تونس – يراهن إخوان ليبيا وحلفاؤهم المحليون والدوليون على شق المعسكر الداعم للجيش الليبي من خلال استثمار غضب بعض الأطراف من الخسائر التي تلقاها الجيش مؤخرا في شن حملة تستهدف جبهتين داخل هذا المعسكر، الأولى القبائل الداعمة لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح والثانية موجهة لأنصار العقيد الراحل معمر القذافي.
وتركز هذه الحملة بالأساس على استهداف المشير خليفة حفتر وإبراز عدم جديته في المعركة من خلال التقليل من جهوده والانتصارات التي حققها في المرحلة الماضية، راسمين صورة قاتمة للوضع رغم أن الجيش ما زال يقف على أبواب طرابلس ويسيطر على أغلبية البلاد بما في ذلك الحقول والموانئ النفطية جنوب وشرق البلاد.
ونشرت قناة الجماهيرية (القناة الرسمية في عهد القذافي) التي تُتهم بتلقي تمويلات من قبل تنظيم الإخوان المسلمين بيانا، غير موقع ومن غير المعروف أي جهة يتبع، يعلن التخلي عن دعم الجيش ويشكك في دوافع انسحابه التي اعتبرها تنفيذا لأوامر “من وراء البحار”.
ومعروف أن الجيش الليبي يتكون من قيادات عسكرية مهمة بقيت مؤيدة لنظام القذافي. كما أنه يحظى بدعم القبائل المؤيدة للنظام السابق خاصة قبيلة المقارحة في الجنوب، حيث يوجد أكبر حقلين نفطيين (الفيل والشرارة).
وبينما كانت الحملة تركز خلال الأيام الماضية على تعنت الجيش وتصلب مواقفه الرافضة لتسوية على مقاس تركيا والإسلاميين، يعد عقيلة صالح الذي يحظى بدعم قبائل مهمة في الشرق أحد أبرز الداعمين لها، تحولت خلال الأيام الماضية للتركيز على الأصوات الغاضبة من انسحاب الجيش من بعض المواقع وخاصة قاعدة الوطية الجوية نتيجة الحصار الذي أحدثه التدخل العسكري التركي لصالح الميليشيات.
ويسود توتر صامت بين حفتر وعقيلة صالح بدأ يظهر إلى العلن بعد إعلان الأول عن تولي الحكم عقب صدور تفويض من قبل عدد من الأطراف، وهي الخطوة التي اعتبرت محاولة منه لقطع الطريق على مساعي رئيس مجلس النواب للدخول في محادثات لا يؤيدها الجيش، لاسيما مع طرح عقيلة صالح مبادرةً لقيت ترحيبا دوليا واضحا وضمنيا من رئيس حكومة الوفاق فايز السراج.
وتروج مواقع قطرية لتخلي حلفاء الجيش الخارجيين، وخاصة مصر وروسيا، عن حفتر بسبب الخسائر الأخيرة، وهي الشائعات التي تسعى من خلالها لتشجيع الغاضبين على الانشقاق وتقديم أنفسهم كبدائل أو الانسحاب من المعركة ما سيؤدي مباشرة إلى إضعاف الجيش.
وحذر المحلل السياسي الليبي محمد الجارح من محاولات لشق الصف في إقليم برقة (المنطقة الشرقية) على عدة جبهات داخلية وخارجية، غير مستبعد إمكانية تعرض المنطقة إلى هجوم من قبل مجموعات متطرفة محسوبة على أنصار الشريعة تجهزها حكومة الوفاق في مقدمتها مجالس شورى الثوار التي كانت في أجدابيا وبنغازي ودرنة إضافة إلى ما تبقى مما يسمى بـ”سرايا الدفاع عن بنغازي”.
ويرى الجارح أن على حفتر استغلال أي نفوذ سياسي وشعبي ما زال يحظى به من خلال الانفتاح على حلفائه السياسيين والقبائل في برقة (الشرق) وفزان (الجنوب)، وأجزاء من الغرب.
وشدد على أن “الاستمرار في خيار الحرب دون وجود دعم خارجي عسكري كبير يتغلب على الدعم التركي لحكومة الوفاق هو خيار انتحاري”، وهو ما يعني ضرورة توسيع تحالفاته مع إحدى الدول الداعمة له، لترتقي إلى درجة التحالف الإستراتيجي.
وتضعف تصريحات وزير داخلية حكومة الوفاق المحسوب على الإخوان المسلمين فتحي باشاغا التي جاءت متضاربة مع الخطاب الإعلامي القطري والتركي، تلك الحملة.
وادعى باشاغا حصول الجيش على طائرات حربية روسية زودته بها موسكو مؤخرا، وهو ما ينفي ما يروجه الإعلام القطري من توقف روسيا عن دعم حفتر، وتنازلها عن كامل غرب ليبيا لتركيا في إطار اتفاق بينهما لتقاسم النفوذ في البلاد.
وأرسلت موسكو مؤخرا برسائل حملت في طياتها إشارات تدعم الوجود التركي غرب ليبيا وهو ما عكسه خاصة موقفها الرافض لعملية “إيريني” الأوروبية التي تقودها فرنسا واليونان وتستهدف قطع إمدادات أنقرة من السلاح إلى الميليشيات والمرتزقة السوريين، لكن ذلك لا يعكس ضرورة تخلي موسكو عن مصالحها في ليبيا.
ويقود فتحي باشاغا منذ منتصف العام الماضي حملة تعمل على تضخيم الدور الروسي في ليبيا بهدف إقناع الغرب بضرورة الوقوف إلى جانب الإسلاميين.
وتبقى كل اتهامات باشاغا لروسيا مجرد مزاعم تدعمها تصريحات غربية خاصة من الخارجية الأميركية ما لم يتم تقديم أدلة تثبت انخراط موسكو في النزاع على غرار الفيديوهات التي توثق وجود المرتزقة السوريين الذين أرسلهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى ليبيا، إضافة إلى الأسلحة التركية.
لكن من غير المستبعد أن تنخرط روسيا خلال الأيام القادمة بشكل واضح في الحرب الليبية، حيث من المتوقع أن يضطر الجيش، الذي يحظى بدعم البرلمان المعترف به دوليا، إلى توقيع اتفاق مشابه للاتفاق بين تركيا وحكومة طرابلس.
وكان رئيس أركان القوات الجوية بالجيش الليبي، الفريق صقر الجروشي أعلن في تصريحات صحافية أن سلاح الجو الليبي “أوشك على تنفيذ أكبر عملية جوية في تاريخ ليبيا”، وهو ما دفع تركيا للرد على تلك التصريحات.
وقال الناطق باسم الخارجية التركية، حامي أقصوي “نؤكد مجدداً، أننا سنعتبر عناصر حفتر أهدافًا مشروعة إذا استهدفت مصالح تركيا في ليبيا”، وهو ما أثار التساؤلات عما إذا كانت تركيا تخطط لتنفيذ ضربات جوية مباشرة في ليبيا.
العرب