بغداد وواشنطن: حوار غامض تحت أنظار “الحشد الشعبي”

بغداد وواشنطن: حوار غامض تحت أنظار “الحشد الشعبي”

من المرتقب أن تنطلق أولى اجتماعات الوفدين العراقي والأميركي عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، اليوم الخميس، حسبما كشف مسؤولون عراقيون في وقت سابق من الأسبوع الماضي، وأكدوا أن الاجتماعات ستُخصص “لبحث الملفات الرئيسية التي تهم البلدين”. مع العلم أنه تسود حالة من الضبابية على وصف حوار اليوم بين مفاوضات أو حوار، وما إذا كان سيسفر عن توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم أو تعديل الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة سابقاً بين البلدين عام 2008، وما إذا كان سيتطلّب ذلك تمريرها في البرلمان العراقي أم أنها ستكون من صلاحية الحكومة العراقية. في المقابل، تتابع طهران عن كثب ما يجري في بغداد، خصوصاً مع عقد السفير الأميركي في العراق ماثيو تولر لقاءات عدة في اليومين الماضيين، مع مسؤولين عراقيين، أبرزهم وزير الخارجية فؤاد حسين ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي.
وحول النتائج المتوقعة للحوار، يقول قيادي في تحالف “الفتح” بالبرلمان في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إنه في حال حصلت أي محاولة في هذا الحوار لدفع العراق إلى موقف سياسي معيّن بالمنطقة، فإنه “سيتم العمل على وقف الحوار حتى لو تطلب استجواب رئيس الوزراء وإقالته”، مشدّداً على أن البند الأول في أي حوار أو تفاهم مع الأميركيين، يجب أن يتمحور حول سحب قواتهم من العراق، وأي مسّ بـ”الحشد الشعبي” ومستقبله سيكون عبثاً من قبل الأميركيين.


يضم الوفد الأميركي ديفيد هيل نائب وزير الخارجية مايك بومبيو، ومساعد الوزير ديفيد شنكر


مع العلم أن الوفد العراقي يضمّ 21 مفاوضاً، بعضهم من خارج المؤسسة الحكومية ولا يحملون صفة رسمية، لكنهم أكاديميون وباحثون، مختصون بشؤون السياسة والعلاقات الدولية والعسكرية والمالية والتعليم، ومن ضمنهم عبد الكريم هاشم مستشار رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي للعلاقات الخارجية رئيساً، إضافة إلى لقمان الفيلي وفريد ياسين وحامد خلف. أما من الجانب الأميركي فيضم الفريق كلاً من ديفيد هيل نائب وزير الخارجية مايك بومبيو، ومساعدي الوزير ديفيد شنكر وفرانسيس فانون، ونائبي مساعدي الوزير، جوي هود وديفيد كوبلي، بالإضافة إلى تولر. وعلى الرغم من إعلان العراق استكمال استعداداته للحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، إلا أن تعديلاً طرأ على بعض أسماء الفريق العراقي، إذ تم تغيير عدد منهم بسبب ضغوط مارستها مليشيات وجهات سياسية اعتبرتهم غير محايدين، وأن عدداً منهم يحمل جنسية أميركية، ولا يمكن أن يكون بالوفد العراقي المفاوض، وآخرين وصفتهم بأنهم متأثرون بالثقافة الغربية.

دفع هذا إلى مطالبة القيادي في مليشيا “كتائب حزب الله”، أبرز الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران، أبو علي العسكري، بأن يتمثل “الحشد الشعبي” في الوفد العراقي، مضيفاً في بيان له “فوجئنا بتعيين مجموعة للتفاوض مع العدو الأميركي يتماهى أغلب أعضائها مع المشروع الأميركي في البلاد”. ودعا إلى استبدال ثلاثة من الأسماء المقترحة في الفريق التفاوضي ادّعى أنهم معروفون بالولاء للعدو (أميركا) بهدف ضمان نجاح الحوارات.

أما من جهة الحكومة، فيكشف مصدر سياسي مقرّب من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أن “بنود الحوار باتت جاهزة، والفريق العراقي مكتمل ومنسجم، وهو بصدد تحقيق أفضل النتائج التي تحقق المصلحة الوطنية العليا”، مشيراً في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إلى أن “الملفات هي أمنية وعسكرية وسياسية واقتصادية وتنموية وأخرى تعليمية وإعلامية، وسيُعاد ترميم كل العلاقات الاستراتيجية بين بغداد وواشنطن”.

وينوّه المصدر إلى أن الأميركيين لا يريدون أن يكون العراق ضمن المعسكر الإيراني، ولا يزعجهم أن يكون بمنطقة وسطى أو أن يرسم لنفسه مثل سلطنة عمان سياسة خاصة حيادية من جميع الملفات، لكنهم حالياً يريدون الخروج بنتيجة ليبنوا سياستهم تجاه العراق عليها. وحول اللبس في كونه حوارا أم مفاوضات، يعتبر أن “الأمر الآن هو حوار وعرض وجهات نظر، لكن هناك مرحلة سيشارك بها مسؤولون عراقيون أبرزهم رئيس الوزراء، وقد تكون هناك جولة أخرى تتم في واشنطن”. ويشير إلى أنه “في الأسبوع الأول ستكون الجلسات مفتوحة وتحضيرية، وتعقبها جلسات أخرى، ومن المفترض أن تفرز عن اتفاقيات جديدة”.


يريد الأميركيون أن يرسم العراق لنفسه مثل سلطنة عمان سياسة خاصة حيادية


في المقابل، يرى النائب المستقل باسم خشان أن “المحاصصة متغولة في الفريق التفاوضي العراقي، وحتى أولئك الذين تحسبهم بعض الجهات السياسية مقرّبين من الإدارة الأميركية، قريبون من الجهات السياسية النافذة في البلاد، وذلك لأن المقربين العراقيين في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما باتوا معارضين للرئيس دونالد ترامب والعكس صحيح، وبهذا الأمر فإن المصالح السياسية قد تغلب على هذا الفريق”. ويلفت في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إلى أن “الكاظمي منساق إلى المحاصصة الطائفية في كل مهامه أكثر من انسياقه إلى الولايات المتحدة، وهذا الأمر واضح حتى في اختيار فريقه التفاوضي مع الأميركيين”. ويقول إن “من الأمور المبهمة في هذه المحادثات أن كثيرين لا يعرفون ما إذا كان الحوار سيسفر عن نتائج أو اتفاقيات دائمة أو وقتية على اعتبار أن حكومته مؤقتة”، لافتاً إلى أن “من المفترض أن تعيد هذه الحوارات ثقة العراقيين بالعملية السياسية، ولكنه أمر معقد جداً في ظل غياب القرار السياسي الحر، ووجود سيادة ناقصة”.

من جانبه، يعتبر عضو البرلمان عن تحالف “الفتح”، كريم عليوي، أن “ما تخشاه القوى السياسية في العراق هو الاستيلاء على الحق الوطني من خلال الاحتيال الأميركي”، مضيفاً في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أنه “لذلك كان مطلبنا هو إشراك ممثل عن الحشد الشعبي ضمن المفاوضات لمنع أي محاولات قد تؤدي إلى خسارة العراق، أو وسم الحشد بأنه مليشيات تُهدد المصالح الأجنبية في البلاد، وهو ما لا نقبله”. وينوّه إلى أن “القوى السياسية العراقية تطالب بإخراج القوات الأجنبية من البلاد، وهو واجب الحكومة وعليها تنفيذه لأن يمثل إرادة الشعب العراقي، لذلك على الفريق أن ينهي هذا الملف في الجلسات الأولى، لأن كل ما سيأتي بعد هذا الملف مرتبط به”.

بدوره، يرى المحلل السياسي أحمد الشريفي، أن “الملفات المفترض أن تفتح خلال الحوار ليست واضحة ويلفها الكثير من الأسئلة، لدرجة أن بعض البرلمانيين لا يعرفون أي شيء عن هذا الحوار المهم والاستراتيجي، ولم تتمكن حكومة الكاظمي من شرح رؤيتها وتوجهات العراق في هذه المرحلة، ولم توضح طريقة إدارة الحوار ولا الاستراتيجيات والخطط التي سيتم الحديث عنها”. ويشدّد في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، على أن “العراق بحاجة إلى فتح كل الملفات العسكرية والأمنية والاقتصادية والثقافية والتعليمية وتحقيق التوأمة بين مؤسسات الإعلام، وكل ذلك كان لا بد أن يتم عبر إشراك الشعب العراقي فيه ومعرفة وجهة نظر المتظاهرين، ولكن كل ذلك لم يحدث، وهو يمثل قمة التفرد في صنع القرار، وقد تأتي نتائج هذا الحوار مستفزة بالنسبة للشعب العراقي”.

زيد سالم

العربي الجديد