قال المعلق في صحيفة “واشنطن بوست” يوجين روبنسون، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نجح في توحيد الأمريكيين ضده. وتذكر الكاتب المرة الأولى التي شاهد فيها الشرطة وهي تستخدم القنابل المسيلة للدموع ضد متظاهرين سلميين كانت في تشيلي أثناء حكم الديكتاتور أوغستو بينوشيه، و”ذكرني الانتهاك الصادم لسلطة الدولة قرب البيت الأبيض يوم الإثنين بما حدث في ذلك الوقت وأكد المخاطر التي نواجهها”.
وسيطر بينوشيه على الحكم عام 1973 في انقلاب دموي دعمته الولايات المتحدة. وفي عام 1988 دعا بعدما شعر أن أحدا لا يستطيع النيل منه إلى استفتاء يمنحه ثماني سنوات أخرى في السلطة.
وكان الصحافي روبنسون هناك يغطي التحضيرات للاستفتاء، وعندما دعا المعارضون له إلى احتجاجات، أمر بينوشيه فرقه من الحمقى لكي تقوم بتفريق المتظاهرين، حيث وجد أسبابا أو اخترعها لقمعهم.
ويقول الكاتب إن أسوأ قنابل غاز مسيل للدموع استخدمت في قمع المتظاهرين اشتراها النظام القمعي كما اكُتشف من دولة التمييز العنصري، جنوب أفريقيا. ويعلق ساخرا أن هذا النوع من الأمور لا يحصل هنا في أمريكا أرض الحرية وبلد الشجعان باستثناء هذا الأسبوع وفي ساحة لافاييت.
فبعدما استخدمت الشرطة المتفجرات والقنابل المطاطية وقنابل الغاز المسيل للدموع لكي تعبّد الطريق لشبيه بينوشيه الذي تبختر من أجل التقاط صورة “سيدي القائد” محاطا بطغمته العسكرية، وزير الدفاع مارك إسبر، ووزير عدله ويليام بار، وابنته إيفانكا، ورئيس هيئة الأركان، الجنرال مارك ميلي، والذي كان يرتدي زيّه العسكري، وكأنه في بغداد أو كابول وليس في وسط العاصمة الأمريكية.
ووقف ترامب أمام الكنيسة التاريخية سانت جونز ورفع بيده الإنجيل وكأنه أداة جديدة يحاول عرضها. و”ترامب يبدو كشخص تافه ويمكننا الضحك عليه، نعم، إلا أن سلطويته، ودعوته للقوات المسلحة للرد على المتظاهرين الغاضبين على قتل جورج فلويد، تكشف كم بات خطيرا على فكرة أمريكا”.
ودفع ما حدث في ساحة لافاييت وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس إلى الخروج عن صمته والتحدث: “ترامب هو أول رئيس أراه في حياتي لا يحاول توحيد الشعب الأمريكي ولا يتظاهر بأنه يحاول” وأضاف في مقال رأي نشرته مجلة “ذي أتلانتك”: “بل يحاول بدلا من ذلك تقسيمنا. ونحن نشاهد تداعيات هذا الجهد المقصود”.
وتساءل الكاتب بعد زيارته يوم الأربعاء لمكان الجريمة إن كانت جهود ترامب قد تركت آثارا عكس ما أشار إليه ماتيس. فقد كانت الجموع المتحمسة في ساحة لافاييت أكبر من تلك التي تدفقت إليها يوم الإثنين “واندهشت من قوس قزح التنوع فيها. فلربما كان الأمريكيون الأفارقة الغالبية، ولكن كان هناك بيض ولاتينيون وآسيويون أمريكيون بأعداد كبيرة، ولم يكن هناك مجال لمراقبة قواعد التباعد الاجتماعي التي تقتضي ابتعاد الشخص عن الآخر مسافة ستة أقدام، ولكن معظم المتظاهرين كانوا يرتدون الأقنعة أو المناديل. وحملت بعض الأقنعة نفس الرسالة “حياة السود مهمة” و”أوقفوا الشرطة عن القتل” و “لا أستطيع التنفس”.
وقابلت القس المبجل روب فيشر، عميد كنيسة سانت جونز والذي قال إنه لم يتلق ولا أي رسالة أو بلاغ عن نية الرئيس استخدام الكنيسة كخلفية للصورة التي تستخدمها حملة ترامب. وقال: “الطريقة الوحيدة هي ضرورة الاستماع للأصوات وليس صوت الدبابات والسلاح”.
وقالت لا فوس ريد، التي تعيش في حي من أحياء فرجينيا: “هذه هي المرة الأولى التي أشارك فيها باحتجاج”. وقال ريد التي نشأت في وسط لوس أنجليس وتتذكر الشغب الذي تبع مقتل رودني كينغ عام 1992 إنها جاءت مع ابنتها وابنها إلى واشنطن لأن “الجلوس في البيت ومراقبة التلفاز لا يكفي”.
وقابل روبنسون بيضاً وسوداً في الاحتجاج، حيث أكدوا على أهمية المشاركة وعدم البقاء في البيوت. ورغم وجود صف من الجنود الفدراليين الذين فصلوا بين الساحة والبيت الأبيض بالإضافة لحاملات الجنود التي كان يهدف منها استفزاز المتظاهرين إلا أنهم فشلوا.
فكما حاول بينوشيه قبل سنوات عدة استفزاز المتظاهرين وقمعهم، وانتهى باستفتاء أخرجه من السلطة، وعزز تقاليد البلاد الديمقراطية، في تلميح لفشل ترامب أيضا في محاولته استخدام القوة ضد المحتجين السلميين. وهذا هو دائما مصير الطغاة.
القدس العربي