هل يريد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حقا تحويل آيا صوفيا إلى مسجد؟ لا يبدو الأمر كذلك إذ أن الحقائق على أرض الواقع تشي بالعكس تماما؛ إنما هو فقط وفق ما يقول عارفون ورقة للمساومة السياسية والابتزاز العاطفي وإحداث جعجعة إعلامية.
أنقرة – كان لافتا تصدر هاشتاغ #آياصوفيا_مسجد الترند على تويتر في دول عربية بالتوازي مع (مسجد آيا صوفيا) الترند في تركيا. وتصدر الهاشتاغان بإيعاز من لجان إلكترونية لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، التي نزلت بثقلها منذ مدة لترويج سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عربيا.
وكان الرئيس التركي أردوغان أثار جدلا، بعد أن ظهر في بث مباشر في آيا صوفيا بالذكرى 567 لفتح إسطنبول وقرأ سورة الفتح، ثم أعلن عن اتخاذ خطوات من أجل إعادة فتح آيا صوفيا للعبادة مرة أخرى.
ونشر حساب “ترك برس” التركي مقطع فيديو وعلق:
ويناقض الأمر الحقيقة تماما إذ رفض البرلمان التركي الثلاثاء مقترح تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد مجددا بأصوات حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وتقدم حزب الخير بطلب تحويل المتحف إلى مسجد وفتحه للصلاة، لكنه قوبل برفض نواب الحزب الحاكم، في حين تحفظ نواب حزبي الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي “الكردي”.
وقال نائب حزب العدالة والتنمية محمد موش “نحن نرفض اليوم مقترح تحويل آيا صوفيا إلى مسجد لكننا سنتخذ الخطوات اللازمة لفتح آيا صوفيا في شهر يوليو المقبل”.
وكنيسة آيا صوفيا تم تشييدها عند مدخل مضيق البوسفور في القرن السادس الميلادي، وتعدّ صرحاً هندسياً وجمالياً باهراً، وتحولت إلى مسجد في القرن الخامس عشر بعد سقوط القسطنطينية بيد العثمانيين في منتصف القرن الخامس عشر، وإبّان عهد مؤسس تركيا الحديثة مصطفى أتاتورك تعرض الموقع للإهمال، وبعد ذلك تمّ تحويله إلى متحف.
وعلى المنصّات الافتراضيّة، تباينت الآراء التركيّة حول خطوة الرئيس أردوغان، وكان الرأي الغالب أن تصريحاته “استعراض إعلاميّ”.
ويوعز حزب العدالة إلى منظمة “شباب الأناضول” المدعومة من الأجهزة الأمنية والإعلامية التركية بين الفينة والأخرى بإعادة الحديث عن جعل آيا صوفيا مسجدا إلى واجهة الأحداث. وكانت المنظمة نظّمت فعاليّة لصلاة الفجر تحت عُنوان “أحضر سجّادتك وتعال”، وجمعت ما يُقارب 15 مليون توقيع عام 2014 لتحويل آيا صوفيا إلى مسجد، إلا أنّ هذه الدعوة رُفضت آنذاك.
وتروج حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي عربيا لبطولات أردوغان “حامي حمى الدين”.
وفي العالم العربي لا يقتنع المفتونين بـ”السلطان” -وهو لفظ يطلق على أردوغان- بأن “الخطب النارية الحماسية ليست سوى (خطب) للاستهلاك الإعلامي واستغفال العرب حصريا”.
ويذكّر مغردون بأداء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليمين الدستورية لفترة رئاسية أخرى، الاثنين 9 يوليو 2018. وأثبتت اليمين الدستورية، وفق معلقين، أن “خليفة المسلمين” أردوغان، كما يتوق إلى ذلك أتباعه، لم يقسم بالله بل بـ”شرفه” ولم يقسم على “حماية الإسلام” بل على “حماية علمانية تركيا”.
وقال أردوغان في مراسم تنصيبه بالبرلمان في أنقرة، والتي نقلها التلفزيون على الهواء مباشرة، “بصفتي الرئيس، أقسم بشرفي أمام الشعب التركي العظيم والتاريخ أن أعمل كل ما بوسعي لحماية وتمجيد وتكريم جمهورية تركيا وأداء الواجبات التي توليتها بنزاهة”.
وتستعر حرب إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي وقودها تغريدات وهاشتاغات تنزل فيها تركيا بثقلها عربيا من أجل الترويج للوجهة التركية كـ”مركز جديد للخلافة”، مع إصرار أردوغان على سياساته التوسعية الخارجية في العالم العربي من خلال التمدد العسكري أو الغزو الاقتصادي أو الثقافي.
وتركيا التي تعثرت إمكانية انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي طوال السنوات الماضية، اقتنعت منذ فترة بالبحث عن عمق ثقافي/ سياسي جديد لها، وباتت تبحث عن تزعم العالم الإسلامي وتريد أن يكون لها دور أوسع في منطقة الشرق الأوسط.
وتتفرغ حسابات كتائب إلكترونية للدفاع عن نظام أردوغان. وينعت الرئيس التركي بـ”الشعبوي جدا”، مع تبنيه خطابات ذات صبغة دينية قومية تسوّقه كزعيم منقذ للأمة.
ويتداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لرئيس حزب “المستقبل” المعارض أحمد داود أوغلو يوبخ نظام أردوغان الذي أفلس ويفعل أي شيء دون خجل للبقاء في الحكم، فعندما تضيق بأردوغان السبل يتوجه إلى آيا صوفيا، ويقول أوغلو “هذه الحكاية أصبحت مشهورة ومعروفة في تركيا. توقف عن ذلك آيا صوفيا ليست أداة للمساومة السياسية”.
وفي العالم العربي لا يقتنع العرب بمعاداة أوغلو لأردوغان ويطلقون عليه وصف “كلبه المخلص”. ويجابه النظام التركي انتشار هذه المقاطع بتجنيد جيوش إلكترونية تتحدث اللغة العربية للرد عليها. ويشرح معلق:
نفس منهج الإخوان، الغاية تبرر الوسيلة، شيء معروف ويعتبر كله كلاما ما لم نر شيئا على أرض الواقع من الأتراك.
يذكر أن لأردوغان حسابات بالعربية على الشبكات الاجتماعية، يحاور من خلالها الشباب العربي بطريقة “تتوافق مع رؤيته للدور التركي القائد”.
ويؤكد كريستيان براكل، رئيس فرع مؤسسة “هاينريش بول” في تركيا، أن أردوغان يقدم نفسه في بعض الأحيان ”كمنقذ للمسلمين الذين يعانون من الاضطهاد والإساءة، وهو ما يكون أكثر سهولة عندما يتعلّق الأمر بالقدس، كون هذا الموضوع يخصّ مدينة تحظى بمكانة خاصة في قلوب الكثير من المسلمين”.
ويوصف أردوغان بأنه “رئيس بقوة ثلاثة خطابات يومياً، وخطابين في عطلات نهاية الأسبوع”.
أما الوصفة المتبعة دائماً في خطابات أردوغان، فتكمن في مهاجمة من يميل مؤيدوه إلى كرههم، ليبدو حديثه كأنَّه يقول ما يفكرون فيه بلغة دارجة لاذعة تماماً كلغتهم.
وتعتبر كاتبة نيويورك تايمز كارلوتا جال أنه يتعامل مع كل مؤتمر سياسي له على أنه مؤتمر انتخابي.
العرب