في محاولة من إيران للالتفاف على العقوبات الأميركية، ولحاجتها إلى مزيدٍ من السيولة المالية في ظل أوضاعها الاقتصادية الصعبة، أرسلت طهران ناقلات وقود إلى فنزويلا التي تعاني وضعاً اقتصاديّاً صعباً، والمفارقة أنّ الدولتين تخضعان للعقوبات الأميركية.
وحذّرت إيران الولايات المتحدة من التدخل أو الاقتراب من السفن، بعد وجود أنباء عن تحرّك أربع سفن أميركية وطائرة حربية نحو منطقة بحر الكاريبي، ورغم التهديد الأميركي فإنّ فنزويلا أعلنت أنّ قوارب وطائرات تابعة للقوات المسلحة سترافق ناقلات الوقود مجرد دخولها المنطقة الاقتصادية الخالصة، وقال وزير الدفاع الفنزويلي إنه “ممتن لتضامن إيران”.
ولم تكن تلك السابقة هي الأولى التي تتعرّض فيها سفن الوقود الإيرانية لضغوط أميركية ودولية، ففي العام الماضي استولت البحرية الملكية البريطانية على ناقلة إيرانية تسمّى “غريس 1” كانت متجهة إلى سوريا بالقرب من جبل طارق، بسبب عقوبات الاتحاد الأوروبي على شحنات الوقود إلى سوريا، وقيل حينها إنّ الاستيلاء على الناقلة كان بإيعاز من الولايات المتحدة.
إذن، هل يمكن هذه المرة أن تستولي الولايات المتحدة على الناقلات الإيرانية، في إطار سياسة الضغط الأقصى على إيران؟
من المرجّح أنه يوجد عددٌ من التداعيات إذا أمر الرئيس الأميركي دونالد ترمب باستهداف الناقلات الإيرانية، فربما تضعف تلك الخطوة موقفه في الداخل مع قرب الانتخابات الرئاسية، فضلاً عن مدى الاستعداد لرفع التصعيد مع إيران، في الوقت الذي تواجه فيه الإدارة تفشي وباء كورونا، إلى جانب التوتر المؤكّد الذي ستفتعله طهران في مياه الخليج العربي.
وتتمتع إيران وفنزويلا بعلاقات قوية، ويرجع ذلك جزئياً إلى علاقتهما العدائية مع الولايات المتحدة، ومن ثمّ يساعد البلدان بعضهما بعضاً في استمرار العلاقات التجارية في مواجهة العقوبات الأميركية، حتى إنّ وزير الخارجية الأميركية اتّهم طهران بتجارة المخدرات مع فنزويلا، وطالب بوقف رحلات شركة ماهان إير الإيرانية التي اتهمها بتقديم إمدادات إلى الرئيس مادورو.
وتقودنا العلاقة بين إيران وفنزويلا إلى البحث في السياسة الخارجية الإيرانية بأميركا الجنوبية، بشكل عام، ولماذا حرصت إيران على إقامة علاقات ممتدة ومتشعبة في تلك القارة البعيدة على الرغم من عدم وجود نسبة كبيرة من المسلمين بها؟
ظهرت في أفكار صنّاع القرار الإيرانيين شعارات تبرز التزامات إيران الأخلاقية العالمية، ورفعوا شعارات أنه من واجب الأمة الإيرانية الوقوف إلى جانب المظلومين ولمواجهة الظلم، ووجدوا فرصة سانحة لنسج شبكة من العلاقات مع حلفاء جدد في أميركا الجنوبية لمعارضة المصالح الأميركية، ولموازنة الوجود الأميركي في الشرق الأوسط، فضلاً عن سعيها للحصول على الدعم السياسي الدولي، لذا نسجت علاقات مع دول أميركا الجنوبية على خلفية التعاون لحل مشكلات العالم، التي تشمل الفقر والظلم على غالبية المجتمع العالمي، والقضايا البيئية، والأخلاقية مثل وضع المرأة، وتدمير الثقافات، وانتهاك حقوق الإنسان، وانعدام السلام والأمن.
لذا، احتوى الخطاب الإيراني منذ 2005 وحتى 2013 على تلك الثنائيات، وتُرجم ذلك في تقارب سياسي مع دول أميركا الجنوبية، إذ زار فيدل كاسترو رئيس كوبا السابق إيران عام 2001، ومنذ عام 2005 شهدت العلاقات بين إيران وأميركا اللاتينية بما أشار إلى توجّه جديد، عملت من خلاله على التوغل داخل شبه القارة البعيدة عنها جغرافياً، على أساس التقارب الأيديولوجي الثوري والموالي دول العالم الثالث بين إيران والدول التي تناوئ الولايات المتحدة، وأصبحت لقاءات الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد مع رؤساء فنزويلا ونيكارجوا مناسبات لمهاجمة الولايات المتحدة باسم النضال ضد الإمبريالية والرأسمالية.
وعملت إيران على استغلال علاقتها بتلك الدول من أجل تبني سياسات تصدير الثورة والإسلام الشيعي من المنظور الخميني نفسه، فتواصلت مع الجماعات الشيعية في أميركا الجنوبية على الرغم من النسبة الصغيرة من المسلمين هناك، واستهدفت نشر الإسلام الشيعي بين الطوائف الشيعية والسُّنية، بمن في ذلك أحفاد المهاجرين من سوريا ولبنان، وصدّر مبادئ الثورة الإيرانية متكلمون إسبان من إيران عاشوا بأميركا الجنوبية، وعلى دراية جيدة بالمجتمع المحلي والسياسة.
واتبعت إيران في سبيل ذلك عدة نشاطات دعائية، منها إنشاء 17 مركزاً ثقافياً، وشاركت في نشر الإسلام الشيعي والأيديولوجية الخمينية، كما أنّ معهد الفكر الثقافي الشرقي بالأرجنتين نظّم نشاطات دعاية مكثفة، بما في ذلك إرسال رجال دين إيرانيين شباب إلى دول أميركا الجنوبية، لنشر الإسلام الشيعي الراديكالي ذي النمط الإيراني.
وللإعداد لمثل هذه المهام يتدرّب رجال الدين ثلاث سنوات، ويدرسون مجموعة متنوّعة من الموضوعات، لمساعدتهم في نشاطهم بأميركا اللاتينية، وكذلك الأديان والثقافات بأميركا الجنوبية، والمهارات اللازمة لتحويل الناطقين بالإسبانية إلى الإسلام. كما جرى توزيع كتب باللغة الإسبانية تحتوي على أهم تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي، وتفسيرات للقرآن بدول أميركا الجنوبية.
وتعتمد إيران على كبار رجال الدين الشيعة، وبناء مواقع على شبكة الإنترنت باللغة الإسبانية، ومساعدة المراكز الإسلامية بأميركا الجنوبية، والتعاون مع المنظمات الإيرانية في الخارج، لإنشاء شبكات من النشطاء المحليين، ومراكز ومساجد إسلامية جديدة، كما أسست صحيفة على الإنترنت تسمّى “الطريق الثالث”، ومراكز ثقافية إسلامية في تشيلي وبوليفيا وكوبا وكولومبيا، ومحطة إذاعية إسلامية في بوليفيا، وفي البرازيل من عام 2007 إلى 2011 زار ثلاث مجموعات من البرازيليين إيران لتلقي تدريب ديني في مدينة قم.
وعلى الرغم من إضفاء إيران المبرر الأخلاقي في علاقتها بتلك الدول، لكنها في الحقيقة فرصة لمناكفة الولايات المتحدة بمنطقة مصالحها، فضلاً عن منفعة تساعدها على الالتفاف وإيجاد منفذ من العقوبات الأميركية.
هبه رؤوف
اندبندت عربي