تعرضت الأقلية الإيزيدية في العراق لأقسى اضطهاد على أيدي عناصر داعش الذين قتلوا المئات من رجالها وأطفالها، وخطفوا نساءها واتخذوهن سبايا واستعبدوهن جنسيا، وهو ما أكدته تحقيقات لجنة العدالة والمساءلة الدولية عبر أدلة موثقة، حيث حوّل التنظيم مدينة سنجار لسوق للنخاسة وتجارة الرق، ليزيد بذلك التقرير من إحراج المجتمع الدولي الذي عجز عن وقف جرائم التنظيم بحق العراقيين.
الموصل (العراق) – تقوم مجموعة من المحققين في لجنة العدالة والمساءلة الدولية بجمع الأدلة لمقاضاة عناصر داعش بتهم ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية.
وتوصل المحققون في، الآونة الأخيرة، إلى أدلة تكشف استعباد داعش للطائفة الإيزيدية بالعراق وتحويل النساء الإيزيديات إلى “سبايا” وأسواق المدن العراقية إلى “سوق لتجارة الرق والعبيد”.
ويقول المحققون إنه من خلال وثائق التنظيم والمقابلات مع الناجين والمطلعين، حددوا 49 شخصية من عناصر داعش قاموا بتأسيس وإدارة تجارة الرقيق، كما تم تحديد ما يقرب من 170 من مالكي العبيد.
وأوضح بيل وايلي، المدير التنفيذي مؤسس لجنة العدالة والمساءلة الدولية، أن المقاتلين لم يقرروا فقط استعباد واغتصاب النساء الإيزيديات، بل كانت هناك خطة تصفية يتم تنفيذها بعناية من قبل قيادة التنظيم.
وأضاف لقد سخروا كل أدوات ما تسمى دولتهم للقيام بهذه الممارسات. وفي سبيل قيامهم بذلك، شرعوا في القضاء على الطائفة الإيزيدية من خلال ضمان عدم ولادة المزيد من أطفال الإيزيديين”.
وخلال مقابلات مع مستعبدين سابقين ومنقذين ومسلحين مسجونين، تبين أن “حكومة” التنظيم قامت بتأسيس نظام الاستعباد، وفرضته الأجهزة الأمنية، وأشرفت عليه محاكمها. ثم تحوّل هذا الأمر في ما بعد إلى نوع من المنافسة بين مقاتلي التنظيم، لما تدره عليهم تجارة الرق من مكاسب مالية هائلة.
قصص استعباد
في سوق مدينة تدمر وقع عرض سيدات إيزيديات كـ”سبايا” فيما قام آخرون بتوزيع النساء عن طريق نظام “اليانصيب”
سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على ثلث العراق في أغسطس 2014 لاسيما على جبال سنجار، معقل الإيزيديين التاريخي. وارتكب التنظيم بحق هؤلاء جرائم يمكن أن تصل إلى مستوى إبادة بحسب الأمم المتحدة إضافة إلى استهدافه معارضيه وتدمير المواقع الثقافية والدينية وتدريب الأطفال على الجهاد.
ولم يكتف التنظيم بذلك بل قام باستعباد الإيزيديات، واستنادا إلى تحقيق “سيجا” فإن قيادات داعش كانت متورطة بشكل مباشر في تنظيم شبكة رقيق أصبحت مركزية في بنية وهوية التنظيم. ثم شاركت مؤسسات داعش الحاكمة آنذاك في تطبيق هذا النظام، بدءاً من “مجلس وزراء” داعش الذي بنى نظام الرق، والأجهزة الأمنية التي فرضته، والبيروقراطيين والمحاكم الإسلامية اللذان أشرفا عليه، والأذرع الدعائية التي بررت تلك الممارسات.
وحتى مع انهيار الخلافة، جعل المسلحون إبقاء قبضتهم على الرقيق أولوية. وعندما انتشرت أسواق الرقيق بعيداً عن أعين القيادة، تظهر الوثائق الداخلية أن مسؤولي تنظيم داعش كافحوا لفرض السيطرة من جديد على هذه الشبكة من خلال إصدار مجموعة من المراسيم التي تم تجاهلها من قبل عناصر التنظيم.
ويُعتقد أن الحاج عبدالله، وهو تركماني من تلعفر، وهي منطقة بالقرب من سنجار، هو أعلى مسؤول قضائي لداعش في المنطقة، ولذلك فقد تدخل للعب دور رئيسي في عملية الاستعباد.
وأصبح في ما بعد نائباً لزعيم التنظيم أبوبكر البغدادي. ويعتقد كثيرون أنه خليفة البغدادي الراحل، الذي تم تعريفه بالاسم المستعار أبوإبراهيم الهاشمي القرشي، والذي رصدت الولايات المتحدة مكافأة قدرها 5 ملايين دولار مقابل رأسه.
وحسب التحقيقات، كان واضحاً أنه المسؤول عندما دخل إلى قاعة الزفاف التي تحولت إلى سجن للمستعبدات بمدينة الموصل العراقية، حيث تجلس العشرات من النساء والفتيات الإيزيديات على الأرض، بعد أن اختطفهن مقاتلو التنظيم.
وتروي امرأة إيزيدية، كانت في الـ14 من عمرها عندما جرت تلك الواقعة عام 2014، لوكالة أسوشيتد برس أن الرجل كان يضربهن عندما يبدين أدنى مقاومة. وذات مرة، قام بجر فتاة على الأرض بعدما اختارها لنفسه.
وتقول الفتاة التي شاهدت قسوة الحاج عبدالله في قاعة الزفاف “لقد عشت معهم لمدة خمس سنوات. ضربوني وباعوني وفعلوا كل شيء بي. وحين بلغت من العمر 19 تعرضت للاغتصاب من قبل ما يقرب من 12 من قيادات داعش”، بمن فيهم البغدادي، الذي احتجزها عنده لشهور قبل أن يقدمها هدية لأحد مساعديه. وتم إنقاذ الفتاة في عملية تم تنفيذها بقيادة واشنطن في مايو 2019.
وأدار التنظيم أسواق رقيق مركزية في الموصل والرقة ومدن أخرى. ففي سوق مدينة تدمر السورية، سارت سيدات في ممر ووقعن عرضهن كـ”سبايا ” فيما قام آخرون بتوزيع النساء عن طريق نظام “اليانصيب”. وسجلت إدارة الجنود، أو “ديوان الجند”، بالتنظيم المقاتلين الذين كانوا يملكون رقيقاً.
ولبعض الوقت، كان التنظيم يدفع لكل مقاتل راتبا يبلغ نحو 50 دولارا على كل عبد، و35 دولارا على كل طفل. ومع ذلك، تبين أن إدارة هذا النظام القوي أمر صعب. ثم لاقت إدارة هذا النظام صعوبة وتعقيدا بشكل أكبر مما خططت له القيادة، وعمّت الفوضى كنتيجة لذلك.
وأعيد بيع الإماء، اللواتي كنّ من المفترض أن يكنّ مكافأة للمقاتلين، لتحقيق مكاسب شخصية، وقام بعض عناصر داعش بجمع عشرات الآلاف من الدولارات في صورة فدية لتحرير الأسرى وإرسالهن إلى عائلاتهن. وأدى العنف وإساءة المعاملة من قبل المالكين إلى تزايد التقارير عن حالات الانتحار والهروب بين الأسرى.
ودفع ذلك إلى مجموعة من اللوائح المتعلقة بالملكية والمبيعات، كشف عنها الخبير السوري بمؤسسة “سيجا”، والباحث المستقل، أيمن التميمي.
وتقول ليلى تالو، التي استمرت عامين ونصف العام في الأسر وامتلكها نحو 8 رجال “اعتبروا أن كل شيء يجوز. اغتصبوا النساء والفتيات”.
وبعد اختطاف تالو، اختُطف زوجها وابنها الصغير وابنتها الرضيعة في عام 2014. كانوا يقتلون الرجال ويستعبدون النساء. وعلى الرغم من القواعد التي تفرض بيع الرقيق من خلال محاكم داعش، نُقلت تالو إلى أسواق الرقيق غير الرسمية. وبالنهاية، بيعت بـ6000 دولار. لكن تالو تمكنت من الهرب أخيراً مع أطفالها وشقيقة زوجها من خلال دفع أموال لمهرب.
تم تحرير حوالي 3500 من العبيد من براثن داعش في السنوات الأخيرة، معظمهم تم استعادتهم من قبل عائلاتهم. لكن أكثر من 2900 من الإيزيديين لا يزالون في عداد المفقودين، بما في ذلك حوالي 1300 من النساء والأطفال، وفقا لمكتب المختطفين الإيزيديين في منطقة الحكم المستقل الكردية في العراق.
وقال بهزاد فرحان وعلي خناصوري، وهما إيزيديان يعملان كمنقذيْن يلاحقان المستعبدين، أنهما يعتقدان أن معظم الأسرى قُتلوا، لكن قالا إن المئات من النساء والأطفال يحتجزون على الأرجح من قبل المسلحين.
وعلى مدى سنوات، تتبع الاثنان أسواق العبيد على وسائل التواصل الاجتماعي، واتصلا بالمهربين وبحثا عن مقاتلي داعش الراغبين في إعادة المختطفين إلى أسرهم مقابل فدية. ومن خلال عملهما بشكل منفصل، تمكّنا من تحرير العشرات من النساء والأطفال.
ويروي خناصوري، جالسًا تحت ظل شجرة في لاليش، وهو أقدس أضرحة الإيزيديين في محافظة دهوك العراقية، كيف تمكن من الفرار بعد أن كان من بين حوالي 250 شخصًا اختطفهم داعش في مسقط رأسه قبل خمس سنوات.
وبمساعدة عضو تونسي من تنظيم داعش قابله في الأسر، طوّر شبكة من المطلعين والحلفاء في سعيه لإنقاذ أكبر عدد ممكن من زملائه الإيزيديين. ومع انهيار داعش، نشطت محاولات الإنقاذ حيث كان الخاطفون يتدافعون للحصول على المال وبحثوا عن مشترين، على حد تعبير خناصوري.
والآن، مع تشتيت شمل المسلحين بالتجائهم للاختباء في الصحاري والكهوف أو في الخلايا النائمة – أصبح العثور على البائعين أكثر صعوبة. يُظهر خناصوري وهو يستخدم هاتفه خرائط لأماكن محتملة لمنازل داعش الآمنة في الصحاري الغربية بالعراق، ويؤكد على أنهم ما زالوا يحتجزون باقي النساء الباقيات على قيد الحياة. وهناك بعض النساء الأخريات اخترن أن يختبئن، إما بإرادتهن أو مجبرات، بين عائلات داعش الموجودة في مخيم الهول في سوريا، والتي يديرها مقاتلون أكراد سوريون.
العرب