تلويح بالحرب مع موعد الجولة السادسة للمفاوضات

تلويح بالحرب مع موعد الجولة السادسة للمفاوضات


اياد العناز

قراءة في مسار الجولات الخمس التي احتوتها المفاوضات الأمريكية الإيرانية وما تبعها من متغيرات سياسية واقتصادية وإجراءات ووسائل فنية صاحبها تصريحات وأراء انطلقت من مسؤولين في الإدارة الأمريكية والقيادة الإيرانية حول مجمل الحوارات الثنائية والمواقف الميدانية التي ناقشت مستقبل البرنامج النووي الإيراني والملفات السياسية والأمنية ذات العلاقة مع المشروع الإيراني الإقليمي، يمكن خلالها أن نلاحظ العديد من المنطلقات والأسس التي اعتمدها المفاوضون والتي انعكست بصور مختلفة رسمت ملامح ومستقبل استمرار الحوارات المشتركة،
من بينها التصعيد العالي في الخطاب الرسمي الأمريكي والإيراني والذي كانت من أبرز منطلقاته ما جاء على لسان المرشد الأعلى علي خامنئي في الرابع من حزيران 2025 قال المرشد الإيراني علي خامنئي ( إن المقترح الأميركي للاتفاق النووي يتعارض مع سلطة طهران الوطنية،ولن نتخلى عن تخصيب اليورانيوم
وأميركا لن تستطيع إضعاف برنامجنا النووي)، فيما أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في العاشر من حزيران 2025 (أن إيران تتصرف بشكل مختلف تمامًا في المفاوضات عما كانت عليه قبل أيام وأصبحت أكثر تشددًا. إنه أمر مُفاجئ بالنسبة لي وإنه أمر مُخيب للآمال، لكننا مُستعدون للقاء مرة أخرى وسنرى).
وتوقفت المفاوضات لفترة زمنية وتم تعليق الاجتماعات الفنية بعد انتهاء الجولة الخامسة بسبب الاختلاف حول نسب عمليات تخصيب اليورانيوم عمليات وهي العقدة الأبرز في المفاوضات التي ابتدأت في الثاني عشر من نيسان 2025 عبر الوسيط العربي الخليجي العُماني، ولكن مع تغيير الموقف الأمريكي الذي أعلنه الرئيس ترامب فإن موعد الجلسة السادسة تقرر يوم 15 حزيران 2025.
ورغم قيام وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي بتقديم مبادرة سياسية للخروج من عنق الزجاجة وتحريك مسار المفاوضات ونقله أيضًا للمقترحات الأمريكية، إلا أن الجانب الإيراني تجاهل المبادرة العُمانية وتأخر في الإجابة عن قبول الاراء والمقترحات التي وردت الرسالة الأمريكية التي نقلت إليه، والتي كان من أبرزها ما جاء في الرفض الذي أعلنه خامنئي برفض عملية إيقاف تخصيب اليورانيوم والاحتفاظ بنسب الخزين الذي تمثله نسب 60٪ داخل إيران، ومع تصريح علي شمخاني مستشار المرشد الأعلى الذي كان عبارة عن كلام فضفاض اعتمد سياق الرفض الإيراني ولم يقدم أي مبادرة أو مقترح مقابل.
قرأت الإدارة الأمريكية السلوك السياسي الإيراني جيدًا واستمرت في فرض العقوبات على الكيانات والأشخاص الذين يتمتعون بعلاقات اقتصادية ومالية مع إيران وحسب ماجاء
بيان وزارة الخزانة الأمريكية ( أن العقوبات شملت أفرادًا وشركات في إيران والإمارات والصين والمملكة المتحدة وهونج كونج،
وطالت العقوبات 10 أفراد يحمل بعضهم جنسيات مزدوجة، وتركز نشاطهم في طهران ومدن إيرانية أخرى، وشملت أنشطة الكيانات المستهدفة التجارة العامة والبتروكيماويات وتحويل الأموال والخدمات اللوجستية.
والمتغير الميداني الفني كان قيام إيران بشراء آلاف الأطنان من المواد الكيميائية من الصين لاستخدامها في تصنيع الوقود الصلب للصواريخ، مما يشكل عقبة كبيرة وفقدان للثقة بين واشنطن وطهران وعدم حضور المصداقية في الحوار الدبلوماسي والمسار السياسي للمفاوضات بين الطرفين، ويظهر إصرار الجانب الإيراني على تعزيز قدرته الصاروخية، ونقلت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأميركية في الخامس من حزيران 2025 عن مصادر مطلعة (أن طهران في خضم مفاوضات نووية متوترة مع الولايات المتحدة، تسعى إلى إعادة بناء قدراتها العسكرية، وقد طلبت آلاف الأطنان من المواد اللازمة لإنتاج الصواريخ الباليستية من الصين) .
وجاءت قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتعين الأدميرال ( برد كوبر) قائدًا جديدًا للقيادة المركزية الأميركية ( سنتكوم) والمعروف بأرائه المتشددة من إيران والمنتقدين لسياستها الإقليمية والدولية، وهو من القيادات التي تتمتع بثقافة واسعة واطلاع ميداني كبير ومعرفة عميقة بالقدرة العسكرية والبحرية الإيرانية في قيادة الحرس الثوري الإيراني وبالأهداف الحيوية في الشرق الأوسط والوطن العربي، ويمكن الاستدلال على تعينه هي استعداد واشنطن لأي احتمالات قادمة بمواجهة عسكرية وفق أي متغير ميداني أو ابتعاد عن الشروط القائمة في الحوار مع إيران.
وجاء قرار محافظي الوكالة الدولية للطاقة في الثاني عشر من حزيران 2025 الذي تضمن اعترافًا ولأول مرة منذ عقدين من الزمن بعدم تعاون إيران مع الوكالة استنادًا إلى ما تضمنه تقرير الوكالة نهاية شهر آيار 2025 الذي أشار إلى وصول كمية تخصيب اليورانيوم إلى 408.6 كغم، والذي تم التصويت عليه خلال اجتماعات مجلس المحافظين وإمكانية إحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن الدولي.
تزامنت هذه الوقائع والأحداث مع قيام القوات الإسرائيلية بتدريبات ميدانية والتهئ لأي احتمالات قد تنهي جولات المفاوضات وتبعد المسار الدبلوماسي ليكون التلويح بالعمل العسكري بديلًا عنه، وبدأت إيران بعد أن شعرت بأن مسار المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية قد يتجه إلى حالة من التصعيد العسكري والضغط الاقتصادي بتعزيز علاقتها مع حلفائها الإقليميين ( روسيا والصين) وتعزيز قدراتها الدفاعية الجوية وإعادة بناء وتطوير برنامجها الصاروخي وطائراتها المسيرة معلنة رفضها لأي مناقشة تتعلق به، بعد أن تعرضت بعض من أنظمة الدفاع الجوي الإيراني بما فيها منظومات ( أس – 300) الروسية الي اضرار جسيمة ودمار كبير نتيجة الغارات الجوية الإسرائيلية في شهري نيسان وتشرين الأول من عام 2024 . وتصاعدت حدة المواقف بسبب الاعلان الإيراني عن التطور الحاصل في برنامج الصواريخ الباليستية والتمسك بتخصيب اليورانيوم والتأخير في إعلان أي نتائج إيجابية تتعلق بالحوار بين واشنطن وطهران، رغم القناعة الأمريكية بأن اندلاع أي حرب مع إيران سيؤدي إلى صراع سياسي وعسكري يؤثر على المصالح العليا والأهداف الرئيسية لدول العالم مع أحداث اضرار كبيرة في سوق النفط العالمية.
تبقى الوسائل والإجراءات الأمريكية قائمة على استخدام الأسلوب السياسي في الحوار الدبلوماسي وإرسال مزيد من الإشارات على رغبته في حل جميع الخلافات في الملفات الرئيسية بروح سلمية قبل اتخاذ أي قرار بوقف جولات التفاوض وتشديد العقوبات الاقتصادية لأقصاها عبر استهداف عمليات تصدير النفط الإيراني للصين ومشاورة إسرائيل في أي متغير يحصل على الأرض،وعلى الجانب الإيراني أن لا يذهب بعيدًا في استبعاد العمل العسكري أو أي إجراء ميداني وأن يسعى للوصول إلى اتفاق جديد يضمن له تحقيق أهدافه وغاياته التي سعى إليها بقبوله للحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية والابتعاد عن سياسات التهديد والتعنت وإظهار القوة في وقت لا يزال يعاني مواطنيه من عديد الأزمات الاجتماعية والاقتصادية وارتفاع في نسب التضخم المالي والبطالة وانتشار الفساد السياسي والاقتصادي في عموم هيكلية ومؤسسات النظام الإيراني.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة