متوجهة إلى سوريا لتسليم حمولة من النفط في انتهاك لعقوبات أميركية وأوروبية. واليوم الولايات المتحدة قد تتجه بنفسها لإيقاف السفن الإيرانية المتجهة إلى فنزويلا، ومن الطبيعي أن يكون لإيران رد فعل في المنطقة لا يمكن التنبؤ به، بما فيه استهداف السفن مجدداً في مياه المنطقة.
الولايات المتحدة ومصادرة السفن الإيرانية
وقال مسؤولون إن الولايات المتحدة يمكن أن تحاول أيضاً مصادرة السفن، من خلال إجراءات محكمة أميركية تسمى “إجراءات المصادرة” لانتهاك القانون الأميركي. وقد استخدمت العملية من دون جدوى العام الماضي للاستيلاء على الناقلة الإيرانية (غريس 1) المتجهة إلى سوريا.
وأشاروا إلى أنه مع احتمال عدم تعاون فنزويلا مع مثل هذا الأمر، سيتعين استخدام الأداة القانونية عندما تتوقف السفن للتزوّد بالوقود في الموانئ في طريقها إلى إيران. ورفضت وزارة الخارجية الأميركية التعليق على أي إجراء قد تتخذه. وقال متحدث رسمي أمس إن “الوزارة كانت متسقة في استدعاء النظامين الإيراني والفنزويلي”.
من جانبه، قال متحدث باسم وزارة الخزانة الأميركية “سنواصل استخدام سلطات العقوبات بقوة لاستهداف النشاط الخبيث والتهرب من العقوبات”، وكل من يتعامل مع صناعة النفط الفنزويلية معرض لخطر العقوبات. إيران نفسها هي أيضاً هدف برنامج العقوبات الأميركي الأكثر شمولاً، بعد أن انسحب الرئيس ترمب من الاتفاق النووي واستأنف حظر مبيعات طهران من النفط في 2018.
ويؤكد دعم إيران لفنزويلا حدود العقوبات كأداة للسياسة الخارجية. بعد عقود من العقوبات، طوّرت إيران صناعة تكرير واسعة النطاق، حيث تصنع معداتها الخاصة وتنتج وقوداً لاحتياجات سكانها. ومع عدم بيع الكثير من نفطها وسط عقوبات وانهيار عالمي للطلب، تجد إيران الآن منافذ جديدة لخامها بين زملائها الأعداء.
كفاية أولير
اندبندت عربي