الباحثة شذى خليل*
يعاني العراق منذ العام 2003 وحتى ما قبله منذ العام 1990 من أزمات متتالية من سقوط بغداد والاحتلال والحكومات الضعيفة المتعاقبة على السلطة منذ ذلك الوقت، لاسيما من ضعف الأداء الحكومي والفساد والأحزاب الحاكمة والميليشيات..
وسوف نركز في هذا المقال على المواطن الذي يقف على الجانب الآخر من هذه المسؤولية، فضلاً عن الممارسات غير المسؤولة التي أسهمت في تعميق سوء الوضع، وتسليط الضوء على القطاع الزراعي والتهرب الضريبي.
القطاع الزراعي الذي يعد من اهم القطاعات في تحريك عجلة الصناعة والاستثمارات، ففيه تؤكد التقارير المختصة أن العراق يزرع ربع أراضيه الصالحة للزراعة، ويزرع ربع المساحات الصالحة للزراعة وبكمية إنتاج تعادل ربع الإنتاج الزراعي.
وبحسب الاقتصاديين المختصين، فإن العراق يملك 40 مليون دونما صالحة للزراعة يسيطر عليها فلاحون لا يزرعونها ويعيشون بالمدن، ولا يزرع سوى 10 ملايين دونم من مجموعها الكلي ، وبهذا يهدر ثلاثة أرباع المساحات الزراعية المتوافرة من شمال البلاد إلى جنوبه، وتوفر الدولة العراقية من خلال المصارف الزراعية القروض والخدمات الائتمانية للمشاريع المتنوعة والكثيرة مثل:
البيوت البلاستيكية.
مناحل العسل.
المحاصيل الحقلية.
محاصيل الخضر الصيفية.
شراء المكائن الزراعية.
قروض مشاريع الدواجن.
قروض مربي الجاموس.
قروض السيارات الانتاجية.
لكن حقيقية الأمر، أن القسم الأكبر من مستفيدي القروض لا يقومون بالتسديد، ويدخل الموضوع في مماطلات من قبل المستفيد من القرض، لأسباب عدة منها مفبركة ومنها مبالغ بها .
بهذه الطرق ستخسر الدولة الأموال من جهة، والإنتاج الزراعي من جهة ثانية، لفقدان المصداقية والمسؤولية عند الفلاح (المستفيد من القرض). مما ينعكس على التنمية الزراعة .
وفي السنوات الماضية، باتت الصحراء والرمال تزحف رويدًا رويدًا نحو المدن والمناطق التي كانت خضراء يومًا ما، ويرجع هذا إلى سوء التخطيط والإدارة والمسؤولية من قبل الفلاح والدولة، فالفلاح لا يقدر المسؤولية التي تنصب على عاتقه من حيث التراخي بهذه الثروة، اما الجانب الآخر، وهو الضوابط والالتزامات التي يجب ان تفرض من قبل وزارتي الزراعة والموارد المائية على الفلاح المستفيد من الامتيازات والقروض ليتحقق الإصلاح الزراعي المفروض بأفضل السبل والأمانة والمسؤولية.
التهرب الضريبي:
تعد الضرائب بشكل عام إحدى اهم مصادر تمويل النفقات العامة اللازمة لتنمية المجتمع وإشباع حاجاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية فللضريبة أهداف متعددة، أهمها توفير الاموال اللازمة لتغطية النفقات العامة، الى جانب اهداف اخرى ومنها تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي. ولعل ظاهرة التهرب الضريبي من شأنها عدم تحقيق العدالة الضريبية في توزيع الدخل بين المكلفين والدولة، مما يؤثر سلبا على الحصيلة الضريبية ويعتبر عائقا هاما وأساسيا أمام تحقيق التنمية التي ترسمها سياسات الدولة، والتي ترجع الى اسباب اقتصادية وتشريعية وإدارية.
أما ضريبة الدخل فهي من أهم الضرائب المباشرة المفروضة في التشريعات الضريبية الحديثة وذلك بسبب موردها الكبير، وعلى اعتبار الدخل أفضل مقياس لقدرة المكلف على دفع الضريبة، وهي بهذا تحقق مبدأ وفرة الضريبة والعدالة الضريبية وتعد من وسائل السياسة المالية الحديثة، وتستخدم لتحقيق الأهداف المالية والاقتصادية والاجتماعية للدولة.
ان تجارب الشعوب بينت ان كل مكلف سواء في الدول المتقدمة او النامية يعمل جاهدا للتخلص من العبء الضريبي بالسبل كافة، ففي الولايات المتحدة الامريكية هناك “117” مليون مواطن يقدمون بشكل اختياري “555” مليار دولار ويوقعون على اعتراف بأن الكشوفات المقدمة من قبلهم صحيحة وكاملة، ومع ذلك فإن هناك حالات تهرب ضريبي، وتشير التقديرات إلى ان خسائر الولايات المتحدة الامريكية من الايرادات نتيجة التهرب الضريبي تتجاوز “100” مليار دولار سنويا.
إن ظاهرة التهرب الضريبي تعد جريمة اقتصادية يعاقب عليها القانون لما تحدثه من آثار ضارة على الاقتصاد الوطني متمثلة بانخفاض الحصيلة الضريبية وحرمان الدولة من نسبة مهمة من الإيرادات التي تستطيع من خلالها ممارسة أدوارها الاقتصادية والاجتماعية.
أما في العراق، فإن قانون الضرائب يأخذ شكلا آخر من الضعف والترهل .
منذ تشريع أول قانون للضريبة في العراق سنة 1927 وحتى إتمام القانون رقم 113 سنة 1982، لم يطرأ أي تطور على التشريع الضريبي، فبعد 2003 أصدرت سلطة الائتلاف أمراً يحمل الرقم 49 يخفض نسب الضرائب بين 40% و60%، لكنها لم تنجح في تحقيق الهدف الرئيس للضرائب من الناحية الاجتماعية او الاقتصادية.
لا يمكن الحديث عن إصلاح اقتصادي من دون تحقيق الإصلاح الضريبي، وهذا هو التحدي الحقيقي لكل الإصلاحات الأخرى، فالنظام الضريبي في العراق “مشوه ومعطل”، ولم ينجح حتى في تحقيق موارد مالية لسد العجز.
إن الضريبة التي تستقطعها الحكومة من القطاع الخاص، ضعيفة جدا لا تتناسب مع الخدمات والتسهيلات التي توفرها الدولة، مما يثقل كاهل الدولة التي هي بأمس الحاجة للإصلاح الاقتصادي والتنموي، حتى ان البرلمان العراقي أخفق مرات عدة في تشريع قوانين تدعم جباية الضرائب، ما ضيع على البلاد موارد مالية كبيرة، كان من الممكن أن تساعده في موازناته السنوية التي تعتمد بشكل كبير جدا على واردات النفط فقط.
خدمات مجانية (لحيتان التجارة) ففي هذا القطاع يستفيد التاجر من الخدمات والتسهيلات التي تقدمها الدولة العراقية التي لا تتوفر في أية دولة في العالم، ولا يدفع مقابل تلك الخدمات ضرائب للدولة، توازي مستوى الخدمة بمساعدة الأجهزة الفاسدة التي تعمل لديها، فالتجار لا يكترثون إلا لأرباحهم، مما يؤكد ان العراق لا يملك نظاما ضريبيا معتمدا ولا ثقافة تعنى بالوعي الضريبي وأهميته لرفد ميزانية الدولة ومعالجة العجز.
المختصون يؤكدون ان هنالك الكثير من الشركات الاستثمارية والصناعية والتجارية تتهرب من دفع الضرائب، بل إنها تخرج رؤوس أموالها إلى الخارج للتهرب من دفع المستحقات المفروضة عليها، كما أن هنالك تهاونا كبيرا من قبل الهيئة العامة للضرائب في جباية الأموال من بعض المؤسسات والشركات العاملة في العراق، ما يثير الكثير من علامات الاستفهام حولها، فضلاً عن افتقارها الى العدالة، حيث تشمل سلع أخرى، بشكل غير منظم وغير مدروس ويدخل بين طياتها الفساد.
ويمارس التهرب الضريبي بعدة طرق الاحتيالية الفنية والقانونية والإدارية بقصد التخلص من دفع الضريبة، كما يعرف من الناحية القانونية بأنه: مخالفة المكلف بدفع الضريبة للأحكام والنصوص التشريعية، وذلك بوسائل الغش والتحايل على القانون، مستفيدا من بعض الثغرات في التشريع الضريبي بهدف الوصول الى عدم الالتزام بدفع الضريبة والتخلص من عبئها كليا او جزئيا، ويتضح من التعاريف السابقة ان التهرب الضريبي هو كل تصرف يتم بالمخالفة لأحكام وقوانين الضرائب أياً كانت، ويتم ارتكابها عن طريق الاحتيال والغش.
وهناك طرق مهمة لتفعيل السيطرة على المورد لتحقيق الإصلاح الاقتصادي، إذ يجب على الدولة ان تعمل على مكننة العمل الضريبي وربط المؤسسة الضريبية بالجهاز الحكومي والقطاع الخاص بشبكة الكترونية لتبادل البيانات كي يتم إحكام الرقابة عليها والحد من التهرب الضريبي.. ومن أهمها:
تطوير الإدارات والكوادر الضريبية بما يتلائم مع مكننة العمل الضريبي من خلال دورات الحاسبات ونظم المعلومات الحديثة.
دعم الجهاز الرقابي في الهيئة العامة للضرائب ليأخذ على عاتقه الحفاظ على حقوق المكلف والسلطة المالية على السواء.
العمل على تكوين جهاز إداري يتمتع بالكفاءة والفعالية وحسن التعامل مع المكلفين والذي من شأنه ان يؤدي الى إيجاد نوع من التعاون.
تبسيط إجراءات فرض الضريبة وتحصيلها على المكلفين لتحفيزهم على مراجعة دوائر الضريبة لغرض تقديم التقارير عن نشاطهم خلال مدة التحاسب.
اتباع سياسة الثواب والعقاب في نطاق فرض الضرائب والحرص على تقديم وسائل التشجيع المختلفة مثل الخصم والمنح والمكافآت للمكلفين الملتزمين وتشديد العقوبات على المكلفين غير الملتزمين.
تشكيل لجان فنية متخصصة تتمتع بالكفاءة والنزاهة تتولى مهمة إجراء مسح شامل لحصر المكلفين الجدد ومتابعة المقتبسات الضريبية.
انشاء إدارة لمكافحة التهرب الضريبي على غرار ما هو معمول به في بعض الاقطار العربية مثل مصر، ومنحها صلاحية توقيع العقوبات والجزاءات بحق المخالفين.
ترشيد الانفاق الحكومي وتوجيهه بما يخدم الصالح العام حتى يشعر المكلف ان الموارد العامة إنما تعود عليه بشكل منافع وخدمات مباشرة وغير مباشرة.
تنمية الوعي الضريبي والثقافة الضريبية في المجتمع عن طريق القيام بحملات إعلامية في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وتنظيم الندوات والمؤتمرات، وإصدار النشرات الدورية كإصدار نشرة باسم (نشرة الوعي الضريبي) والعمل على دعم الجهاز الإعلامي في الهيئة العامة للضرائب، وتوفير المستلزمات الضرورية لذلك من أجل تفعيل دوره في عملية تنمية الوعي الضريبي لدى المكلفين وتفعيل الالتزام الطوعي لديهم بالأداء الضريبي، وحفظ حقوق خزينة العراق، ومساندة الأداء الحكومي لتحقيق الإصلاح الاقتصادي.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية