يكشف التأجيل المفاجئ لزيارة وزيرَي الخارجية الروسي سيرغي لافروف والدفاع سيرغي شايغو، تركيا الأسبوع الماضي، أن الاختلافات والتباينات في وجهات النظر بخصوص ليبيا لا تزال مستمرة بين أنقرة وموسكو، ولم ينضج بعد تصوّرٌ كاملٌ لتوافق سياسي.
وكان من المقرر أن يزور لافروف وشايغو تركيا في الـ14 من يونيو (حزيران) الحالي، إلا أنه في اللحظة الأخيرة صدر بيانٌ أعلن أن زيارة المسؤولين الروسيين تأجّلت إلى وقت لاحق، وأن المباحثات ستتواصل على مستوى نواب الوزراء.
عرض روسي
في أعقاب ذلك، انتشرت أنباء عن أن الوزيرين الروسيين أجّلا الزيارة، بسبب عدم قبول تركيا بمقترحات روسية بشأن الوضع في ليبيا. وحسب صحيفة “يني شفق” التركية، فإنه قبل موعد الزيارة بيوم وصل نائب وزير الخارجية الروسي إلى العاصمة التركية أنقرة، وسلّم المسؤولين الأتراك مقترحات، أعدّتها بلاده بشأن الوضع الليبي، تحضيراً لمناقشتها خلال الاجتماع الذي كان سيُعقد في اليوم التالي، إلا أنها لم تلقَ قبولاً لدى الجانب التركي.
وتفاصيل العرض الروسي، وفقاً للمصدر الذي نقلت عنه الصحيفة التركية، أنه لم يختلف في شيء عن “إعلان القاهرة” قبل أيام، إذ لم تعترف أو تقبل به حكومة الوفاق الليبية، وكذلك لم تعترف به تركيا.
بينما ربطت وسائل إعلام تركية أخرى، سبب تأجيل لقاء وزيري الخارجية والدفاع الروسيين مع نظيريهما التركيين، بوجود خلافات بين الجانبين حول وضع مدينة سرت الليبية، وأضافت أن روسيا عرقلت حراكاً دبلوماسيّاً، كانت تركيا تستعد له نهاية الأسبوع الماضي، بالتالي فإنه من غير المستبعد اندلاع معركة سرت بأي وقت.
وفي الوقت الذي كان يُجرى الاستيضاح فيه عن توقيت الاجتماع الوزاري بين الطرفين، جرى الإلغاء المفاجئ للزيارة المرتقبة، لكنّ وفداً دبلوماسيّاّ وعسكريّاً وصل من موسكو، واجتمع مع نظرائه الأتراك في أنقرة.
نقاط الاختلاف
ما من شكّ في أن تأجيل الاجتماع الوزاري الروسي – التركي، يُظهر حاجة الجانبين إلى مزيدٍ من الوقت، لتجاوز نقاط الاختلاف في المشهد الحالي، أو العمل على تغيير هذا المشهد، إذ لم يعد خافياً على أحد أنه مع دخول تركيا مسرح الأحداث تغيّرت التوازنات في ليبيا، وأعقب ذلك تطورات ميدانية مهمة في تغيير خريطة سيطرة القوى على الأرض.
التفاوض الروسي – التركي قادمٌ لا محالة، وموقف واشنطن سيكون مهمّاً كذلك، لكن على الأغلب، في المرحلة الحالية، لن تتبع الولايات المتحدة أي سياسة رادعة ضد أي طرف في ليبيا، وقد تتدخل على أدنى المستويات.
وبالنظر إلى تعقيد المشهد، ومع الأخذ بالاعتبار تجربة سوريا، نجد تركيا تُجري مباحثات مع روسيا من جهة أخرى، ومن جهة أخرى تُقدم على الخطوات نفسها مع الولايات المتحدة، ويساعد في ذلك التقدّم العسكري السريع الذي حققته حكومة الوفاق أخيراً، وبدعم تركي معلن.
مستقبل سرت
تسود اليوم في ليبيا، كما في سوريا، حرب (حروب) متعددة الأطراف والوكلاء، والمشهد ما زال يُخفي كثيراً من التعقيدات والمخاطر على جميع الأطراف المتداخلة، في ظل عدم إكمال الانسحاب الأميركي من شرق شمال سوريا، واستمرار سيطرة الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني (مصنّف على قوائم الإرهاب في الناتو) على منطقة يشكّل العرب فيها غالبية مطلقة بواقع يتجاوز 85 في المئة، والباقي خليط عرقي من أكراد وآشوريين وتركمان وشيشان وأرمن، بينما في ليبيا تتجه الأنظار نحو مستقبل سرت.
تعتبر روسيا، اليوم، أن فتح الطريق الدولي (M 4) الواصل بين محافظتي حلب واللاذقية، ذو أهمية كبرى من أجل النقل التجاري، وتحريك عجلة الاقتصاد، لا سيما بعد دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، كما أن إخراج التنظيمات المصنّفة على قوائم الإرهاب من إدلب لا يقل أهمية، وإمكانية اللجوء إلى القوة العسكرية واردة في أي لحظة.
قمة قريبة
وبالعودة إلى زيارة الوزيرين الروسيين تركيا يبقى الباب مفتوحاً، فالعلاقات الطيبة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين تلعب دوراً حاسماً في تجاوز بلديهما كثيراً من المطبات في القضايا الثنائية، وكذلك في الملفات التي تتقاطع المصالح فيها، كما أنه من غير المستبعد تأجيل الحسم النهائي في تلك الملفات إلى قمة قريبة تجمع بوتين وأردوغان.
وتترك أنقرة وموسكو الباب مفتوحاً للمفاوضات، والاستعداد بالعموم للاتفاق حول أكثر من نقطة، من خلال عدم إصدار الطرفين أي تصريحات حادة تجاه بعضهما بعضاً في الشأن الليبي (كما كان يحدث في أوقات سابقة من مراحل الحروب السورية).
ويبقى القول، إنه على الأغلب لن يتضح أو ينضج شكل الاتفاق الإقليمي – الدولي أو التوافق المقبل “المرحلي”، حول ليبيا وسوريا، إلا بعد جولة معارك جديدة، وسيحدد سير تلك المعارك ونتائجها موقف كل طرف وطبيعة ترتيبات المرحلة المقبلة الجديدة.
اندبندت عربي