في الوقت الذي يميل ميزان القوى الداخلي بإيران نحو هيمنة المحافظين، وفي محاولة مواجهة وباء لا يبدو له حل في الأفق، وانتخابات رئاسية مقبلة في 2021، تواجه إيران تصاعد تحديات خارجية في الوقت ذاته.
فمن جانب، اتهمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أخيراً طهران بعدم التعاون، بشأن الردّ على استفسارات الوكالة عن بعض المواقع النووية، والتحدي الآخر المرتبط بنشاط الولايات المتحدة لمد حظر بيع وتوريد الأسلحة وعدم رفع الحظر، وقد ناقشتُ هذه المسألة في مقال سابق بهذه الزاوية بعنوان: “قرب رفع حظر بيع الأسلحة عن إيران… تجدد للتوتر أم فرصة للتفاوض؟”. فالحظر يمنع الدول الأخرى من بيع الأسلحة لإيران، بما في ذلك الدبابات، والمركبات القتالية المدرعة، وأنظمة المدفعية ذات العيار الكبير، والطائرات المقاتلة، والطائرات الهليكوبتر الهجومية، والسفن الحربية، والصواريخ، أو أنظمة الصواريخ وقطع الغيار.
ومن ثمّ مهم لإيران رفع الحظر للوصول إلى سوق السلاح الدولية، بما يمكّنها من تحديث قدراتها العسكرية التقليدية المتقادمة منذ الحرب مع العراق، التي دُمِّرت فيها غالبية القدرات العسكرية الإيرانية، ولم تُحدَّث نتيجة لدخول طهران في سلسلة من العقوبات والحظر الدوليين.
وحددت الولايات المتحدة أن أمامها مسارين لمدّ حظر الأسلحة، الأول من خلال استصدار قرار من مجلس الأمن، وفي هذا الإطار وزّعت الولايات المتحدة مسودة على بريطانيا وفرنسا وألمانيا، الأطراف في الاتفاق النووي وأعضاء مجلس الأمن، في أبريل (نيسان) الماضي. وألمانيا لديها مقعدٌ هذا العام، لكنها لا تملك حق النقض. وتراهن الولايات المتحدة على إمكانية إقناع الصين وروسيا بعدم الاعتراض على القرار، على أساس أن حظر الأسلحة من شأنه توفير بيئة آمنة في الشرق الأوسط ومستقرة، وأن سلوك إيران يؤكد أهمية استمرار تلك القيود.
أمّا المسار الآخر فيرتبط بتطبيق آلية سناباك Snapback، أي تحريك جميع عقوبات الأمم المتحدة على إيران، بما في ذلك حظر الأسلحة، عن طريق الاستشهاد بأن طهران انتهكت خطة العمل الشاملة المشتركة، إذ تجاوزت القيود المفروضة على برنامجها النووي على الأقل خمس مرات بدءاً من يوليو (تموز) 2019، وذلك بغرض الضغط على الطرف الأوروبي، لتعويض أثر العقوبات الأميركية.
لكن، نظراً إلى خطورة تلك الخطوة التي قد تؤدي إلى انهيار الاتفاق عندئذ، أشار المسؤولون الأوروبيون وسفير روسيا لدى الأمم المتحدة إلى أن الولايات المتحدة “ليس لها الحق” في تحريك تلك الآلية، نظراً إلى انسحابها من الاتفاق، فتلك الخطوة مقصورة على أطراف الاتفاق مع إيران.
وربما تكون إثارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية عدم امتثال إيران والرد بشأن تقريرين آخرين عاملاً مساعداً للولايات المتحدة إذا أقرّت الوكالة أن “طهران تنتهك التزاماتها”. لذا، كان هناك نشاط دبلوماسي من قِبل وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، إذ زار تركيا، وأعلن دعم بلاده موقف أنقرة في ليبيا، ثم اتّجه إلى موسكو، والتقى نظيره الروسي. نشاط ظريف رغم أنه تناول الملف السوري مع البلدين، فإنه أيضاً يريد الحصول على دعم روسي مع تزايد الضغط الأميركي بشأن منع رفع حظر الأسلحة.
واتصالاً بنية الولايات المتحدة مدّ فرض الحظر حذّرت إيران الدول الموجودة في مجلس الأمن الدولي، الموافقة على المقترحات الأميركية لمواصلة حظر الأسلحة. وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني، في اجتماع لمجلس الوزراء في الـ14 من يونيو (حزيران)، “مسألة إنهاء العقوبات على الأسلحة في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل هي أحد الإنجازات المهمة لخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، وإذا أراد الأميركيون تقويض هذا الإنجاز، فإن الدول الأخرى تعرف ما سيكون رد إيران”.
ومن الواضح أن روحاني لم يحدد الخيارات أمام بلاده حال جرى تبني الموقف الأميركي، لكن توجد عدة احتمالات بشأن موقف إيران التي لن يكون أمامها سوى عدد قليل من الخيارات، ومن ذلك أن تحدّ من عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وزيادة تخصيب اليورانيوم إلى مستويات ما قبل خطة العمل الشاملة المشتركة بنسبة 20 في المئة، ووقف البروتوكولات الإضافية التي تنفّذها طهران بشكل طوعي، وترك معاهدة عدم الانتشار التي دخلت فيها 1968، أو الانسحاب من الاتفاق النووي مع الغرب.
وبينما تحاول إيران حاليّاً التصدي لقرار مجلس الأمن الدولي بشأن حظر الأسلحة، فإنها تواجه من جهة أخرى قرارات الوكالة الدولية الأخيرة للمُضي قدماً في تحقيق حول موقعين يشتبه صلتهما بنشاطات نووية منذ عام 2003، لكن إيران تضع العوائق أمام مفتشي الوكالة، ما دفع الأخيرة إلى مطالبة طهران بعدم التعنت، لأن انتهاك التزاماتها من شأنه تحويل الملف النووي إلى مجلس الأمن.
بالطبع، لا تريد طهران تناول الملف النووي في مجلس الأمن، لأن حينها قد يعدّ ذلك انتهاكاً منها التزاماتها، ومن ثمّ احتمالات إعادة فرض العقوبات الأممية في الوقت الذي يئن فيه الاقتصاد الإيراني تحت ضغط العقوبات الأميركية، وبالطبع أيضاً طهران غير مستعدة لتحمّل إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن. وتعتبر موقف الوكالة مدفوعاً من الجانب الأميركي.
ودفعت تقارير الوكالة كلاً من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إلى توجيه اللوم إلى إيران، ودعوتها إلى الاستجابة للوكالة الدولية. وفي الوقت ذاته تعتبر روسيا أن التحرّك الأميركي ضد إيران يفتقر إلى الأساس القانوني، وموسكو ستفعل كل شيء لـ”الحفاظ على الاتفاق النووي”. وأي خطوة تتعلق بمجلس الأمن من المفهوم أن لدى إيران الفيتو الروسي والصيني.
وعلى جانب آخر موازٍ لتلك التطورات، ترغب الولايات المتحدة في الاجتماع مع طهران للإفراج عن بعض السجناء، وذلك بعد إتمام عملية إطلاق سراح سجينين، أحدهما عالم إيراني والآخر ضابط بالبحرية الأميركية في أول الشهر الحالي.
وتعدُّ هذه الخطوة من جانب إيران محاولة إثبات حسن النوايا، وكسر جمود التوتر مع الولايات المتحدة، وإظهار إمكانية عقد صفقات بين البلدين، وذلك لتحاشي طهران أي تفاوض له صلة بالملفات الإقليمية المهمة.
لكن، خطوة المفاوضات بشأن السجناء، فضلاً عن الموقف الأوروبي الداعم استمرار الاتفاق النووي وعدم انهياره، باعتباره رغم بعض سلبياته أهم الآليات التي تضمن مراقبة البرنامج النووي الإيراني واحتواء طهران، من الممكن أن يكون هذان العاملان محفّزين لكبح أي تصعيد بين طهران وواشنطن، والوصول إلى تفاهم بشأن قرار رفع حظر الأسلحة عن إيران.
هدى رؤوف
اندبندت عربي