“في 18 حزيران/يونيو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع ديفيد ماكوفسكي، غيث العمري، دانا سترول، ودينيس روس. وماكوفسكي هو مدير مشروع العلاقات العربية -الإسرائيلية في المعهد، وشغل سابقاً منصب مستشار أول للمبعوث الأمريكي الخاص للمفاوضات الإسرائيلية -الفلسطينية. والعمري هو زميل أقدم في المعهد وعضو سابق في فريق مفاوضات “السلطة الفلسطينية”. وسترول هي “زميلة كاسين” في المعهد وعضو أقدم سابق من الملاك المهني في “لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي”. وروس، هو مستشار وزميل “ويليام ديفيدسون” المميز في المعهد، وعمل كمسؤول أمريكي رئيسي في عملية السلام لعقود من الزمن. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم”.
ديفيد ماكوفسكي
الشعب الإسرائيلي غير متحمّس لضم الأراضي – ففي أحد استطلاعات الرأي الأخيرة، على سبيل المثال، أدرج 4٪ فقط من المجيبين عملية الضم على أنها تشكل أولوية قصوى بالنسبة لهم. ويعزز هذا الموقف واقع وجود الكثير من الشكوك التي تحيط بعملية الضمّ، ومن بينها الأراضي المعنية بالعملية وافتقار الحكومة إلى الاستعداد العسكري والقانوني.
وحالياً، هناك ثلاث فئات إسرائيلية معنية بهذه القضية، وهي: مجتمع الأمن القومي، والحركة الاستيطانية، والطبقة السياسية. ولا يَرى المسؤولون في الفئة الأولى، التي تضم العديد من الجنرالات المتقاعدين، أي ميزة استراتيجية من المضي قدماً في عملية ضم الأراضي في الضفة الغربية من جانبٍ واحد هذا الصيف. لكنهم يجدون فيها الكثير من السيئات المحتملة، وهي: انهيار السلطة الفلسطينية؛ زيادة حدة التوترات مع الأردن؛ تشتيت الانتباه عن الجدل حول إيران؛ الإضرار بالعلاقات مع الحكومات العربية التي لا ترى أن هناك مجال للتوفيق بين التطبيع وعملية الضمّ؛ تناقص شرعية إسرائيل في الخارج بشكلٍ أكبر؛ لا سيما في خضم تحقيقات “المحكمة الجنائية الدولية”؛ الإِضرار بالعلاقات مع الاتحاد الأوروبي؛ تلاشي الدعم الأمريكي من الحزبين [الديمقراطي والجمهوري] لإسرائيل؛ والانزلاق نحو واقع الدولة الواحدة.
ومن ناحية المستوطنين، تشهد هذه الفئة انقساماً حول الموضوع. فقادة الكتل الاستيطانية الكبيرة – التي تقع بالقرب من الحاجز الأمني في الضفة الغربية وتضم حوالي 77 في المائة من المستوطنين – يميلون إلى تأييد الضم لأن هدفهم الرئيسي هو العيش داخل دولة إسرائيل. إلا أن المستوطنين الأكثر تشدداً من الناحية العقائدية والذين لا ينتمون إلى كتلة معينة يعارضون عملية الضمّ الذي يتم النظر فيها حالياً لأنها من المُفترض أن تَبقى ضمن الحدود المنصوص عليها في خطة السلام لإدارة ترامب، التي تصوّرت حصول إسرائيل على حوالي 30 في المائة من الضفة الغربية. وبعبارة أخرى، فإنهم لا يريدون أن تصبح نسبة الـ 70 في المائة المتبقية من الأراضي، دولة فلسطينية على أعتاب أبوابهم، لأنهم ينظرون حتى إلى دولة مشتتة الأراضي وخاضعة لشروط كثيرة على أنها تشكل تهديداً [لإسرائيل]. وظهرت هذه الانقسامات جزئياً لأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لم يضع بعد الأساس لتسوية توافقية بشأن الأراضي. ولكن إذا اضطر إلى الاختيار بين الرئيس ترامب والمستوطنين غير المنتمين إلى كتل معينة، فسيختار ترامب.
أما بالنسبة للطبقة السياسية في إسرائيل، فقد أدّت الانقسامات في واشنطن بشأن مسألة ضم الأراضي إلى تقوية وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس ووزير الخارجية غابي أشكنازي، اللذين يؤيدان وحدهما تقريباً رؤية خطة ترامب للدولة الفلسطينية. ومن خلال التركيز على الحاجة إلى إجماع إسرائيلي على أي تحركات بشأن الأراضي، فإن واشنطن تجعل من الصعب على نتنياهو تنفيذ سيناريو الضم بنسبة 30 في المائة من جانب واحد المنصوص عليه في خطة ترامب. وقد قام مسؤولو المخابرات في جهاز الأمن العام الإسرائيلي (“الشاباك”) بهدوءٍ بتقييم السلبيات المختلفة لعملية الضم، وإذا تسرّبت هذه الآراء إلى الرأي العام، فإنها ستدعم “حزب أزرق أبيض” الذي ينتمي إليه غانتس وأشكنازي. والسؤال هو، هل سيكون هذا النفوذ كافياً للتوصل إلى تفاهم أوسع مع الفلسطينيين أم تأجيل عملية الضم بشكل كامل؟ أم أنهم سيشعرون بضغوط كافية من الرأي العام لمجاراة أي اقتراح يطرحه نتنياهو؟
غيث العمري
من خلال القضاء على حل الدولتين بشكل أساسي، من شأن ضم الأراضي أن يهدد المبرر السياسي لوجود “السلطة الفلسطينية”. ولتجنب هذا السناريو، تحاول “السلطة الفلسطينية” خلق شعور ٍ بوجود أزمة من خلال استخدام أدوات دبلوماسية دولية، والتهديد بإنهاء التعاون الأمني مع إسرائيل، ورفض الانخراط في المكونات المدنية للعلاقات الثنائية (مثل عائدات الضرائب)، وبالتالي إعطاء المسؤولين الإسرائيليين فكرة عمّا سيحدث إذا انهارت “السلطة الفلسطينية”.
أما حركة «حماس» فتبنّت نهجاً مختلفاً، محاولةً تصوير الضمّ كدليل على فشل اتفاقيات أوسلو. ولا تريد الحركة تحفيز تصعيد غير منضبط في معقلها في غزة، لكنها ترحب بانهيار الأمن في الضفة الغربية التي تسيطر عليها “السلطة الفلسطينية”. وبناء على ذلك، كانت عناصرها أكثر نشاطاً في أعمالها الإرهابية ودفعت الشعب إلى التحرّك. كما أنها قدمت نفسها كبديل دبلوماسي للسلطة الفلسطينية. على سبيل المثال، أرسل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية رسائل مؤخراً إلى أربعين زعيماً عربياً طالب فيها عقد قمة للتباحث حول عملية الضم.
وفي المقابل، لدى القيادة الأردنية مصلحةٌ أمنية قومية عميقة في الحفاظ على حلّ الدولتين لأن انهيار “السلطة الفلسطينية” سيثير تساؤلات حول الجبهة الغربية للمملكة ومفهوم “الأردن هو فلسطين”. ويعارض الشعب الأردني – بمن فيه مجتمع الضفة الشرقية – عملية الضم بشدة. وبالطبع يتعين على الملك عبد الله التوفيق بين هذه المعارضة والمصالح الاستراتيجية المهمة، من الروابط الأمنية ومشاريع المياه / الغاز مع إسرائيل إلى العلاقات الثنائية مع واشنطن. ومع ذلك، إذا تم ضم الأراضي، فمن شبه المؤكد أن تقوم عمّان بتخفيض علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، وتجميد العلاقات المدنية غير الضرورية، ومساعدة المملكة العربية السعودية في بناء تحالف عربي يسعى إلى فرض تكاليف على إسرائيل من خلال التواصل مع أوروبا والمنظمات الدولية.
وفي هذا السياق، فإن مقال الرأي الذي نشره السفير الإماراتي يوسف العتيبة مؤخراً في صحيفة إسرائيلية عرض موقف دول الخليج بصورة موجزة. وعلى الرغم من أن هذه الدول مهتمة بصدقٍ بمتابعة الانفتاح مع إسرائيل، إلا أن عملية الضم تشكل تجاوزاً بالنسبة إليها. فهي لن تضحّي بمصالح إستراتيجية رئيسية مع إسرائيل، لا سيما في مجال الأمن، لكنها ستتراجع عن الانفتاح الدبلوماسي والمدني. وبالفعل، فإن المصالح الإستراتيجية المشتركة والنفور العام من المزيد من الصراع الإقليمي يعني أنه من غير المرجح أن تنقلب الأمور رأساً على عقب مباشرة بعد إنجاز عملية الضم، لكن ستكون هناك تكاليف [بمرور الوقت].
دانا سترول
كشف التصويت داخل الكونغرس الأمريكي كيفية تغيّر المشهد السياسي بشأن إسرائيل في السنوات الأخيرة. ففي كانون الثاني/يناير 2017، عرض مجلس الشيوخ القرار رقم 6 الذي أعاد التأكيد على أن “الحل السلمي للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني يجب أن يأتي من خلال مفاوضات ثنائية مباشرة دون شروط مسبقة للتوصل إلى حلّ مستدام قائم على دولتين”. وعلى الرغم من عدم تمرير مشروع القرار، إلا أنه حصل على تأييد 78 عضواً، مما يدل على إجماع الحزبَين على المفاوضات المباشرة. وبعد ذلك بعامين، أقرّ مجلس النواب القرار 326 الذي ثبّط كلا الطرفين عن اتخاذ خطوات غير مرغوب فيها، “من بينها ضم الأراضي من جانب واحد” و “الجهود المبذولة لتحقيق مكانة الدولة الفلسطينية خارج إطار المفاوضات مع إسرائيل”. وتمت الموافقة على هذا القرار [بأغلبية] 266 صوتاً، لكن معظمهم جاءوا من الديمقراطيين، مع 5 أصوات فقط من الجمهوريين – مما يدل على تآكل دعم كلا الحزبيين للمفاوضات الإسرائيلية -الفلسطينية.
ووسط الأحاديث الجارية عن عملية ضم الأراضي، لم يتوافق الأعضاء الديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأمريكي على رسالة موحدة حول رهانات القرار الإسرائيلي أو الرد الأمريكي الأفضل. أما في “الحزب الجمهوري”، فإن السناتور تيد كروز هو العضو الوحيد الذي يجادل علانية بأن على إسرائيل أن تتخذ القرار لنفسها.
ومن المثير للاهتمام أن إمكانية اتخاذ “المحكمة الجنائية الدولية” إجراءات بحق إسرائيل أظهرت أنه لا يزال بإمكان أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الاتفاق على المفاهيم الأساسية حول المفاوضات المباشرة. وفي الشهر الماضي، أيّد 69 سيناتوراً من كلا الحزبين رسالةٍ تُعبّر عن قلقهم بشأن ازدياد تدخل “المحكمة الجنائية”، جاء فيها: “إن ترسيم حدود أي دولة فلسطينية مستقبلية …يجب أن يتم تحديده من خلال المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين”. وفي مجلس النواب الأمريكي، يتصاعد الزخم وراء رسالة توضح الأساس المنطقي الاستراتيجي والأمني ضد عملية الضم بينما لا تزال تعبر عن الالتزام بالعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
باختصار، يوجّه الكونغرس رسائل متضاربة بشأن المفاوضات المباشرة وحلّ الدولتين، في حين أن مشاعر القلق التي يعبّر عنها لا تحمل الأهمية نفسها حين لا يشرّع المجلس مشروع قانون بتأييد من كلا الحزبين. وفي غياب إشارة متماسكة من الكونغرس ضد عملية الضم، قد يستنتج المسؤولون الإسرائيليون أن المضي قدماً في الخطة لن يضر بشكل كبير بالعلاقات الأمريكية -الإسرائيلية.
وبالنسبة لكيفية تأثير هذه القضايا على حملة الرئاسة الأمريكية، كان جو بايدن واضحاً بشأن التزامه بعلاقة قوية مع إسرائيل. وفي الوقت نفسه، يناقش “الحزب الديمقراطي” كيفية معالجة مسألة ضم الأراضي في برنامجه للمؤتمر النهائي للحزب، وكيفية رد الإدارة الأمريكية المحتملة برئاسة بايدن إذا نفذت إسرائيل هذه السياسة فعلاً.
وفي النهاية، في حين قد لا يسبّب الضم أي شرخٍ فوري مع واشنطن، إلا أنه سيترك تأثيراته على المدى المتوسط والطويل. إذ تستمر الأصوات الأمريكية تعلو من اليمين واليسار في الحديث عن “الانخراط المفرط” للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، في وقتٍ ربما تتناقص فيه الشهية المحلية لإنفاق مبالغ طائلة في الخارج بسبب التحدّي الذي يشكله التعافي من الوباء العالمي الناجم عن فيروس كورونا. ويشكّل التركيز على منافسة القوى العظمى مع الصين وروسيا حجة مشتركة أخرى تدعو إلى إخراج الشرق الأوسط من قائمة الأولويات. ومع ذلك، لا يزال الكثيرون يعتقدون أن الوجود القوي للولايات المتحدة في المنطقة مهم لأمن إسرائيل.
دينيس روس
لطالما كان رئيس الوزراء نتنياهو ينفر من المخاطر عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي. ومع ذلك، يبدو أنه ينظر أيضاً إلى عملية ضم الأراضي على أنها “خطوةً تشبّهه بدافيد بن غوريون” – أي فرصة لضمان أن تصبح أجزاء من الضفة الغربية أراضي تابعة لإسرائيل إلى الأبد، وتغيير المعيار الدولي الأساسي لأي مفاوضات مستقبلية بشأن دولة فلسطينية من 100 في المائة من الأراضي إلى 70 في المائة منها.
ومع ذلك، قد تثبت هذه المعتقدات أنها وهمية. فحتى لو سمحت إدارة ترامب بضم الأراضي من جانب واحد دون معارضة شعبية، فمن غير المحتمل أن تعترف بها أي حكومة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لإدارة بايدن أن تعكس موقف الولايات المتحدة، بينما قد ترد بعض الدول الأوروبية بالاعتراف بدولة فلسطينية وفقاً لخطوط عام 1967. وسيكون التطور الأخير أسوأ بالنسبة لإسرائيل من الإجماع الدولي اليوم، والذي يركز على تعديل خطوط 1967 عن طريق مبادلة الكتل الاستيطانية بأراضي أخرى.
وبالتعمّق في بعض المخاطر التي يرفض نتنياهو رؤيتها، ستؤدي عملية الضم إلى تعميق الانقسامات داخل “الحزب الديمقراطي” وتغذي الرواية على أن إسرائيل هي الجاني. وقد تعامل معظم المسؤولين الأمريكيين مع موقف إسرائيل في الضفة الغربية على أنه مشروع لأنه مرتبط بالمفاوضات، مهما كانت مثل هذه المحادثات تظهر بعيدة اليوم. إلا أن هذه الشرعية ستصبح موضع تساؤل متزايد إذا ما حدثت عملية الضم. وتنتهك التحركات الأحادية الجانب أيضاً الفرضية المركزية لأوسلو، وهي: أنه لا يُسمح لأي من الطرفين بتغيير الوضع السياسي النهائي للأراضي.
ولتقليص هذه العواقب، قد يحاول نتنياهو الإعلان عن عملية ضمّ أصغر حجماً لأراضٍ تنازل عنها المفاوِضون بشكل عام لإسرائيل في مناقشات السلام السابقة. وقد يجادل بعد ذلك بأن إسرائيل لا تبتعد عن المفاوضات بشأن مستقبل الضفة الغربية، وربما يتذكر كيف وسع مناحيم بيغن القانون الإسرائيلي ليشمل مرتفعات الجولان دون منع خلفائه من التفاوض حول تلك الأراضي. بالإضافة إلى ذلك، قد يعلن أنه حتى مع توسيع القانون الإسرائيلي ليشمل المناطق المضمومة في الضفة الغربية، فسيتم نقل أقسام قابلة للمقارنة من المنطقة «ج» إلى المنطقة «ب»، مما يمنح الفلسطينيين صلاحية أكبر في التخطيط المحلي وتقسيم المناطق والقرارات المتعلقة بالقانون والنظام.
ومع ذلك، فقد تتطلب أي خطوات من هذا القبيل بذل جهود دبلوماسية مكثفة مع أوروبا والدول العربية، والأهم من ذلك، مع واشنطن. وعلى الرغم من أن المسؤولين العرب قد يؤثرون إلى حد ما في حسابات إسرائيل من خلال الإعلان بوضوح عن نيّتهم اتخاذ خطوات باتجاه التطبيع إذا وضعت إسرائيل جانباً عملية الضم، فسيكون للولايات المتحدة تأثيرٌ أكبر بكثير على القرار.