نيويورك- منذ عشر سنوات، شكّل الموقف الروسي من الملف السوري المصدر الرئيسي لشلّ عمل مجلس الأمن الدولي، لكن تهيمن على هذه الهيئة الآن الخلافات الأميركية الصينية التي باتت تعرقل الكثير من الملفات وبصورة متزايدة، بحسب مسؤولين ودبلوماسيين.
وسمح تفاهم بين الصين والولايات المتحدة في 2017 للأمم المتحدة بإظهار وحدتها أمام التهديد النووي الكوري الشمالي ثلاث مرات عبر ثلاث حزم من العقوبات الاقتصادية.
لكن بعد ثلاث سنوات من ذلك، تسبب وباء كوفيد-19 بتفجير منافسة شرسة بين المساهمين الماليين الرئيسيين الاثنين في المنظمة، دفعت أمينها العام أنطونيو غوتيريش إلى التنديد ب”الافتقار للقيادة” لمواجهة أسوأ أزمة تضرب العالم منذ العام 1945.
وقال معبرا عن أسفه مؤخرا “حيث نرى سلطة، لا نرى دائماً حس القيادة الضروري” الذي يجب أن يترافق معها.
ورغم شهرين من المفاوضات، لم ينجح الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن باعتماد قرار يدعم دعوة الأمين العام إلى وقف لإطلاق النار في العالم تسهيلاً لمكافحة وباء كوفيد-19. ويرجع ذلك حصراً إلى الخلاف الأميركي الصيني حول ذكر منظمة الصحة العالمية، التي انسحب منها ترامب الجمعة، بطريقة شكلية فقط في نص مشروع القرار.
ويبدي مسؤولون في الأمم المتحدة ودبلوماسيون تشاؤماً بشأن المستقبل مع متابعتهم لاتساع مصادر التوتر بين بكين وواشنطن.
ويشير سفير رفض كشف هويته إلى أن “مجلس الأمن بقي مشلولاً ل45 عاماً، بين عامي 1945 و1990، بسبب الحرب الباردة”، موضحا أن “آخر ما نحتاج إليه الآن هو حرب باردة جديدة تشلّ مجددا مجلس الأمن”. وهو يرى أن “نقل الخلافات الثنائية إلى المجلس سيشكل كارثة”.
ويقول سفير آخر إنه “يجب علينا ألا ندخل في حرب باردة جديدة، لكن الوضع حاليا سيء” بالنسبة للأمم المتحدة، إن كان على مستوى القيادة والوباء أو على مستوى العلاقات الأميركية الصينية و”هي مواضيع مترابطة فيما بينها بشكل كبير”.
في الأمم المتحدة، يسود انطباع بوجود انحراف خطير باتجاه مجال عمل جديد ويعاني من الخلل.
ويلفت مسؤول في الأمم المتحدة رفض كشف هويته إلى أنه “في الماضي، كانت الخلافات بين أعضاء مجلس الأمن تبقى منفصلة. خصمك اليوم بشأن ملف ما قد يصبح حليفك الأفضل غداً حول ملف آخر”.
ويضيف “اليوم، كل شيء يتخطى حدوده، يوجد معسكرات وخلافات تتحرك من موضوع لآخر”، في إشارة ضمنية إلى الوضع في هونغ كونغ الذي وضع من جديد العضوين الرئيسيين الدائمين في مجلس الأمن بمواجهة بعضهما البعض.
ويخلص هذه المسؤول للقول إن “التوتر الأميركي الصيني إشكالي بالفعل” بالنسبة للمنظمة، متحدثاً دون تفصيل عن “سلسلة مواضيع لا يتقدم مجلس الأمن بشأنها”.
ويشاركه في هذا التحليل العديد من السفراء. ويتحدث سفير الاتحاد الأوروبي في الأمم المتحدة أولوف سكوغ عن “شرخ هائل في الهندسة التعددية العالمية، وهو شرخ خطير جداً”، خصوصا بين واشنطن وبكين.
من جهته يقول سفير ألمانيا – العضو غير الدائم في المجلس – كريستوف هوسغن “إننا الشهود على عملية استقطاب في مجلس الأمن”، في وقت تتبادل فيه البعثتين الأميركية والصينية المزيد من الردود اللاذعة على تويتر.
وخلال مؤتمر صحافي الخميس، أسف غوتيريش لأن أزمة الوباء لم تدفع القوى الكبرى إلى التواضع.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة “إذا كان هناك من أمر تظهره لنا هذه الأزمة، فهو هشاشتنا. هشاشتنا الجماعية. عندما نكون ضعفاء، علينا أن نكون أكثر تواضعاً. وعندما نكون متواضعين، يفترض أن نكون موحدين ومتضامنين”، مطالباً بأن يتبنى أعضاء مجلس الأمن هذا النهج.
وأشار غوتيريش في هذا الإطار إلى الولايات المتحدة والصين، دون تسميتهما، بامتلاكها حق النقض الذي يضاعف من سطوتهما. وقال “لم أر مجلس الأمن قط مشلولاً بسبب الأعضاء (العشر) المنتخبين، في إشارة إلى الأعضاء غير الدائمين فيه.
العرب