بينما أخذت الاضطرابات في الولايات المتحدة الأميركية منحى تصاعديا على خلفية قتل رجل شرطة أبيض لجورج فلويد ذي الأصول الأفريقية في ولاية مينيسوتا الأسبوع الماضي، تفاقم الجدل بسبب تعديلين في الدستور الأميركي.
ويرتبط التعديل الأول بحق المواطن في التظاهر والتجمع السلمي وحظر أي تشريع يعرقل ممارسة هذا الحق، في حين يؤكد التعديل الثاني على حق المواطن في شراء الأسلحة.
ويدفع حق التظاهر والتجمع وحق حمل السلاح إلى تشاؤم كثير من المتظاهرين ورجال الشرطة، باستحالة نهاية سريعة للاحتجاجات التي تشهدها مختلف المدن والولايات الأميركية.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتهم حكام الولايات بالفشل والضعف بسبب التهاون في السيطرة على المحتجين، ودعاهم للحزم والقيام بحملات اعتقال واسعة.
نفاذ الصبر
وعبّر محتج من ذوي البشرة السمراء خلال مظاهرة في واشنطن عن مخاوفه من نفاد صبره وصبر أقرانه في تبني الشرطة أي إصلاحات حقيقية تجاه طريقة تعاملها مع هذه الأقلية.
وقال الشاب للجزيرة نت “لأكثر من خمسين عاما التزمنا بالنهج السلمي الذي تبناه زعيمنا مارتن لوثر كينغ، لكن كانت النتيجة وقوع انتهاكات بلا توقف على يد رجال الشرطة البيض”.
وتابع الشاب الذي رفض ذكر اسمه “حالة جورج فلويد ما هي إلا فصل في مسلسل طويل من الانتهاكات. أخشى أن يكفر الشباب الأسود بتعاليم كينغ السلمية ويتبنوا تعاليم مالكوم إكس الداعية للعنف، وربما إحياء تنظيم الفهود السوداء”.
ودعا الراحل مالكوم إكس الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية للتنظيم والتسليح والدفاع عن أنفسهم، وتشكلت لاحقا منظمة “الفهود السوداء” التي ارتبطت بأعمال عنف وقتل ضد رجال الشرطة واستهداف أماكن حكومية أخرى.
وقال متظاهر آخر يدعى ويز “نحن نتظاهر بسلمية منذ أيام، وتقابلنا الشرطة بإلقاء عبوات الغاز المسيل للدموع، ويضربوننا بالهراوات وأطلقوا بعض الرصاص المطاطي. من حقنا التظاهر دون أن يتعرض لنا أحد”.
وأضاف ويز أنه أصبح يري مظاهر “الدولة البوليسية من حوله في واشنطن والمناطق المجاورة في فيرجينيا وميريلاند”.
وتزيد نسب قتل الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية على يد الشرطة مرتين ونصف المرة عن البيض، بحسب دراسة لمركز العدالة الجنائية في جامعة روتجرز.
وقتلت الشرطة العام الماضي 1777 شخصا طبقا لبيانات مؤسسة جذور البحثية، وبلغت نسبة ذوي البشرة السمراء 31% أو 565 شخصا، رغم عدم تخطيهم نسبة 13% من إجمالي السكان.
وفي حديث مع الجزيرة نت، اعتبر الشاب تيو ديفيس (21 عاما) أن الشباب الأميركي من ذوي البشرة السمراء ليس لهم غير العنف وسيلة مؤثرة لتوصيل حجم السخط الذي يشعرون به.
وعن مخاوفهم، قال ديفيس للجزيرة نت “ماذا تريد أن نفعل أنا وأصدقائي! نحن نخشى من نفس المصير الذي قضى من قبل على رودني كينغ في مدينة لوس أنجلوس عام 1992، أو مصير فريدي غراي الذي قتلته الشرطة في فيرغسون في ميزوري قبل ثلاثة أعوام”.
تحفظ الشرطة
وتقوم الجمعية الوطنية لرجال الشرطة -والتي تمثل “لوبي” يضم ما يزيد على ربع مليون شرطي- بضغط كبير في وسائل الإعلام والدوائر السياسية، للحفاظ على حقوق الشرطة وتخفيف أي عقوبة تقع بحق رجالها، وذلك منذ تأسيسها عام 1978.
وقال رئيس الجمعية مايك ماكيل لشبكة فوكس نيوز إن “رجال الشرطة الآن يواجهون موقفا خطيرا، هم لا يستطيعون القيام بواجباتهم ويخشون على حياتهم”.
وأدان ماكيل مقتل السيد فلويد الذي يراه فعلا غير مبرر على الإطلاق، وقال “لم تدربنا أكاديميات الشرطة على ذلك، ما قام به الشرطي أمر لا يصدق”، إلا أنه أكد على ضرورة عدم القفز للنتائج دون إجراء تحقيق مهني عادل فيما جرى.
وأشار ماكيل إلى أن هناك “فئة صغيرة بين المتظاهرين لا تهدف إلا للإضرار برجال الشرطة وقتلهم إن استطاعوا ذلك”.
وتشير بيانات مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) إلى أن 40% من قتلى رجال الشرطة يلقون حتفهم على يد رجال أميركيين من أصول أفريقية، وقتل العام الماضي 131 شرطيا خلال تأدية العمل.
وأشار رجل شرطة تحدث للجزيرة نت إلى أن “غياب الثقة بين الطرفين شديد العمق ويعود لعقود قديمة، ولا أعرف كيف يمكن خلق الثقة بين الطرفين بعد ما يجري ونشاهده الآن”.
وعبّر الشرطي عن مخاوفه وزملائه من عنف بعض المتظاهرين، خاصة “أنه يمكن لأي شخص شراء ما يريد من أسلحة قاتلة وفتاكة بصور قانونية”.
المصدر : الجزيرة