الاقتصاد الإيراني تحت مطرقة الضغوطات

الاقتصاد الإيراني تحت مطرقة الضغوطات

الباحثة شذى خليل*
يعيش المواطن الإيراني في وضع اقتصادي مهلك وفقر شديد نتيجة العقوبات الاقتصادية الممتدة ضد بلاده، والتي تسبب فيها سلوك حكامه المتعاقبين، وان استمرار العقوبات ادت الى تفاقم الوضع سوءا في بلد يفترض أن يكون غنيا في الأحوال الطبيعية، نتيجة ثروته النفطية الكبيرة وتنوع اقتصاده وعدد سكانه.
لكن وبسبب السياسات المتسلطة والاستبدادية ، جعلت من الفقر ظاهرة في كل مكان وبخاصة في المدن، لدرجة تجبر السكان على الرحيل إلى المناطق الريفية هرباً من ارتفاع تكاليف المعيشة، التي لم يعد بمقدورهم تحملها.
كشفت صحيفة «فاينانشيال تايمز» ان الإيرانيين لم يعودوا قادرين على تلبية احتياجاتهم ننتيجة تضرر الاقتصاد من العقوبات الأمريكية، وهو ما يدفعهم لـ «الفرار» من المدن.

بهذا تزداد مخاوف حكام إيران رغم انهم يظهرون العكس من ذلك في وسائل الاعلام حيث يبدون وكأنهم لا يخشون شيئا وهم يضمرون القلق إزاء العديد من القضايا والأحداث التي تحيط بهم اليوم. لم يعد يجدي ذلك الادعاء بأنهم اعتادوا العمل تحت العقوبات والحصار الاقتصادي. ولم يعد مجديا، أيضا، تجاهل حقيقة أن خصوم طهران باتوا أكثر إصرارا على تقويضها في المنطقة.

ومما يزيد تلك المخاوف ، الخوف من قدرة مجاهدي خلق على جذب الشباب ففي خطابه الاخير ، عبّر خامنئي بصراحة غیر مسبوقة عن مخاوفه من انجذاب الشباب إلى مجاهدي خلق ومُثلهم. في هذا الصدد وللتعبير عن أبعاد الخطر القدیم المتجدد. حيث عملت المعارضة على كشف قدرة السلطة في إدارة ازمة كورونا، اذ لا يبدو أن تعامل النظام معها بذات القمع الذي اعتاد عليه مضمون النتائج. فالظرف الداخلي يختلف هذه المرة،
وانها نجحت في احتواء الشارع الساخط على السلطة بسبب سياستها الخارجية والتدخلات الإقليمية التي جرت ايران الى أزمات هي في غنى عنها وجراء الوضع الاقتصادي المتردي والحالة الاجتماعية الصعبة للأغلبية من ابناء الشعب الذين يعيشون في فقر مدقع . ومما زاد الطين بله أزمة كورونا التي ساعدت في ذلك لأن النظام يُخفي كثيرا من الأسرار والأرقام في التعامل معها، والمعارضة تفضحها وتكشفها للإيرانيين.

الصادرات النفطية
تدهور الاقتصاد الإيراني بعد فرض العقوبات الأميركية التي تسببت بانخفاض كبير بالصادرات النفطية، وكذلك إدراج إيران ضمن القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي الدولي لمكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال في 21 فبراير/شباط 2020 .

واشتدت الضغوطات الاقتصادية على إيران بعد أزمة انتشار فيروس كورونا وانخفاض الحركة الشرائية في الداخل، وكذلك إغلاق الحدود مع دول الجوار وتوقف صادراتها غير النفطية، التي تعتبر من أهم الشرايين الاقتصادية للبلد.

ويقول الاقتصادي وخبير الشؤون الدولية الدكتور صباح زنكنه إن الاقتصاد الإيراني سيتأثر بالطبع مع تفشي هذا الفيروس، وأن ثمة علاقات متشابكة بين اقتصاد إيران ودول المنطقة، ومسألة إغلاق حدود الدول المجاورة مع إيران بسبب انتشار الفيروس، سيكون مؤقتا ولن يستمر طويلا، لتضرر تلك الدول أيضا من هذا الأمر.. ان استمرار هذا الحال سيجعل عشرات الآلاف من العمال يخسرون أعمالهم وستعلن العديد من الشركات إفلاسها.
تخشى الحكومة الإيرانية، من أزمة اجتماعية إذا تفاقم الوضع الاقتصادي أكثر، وان سياسات الإغلاق الاقتصادي، يمكن ان تنجح في الدول المنظمة اقتصاديا، حيث يسهل على الموظفين العمل من البيوت، لكن هذا الأمر يصعب في إيران”.

وفي ذات السياق ؛ وجه خبراء اقتصاد إيرانيون رسالتهم إلى السلطة محذرين من الوضع الاقتصادي المتدهور فعلا في البلاد
اذ سبب تفشي فيروس كورونا الذي خلق حالة من الركود الاقتصادي و المزيد من الخسائر بالبلدان التي كانت تعاني من مشاكل مالية واقتصادية حادة قبل بدء كورونا. حيث يواجه الاقتصاد الإيراني، بمؤشراته السلبية والمخيبة للآمال العديدة.
وتسبب انهيار العملة الإيرانية في ارتفاع مستوى التضخم وبلغ ذروته في مايو الماضي 50 بالمئة، ما رفع تكاليف المعيشة وزاد من معدلات البؤس والظروف المقلقة، حيث يواجه ارتفاع معدل التضخم والبطالة إلى الموازنة الحكومية والديون والإيرادات .
وحيث أدى ارتفاع الركود الاقتصادي وتراجع الإنتاج وانحسار النمو الاقتصادي وزیادة نسبة الفقراء بالملایین، بالإضافة إلى زیادة عجز الموازنة وارتفاع التضّخم، التي تسحق الشرائح الفقیرة والمهمّشة وغير القادرة علی توفیر أبسط مقوّمات الحیاة وبهذا ستزداد البطالة وستنخفض نسبة التوظيف، وسترتفع نسبة الفقر المطلق في عوائل الشرائح الفقيرة وكذلك العاطلين عن العمل أو المصابين بالمرض.
مما يساعد على امكانية تشكل خلايا نائمة وعاصية في عشوائيات المدن ستجعل النصف الثاني من العام الجاري والعام المقبل فترة حافلة بالأزمات.
ويتوقع خبراء البنك الدولي أن يواجه قطاع الخدمات الإيراني – أكبر قطاع اقتصادي يسهم في الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت حصته 56 في المائة عام 2017 – 2018 – مزيدا من الركود في الفترة المقبلة، ويترافق ذلك مع توقعات بانكماش الاستهلاك الحقيقي للمؤسسات الحكومية بمعدل يتجاوز 5.4 في المائة.
ويعتقد البروفيسور فريهاد على.. الخبير الاقتصادي الإيراني وأستاذ الاقتصاد السابق في جامعة طهران، أن التحدي الأكبر الذي يمكن أن يؤدي إلى انهيار الحكومة سينجم عن الخلل المالي المتفاقم.
وسيتفاقم العجز المالي إلى 5.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة بين 2019 و2020، حيث ان أكثر من 30 في المائة من عائدات الميزانية العامة يأتي من النفط والغاز، ونتيجة تراجع الصادرات لن يكون أمام السلطات الحكومية غير فرض مزيد من القيود على الواردات، وهذا يعني ارتفاع تكلفة الإنتاج محليا، وتراجع مستويات المعيشة نتيجة تراجع القدرة الشرائية، لارتفاع الأسعار”.
ولتفادي مزيد من الاضطرابات الاجتماعية، سيضطر النظام إلى ضخ مزيد من المساعدات للطبقات الفقيرة على شكل إعانات اجتماعية، والتي ستأتي في وقت تتراجع فيه العائدات النفطية، والعوائد الضريبية أيضا بسبب تقلص التوسع الاستثماري في البلاد.
اما بالنسبة الى النمو الاقتصادي ، حيث انكمش في الأشهر التسعة الأخيرة إلى 7.6-%، في حين وصلت نسبة التضخم إلى 37% بحسب مركز الإحصاء الإيراني.
ويقول الدكتور جمشيد بجويان، الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي إن أحد أسباب التضخم المرتفع في البلاد يعود إلى انخفاض قيمة العملة المحلية في إيران وتصدير السلع إلى دول الجوار.
وأشار بجويان إلى أن عدم تصدير إيران لمنتوجاتها غير النفطية سيزيدها خسارة، لكن في المقابل ستعود كل هذه السلع إلى السوق المحلية وستساعد بانخفاض التضخم المرتفع.
وبالنظر إلى جميع المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها إيران مثل عدم وجود سياسات اقتصادية مناسبة وكذلك العقوبات الأميركية ووضعها على القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي وارتفاع التضخم، بلغت الأزمة أشدها على الإطلاق مع انتشار فيروس كورونا في البلاد، لتضع الاقتصاد الإيراني تحت مطرقة الضغوطات في الوقت الراهن.
ختاما العقوبات الاقتصادية الخانقة، وأزمة كورونا، وتوتر العلاقات مع الغرب، وحتى مكاسب إيران في المنطقة العربية باتت عبئا على نظام طهران. ولم يعد هناك من ملاذ أمن يمكن أن يهرب إليه المتسلطون في السلطة دون أن ينظروا حولهم خوفا وقلقا.
وهذا ليس فقط بسبب في حدود السياسات الاقتصادية غير المنضبطة أو انعدام الكفاءة الإدارية في المناصب العليا في الدولة، بسبب انحصار مقدرات النظام الاقتصادي في أيدي مجموعة محددة من المجموعات، التي تدير الشأن الاقتصادي على أسس سياسية، تعمل على تركيز احتكار الثروة الوطنية في أيدي أشخاص محددين يعملون على إيجاد ظروف عمل اقتصادية تبتعد عن المنافسة، لضمان مواصلة تربحهم من الاقتصاد الريعي الإيراني.

وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية