“في 12 حزيران/يونيو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع منقذ الداغر وباربارا ليف وبلال وهاب. وداغر هو أحد المحللين السياسيين البارزين في العراق ومستشار لكبار المسؤولين الحكوميين والحزبيين. وليف هي “زميلة لابيدوس” في المعهد، وشغلت سابقاً منصب نائبة لمساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون العراق، بالإضافة إلى العديد من المناصب الأخرى في المنطقة. ووهاب هو “زميل فاغنر” في المعهد حيث يركز على الحكم في «إقليم كردستان» وبغداد. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم”.
منقذ الداغر
انطلق الحوار الاستراتيجي الثنائي في الوقت الذي تتعرض فيه الحكومة العراقية الجديدة لضغوط داخلية شديدة، وتواجه مطالب لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي وتشارك في مناظرات سياسية مختلفة أخرى. وعلى الرغم من عدم تمتع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بميزة [ترؤس] كتلة برلمانية كبيرة لدعم أجندته، إلا أنه برز كمرشح وسط لقيادة العراق نحو نظام سياسي عملي على نحو أكبر.
وتوفر بيانات الاستطلاعات الجديدة من المنطقة معلومات حول مدى قدرة الكاظمي على الاستفادة من التأييد الشعبي خلال إجرائه محادثات وتفاوضه مع المسؤولين الأمريكيين. ففي أحد الاستطلاعات، أعرب نحو 63 في المائة من المجيبين العراقيين عن تأييدهم [لطريقة إدارته للبلاد خلال] شهره الأول في منصبه. وتعارضت النتائج مع تلك التي حصل عليها سلفه عادل عبد المهدي، الذي حصل على دعم 36 في المائة فقط خلال شهره الأول في المنصب. ولا يزال من السابق لأوانه إجراء تقييم حقيقي لأداء الكاظمي، إلا أن الأرقام تعكس ثقة الشعب بقدرته على مواجهة التحديات التي تواجه العراق.
لقد تغيرت مواقف الشعب العراقي تجاه إيران والولايات المتحدة إلى حد كبير خلال السنوات الثلاث الماضية، مما يشير إلى ظاهرة جديدة في الساحة السياسية العراقية. فقد تراجعت وجهات النظر المواتية لإيران من 50 في المائة في عام 2017 إلى 15 في المائة حالياً، في حين بقي تأييد الولايات المتحدة ثابتاً عند حوالي 30 في المائة. وبالمثل، في حين أدرج 74 في المائة من المستطلعين العراقيين إيران كشريك موثوق به في عام 2017، انخفضت تلك النسبة إلى 14 في المائة فقط هذا العام.
ولا شك في أنّ الحوار الأمريكي- العراقي يركّز على السبل التي يمكن للحكومتين من خلالها خفض معدل الفساد في العراق، لأن الشعب عبّر عن استيائه الكبير من هذه القضية خلال مظاهرات حاشدة شهدتها البلاد قبل تولي الكاظمي رئاسة الوزراء. ولا يمكن تحقيق الإصلاحات الاقتصادية المصممة لضمان الشفافية والنمو المستدام إلا من خلال تعزيز الاستقرار، وبإمكان المسؤولين الأمريكيين القيام بدور حيوي على هذا الصعيد أيضاً. ومع ذلك، عليهم استخلاص العبر من الجهود العراقية السابقة لمكافحة الفساد؛ فتكرار الأخطاء التي ارتكبتها “سلطة الائتلاف المؤقتة” والحكومات العراقية السابقة لن يؤدي سوى إلى تقويض الدعم الذي يحظى به الكاظمي ويلحق الضرر باحتمالات الإصلاح الفعلي.
ومن هذا المنطلق، يتعيّن على العراقيين أن يساعدوا أنفسهم أولاً من خلال إظهار ما يكفي من الإرادة السياسية لتنفيذ إصلاحات فعالة والحدّ في الوقت نفسه من النفوذ الإيراني. وسيتوقف الدعم الأمريكي إلى حدّ كبير على قدرة حكومة الكاظمي على مواجهة هدف طهران المتمثل بتعزيز مناطق نفوذها المحلية.
باربارا ليف
يُعتبر “الحوار عبر تطبيق زوم” الذي أُطلق في 11 حزيران/ يونيو خطوة ناجحة وضرورية في المجال السياسي. وللتذكير، كان السياق السياسي العراقي محموماً، على الأقل منذ كانون الثاني/ يناير، بسبب الاغتيال المستهدف لكل من قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، والتصويت الرمزي في مجلس النواب العراقي على طرد القوات الأمريكية، ومحاولات فاشلة عديدة لتشكيل حكومة جديدة في بغداد، وجائحة “كوفيد-19″، والانخفاض اللاحق في أسعار النفط. وفي واشنطن، سادت حالة من الغضب حول الاستهدافات المتواصلة التي تنفذها الميليشيات العراقية والتي أدّت إلى انسحاب موظفي حلف “الناتو” ودمج كبير للوجود العسكري الأمريكي، ناهيك عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية الوشيكة والضغوط القائمة منذ فترة طويلة لإعادة القوات الأمريكية إلى وطنها.
وعلى الرغم من كل هذه المشاكل، أرغمت الجائحة المسؤولين بشكل قابل للفهم على حصر الحوار ببعض المسائل الاقتصادية والأمنية الأساسية. فبالنسبة للعراقيين، ساعد هذا الحوار على نزع فتيل السياسة المشتعلة المحيطة بفكرة تنظيم حدث ثنائي. كما ركّز على الأولوية التي يوليها البلدان للدعم الاقتصادي للعراق. وبالنسبة للأمريكيين، ساعد الحوار على تعزيز شرعية المهمة العسكرية الأمريكية من خلال الاستشهاد باللغة الأصلية لـ “اتفاقية وضع القوات” الثنائية، ومؤخراً تبادل المذكرات الدبلوماسية لعام 2014 حول هذه القضية، مع التركيز على التأكيد على مسؤولية الحكومة العراقية في ضمان أمن هذه المهمة. كما وجّه هذا الحدث رسالة واضحة للشعب العراقي من خلال تكرار الدعم الأمريكي للانتخابات ومساءلة الحكومة. ومن هذا المنطلق، يمكن للجانبَين أن يصفا جوهر الحوار بأنه “انتصار”.
ومع ذلك، لا يزال المسؤولون من كلا الجانبين يحرصون على رؤية الكاظمي يزور واشنطن في أقرب وقت ممكن، ويُعزى ذلك جزئياً إلى احتمال أن تؤدي مثل هذه الرحلة إلى دفع كل حكومة إلى تنفيذ وعودها والمساعدة على استئناف المحادثات العسكرية للحقبة الجديدة. وسيكون دمج برنامج المساعدة الأمنية الأمريكية في إطار جهد أكبر لحلف “الناتو” أكثر استساغة من الناحية السياسية، لكن أعضاء التحالف سيرغبون أولاً في معرفة ما إذا كانت بعثة التدريب الأمريكية مستدامة وتحت أي شروط. وبالمثل، سيكون رد فعل المجتمع الدولي سلبياً إذا استمرت هجمات الميليشيات وإذا أدّت السياسة الأمريكية إلى التحفيز على سحب القوات.
وفيما يتعلق بقضية الفساد، يجب أن يركز رئيس الوزراء على إضفاء الطابع المهني والرقمي على القطاع المصرفي وتحديثه بهدف خلق بيئة تمنع انتشار الممارسات الفاسدة. ولم يعد السؤال المطروح ما إذا كانت الحكومة مستعدة للإقرار بالمشكلة، بل ما إذا كان بإمكانها حشد إرادة سياسية كافية لجعل السيطرة على الفساد على رأس أولوياتها.
بلال وهاب
في الوقت الذي يركّز فيه العراق بشكل متزايد على الشؤون الداخلية لحل الخلافات المحلية، يُعتبر الكاظمي في موقف جيّد يخوّله رأب الصدع العميق مع «إقليم كردستان» بشأن إدارة النفط والغاز الطبيعي. وسيشكّل قيامه بذلك خطوة كبيرة نحو وضع قطاع الطاقة العراقي على أساس أكثر إقناعاً من الناحية القانونية. بإمكان الولايات المتحدة أن تساعد من خلال إبقاء تركيزها منصبّاً على توطيد العلاقات بين أربيل وبغداد. وقد يتسبب المزيد من التدهور في إلحاق الضرر بمهمة الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» وقد يثير عدائية أكبر داخل العراق، مما يؤدي إلى تفاقم الاستخدام الضار للسياسة القائمة على الهوية لتحقيق مكاسب سياسية.
ومن النقاط الأخرى البارزة ضمن البيان الرسمي للحوار الاستراتيجي هي إقرار العراق بالحاجة إلى الإصلاحات وعرض الولايات المتحدة تقديم مساعدة فنية في هذا المجال. ومع ذلك، على الحكومة الجديدة أن تُظهر إرادة سياسية أكثر مما أظهرته في الماضي. ويُعزى السبب الذي جعل الحكومات المتعاقبة غير قادرة على سن مثل هذه الإصلاحات إلى كَوْن نظام المحسوبية الراسخ في البلاد يحدّ من قدرتها على حشد العمل الجماعي المطلوب. ولحسن الحظ، بدأت ثقافة سياسة المحسوبية تتلاشى بعد أن ازداد استياء الجيل الأصغر سناً من تداعياتها – أي الفساد وعدم الكفاءة. فهذا النظام “ينجح” فقط عندما تكون أسعار النفط مرتفعة، وحتى في ذلك الحين، لا يمكن للأحزاب السياسية سوى توظيف العديد من الأشخاص في بيروقراطية منتفخة أساساً.
وفي المرحلة القادمة، سيتعيّن على الكاظمي استخدام التأييد الشعبي الذي يحظى به واستمداد الزخم من الحوار لإرساء الأساس لإصلاحات عميقة. وتتمثل أولويته الأولى في تنظيم انتخابات ذات مصداقية للعام المقبل. وعلى نطاق أوسع، يجب أن يكون التصدي للفساد أكثر من مجرد شعار – بل يجب التفكير فيه بجدية، وأن يكون مخططاً عن تصوّر وتصميم، ومراقباً بأمانة. ويعني ذلك إعطاء الأولوية لإصلاح القطاع المصرفي، حيث لا يزال اقتصاد العراق قائماً على النقد بصورة كاملة تقريباً. هذا وتشكّل مزادات الدولار مرتعاً آخر للفساد المحلي بعد أن أصبحت ساحة لتبييض الأموال ودعم المصالح الإيرانية. وأخيراً، على الحكومة إصلاح قطاع الخدمات من خلال إخضاع مالية الأحزاب للانكشاف والمساءلة. وبمساعدة الولايات المتحدة، يمكن لهذه الخطوة وحدها أن تقطع شوطاً طويلاً نحو الحدّ من نفوذ إيران.
معهد واشنطن