كشفت العملية النوعية الأخيرة للقوات الأميركية في شمال غرب سوريا يوم 14 يونيو (حزيران) الجاري أنها استخدمت سلاحاً سرياً جديداً من نوعه، لقتل خالد العاروري القائد الفعلي لتنظيم “حراس الدين” التابع للقاعدة وهو صهر ونائب أبو مصعب الزرقاوي زعيم القاعدة في العراق الذي قتلته أميركا عام 2006، فما طبيعة هذا السلاح فائق الدقة الذي لا يستخدم متفجرات ولكنه مع ذلك يجمع بين التكنولوجيا المتقدمة ووحشية أساليب العصور الوسطى؟ ولماذا لجأت واشنطن لاستخدامه هذه المرة بخلاف معظم عملياتها السابقة في استهداف المتطرفين والإرهابيين؟
ثقل وسرعة وشفرات
يتفق المسؤولون الأميركيون وقيادات في تنظيم القاعدة، على أن خالد العاروري الملقب بـ (أبو القسّام) الذي انخرط في التنظيمات المتطرفة منذ التسعينيات، قُتل في غارة بطائرة مُسيرة (درون) في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، لكن صحيفة “نيويورك تايمز” أوضحت أن قوات العمليات الخاصة الأميركية التي نفذت المهمة، استخدمت صاروخاً سرياً جديداً، صُمِمَ خصيصاً لقطع رأس العاروري، ما وجه ضربة قوية لهذا التنظيم، فما الجديد الذي يحمله هذا الصاروخ؟
قد يكون اسم ونوع الصاروخ مألوفين للكثيرين، فهو من نوع هيلفاير، لكن الجديد أن الصاروخ تم تعديله بحيث يحمل رأساً حربياً خاملاً، لا يشتمل على متفجرات، ولأنه فائق الدقة، فإن ثقل المقذوف من المعدن البالغ 100 رطل (45.4 كيلوغرام) مع سرعته الهائلة، كانا كافيين للقتل حين اصطدم بالجزء العلوي من سيارة العاروري. وإذا لم يقتله، فمن المؤكد أن الميزة الأخرى للصاروخ الجديد فعلت ذلك، وهي ست شفرات حادة طويلة مطوية داخل الصاروخ، فتحت شراعها قبل ثوان من التصادم لتقطيع أي شيء في طريقها، ولهذا فإن الصاروخ المُعدل جمع بين التكنولوجيا المتقدمة وأساليب العصور الوسطى في قطع رؤوس المستهدفين من الغارة.
تقليل خسائر المدنيين
ولأن صواريخ هيلفاير التقليدية تشمل رأساً متفجراً يزن حوالى 20 رطلاً (9 كيلوغرامات) تستخدم عادة ضد مجموعة من الأفراد أو ضد شخصية مهمة تلتقي مع متطرفين آخرين، فإن صاروخ هيلفاير المعدل الذي يحمل الآن اسم R9X، يُصبح السلاح المُفضل عندما تطارد قوات العمليات الخاصة، قائداً وحيداً بهدف تجنب إصابة المحيطين به الذين قد يكونون من المدنيين.
وبدأ تطوير الصاروخ المعدل منذ نحو عشر سنوات تحت ضغط من الرئيس السابق باراك أوباما بهدف الحد من الخسائر في صفوف المدنيين والحيلولة دون تدمير الممتلكات في الحرب الأميركية الطويلة على الإرهاب، وبخاصة في المناطق الساخنة مثل أفغانستان وباكستان والعراق وسوريا والصومال واليمن، بعدما تعرضت الولايات المتحدة لانتقادات دولية جراء هذه العمليات.
استخدامات معدودة
وقد استُخدم هذا السلاح الذي كشفت عنه للمرة الأولى صحيفة “وول ستريت جورنال” قبل أشهر نحو ست مرات ضد قيادات إرهابية بارزة بحسب الصحيفة الأميركية، غير أن المسؤولين الأميركيين لم يؤكدوا استخدام هذا الصاروخ الفريد من نوعه إلا في حالتين محددتين فقط، الأولى نفذتها وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) في غارة جوية على إدلب السورية في فبراير (شباط) عام 2017 وقتلت خلالها الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أبو الخير المصري الذي كان صهر أسامة بن لادن، والثانية نفذتها وحدات عسكرية تابعة لقيادة العمليات الخاصة المشتركة في يناير (كانون الثاني) عام 2019 وأدت إلى قتل جمال البدوي، الذي اشتبه الأميركيون في أنه ساهم في التخطيط لتفجير المدمرة البحرية الأميركية كول في عام 2000 الذي نفذه تنظيم القاعدة.
وتعد القوات الأميركية أول من يستخدم الشفرات القاتلة في هذا النوع من الذخيرة، حيث سبق واستخدمت القوات الجوية الملكية البريطانية قنابل خاملة موجهة عالية الدقة خلال المراحل الأولى من غزو العراق عام 2003، كما فعلت القوات الجوية الفرنسية الشيء نفسه في ليبيا عام 2011، غير أن أياً منهما لم يستخدما الشفرات التي أضافتها النسخة الأميركية لاحقاً.
أسلحة عالية الدقة
وفي حين امتنعت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عن التعليق حول استخدام صاروخ هيلفاير المُعدل في قتل العاروري، إلا أن استخدام هذا النوع من الصواريخ يتسق مع توجه وشغف الجيش الأميركي لاستخدام ذخائر أصغر حجماً لقتل الإرهابيين المستهدفين، والتي ظهرت خلال الحملات الجوية الأخيرة ضد تنظيم “داعش” في العراق وسوريا في محاولة لتجنب وقوع خسائر في صفوف المدنيين.
ويشمل ذلك أيضاً الاعتماد المتزايد على قنبلة GBU-39، ذات القُطر الصغير وتزن 250 رطلاً (113 كيلوغراماً) والتي استخدمتها القوات الأميركية على نطاق واسع في معارك الموصل ضد داعش خلال عامي 2016 و 2017 في العراق، وفي وقت لاحق في الرقة السورية.
ومن بين الأسلحة التي اكتسبت شهرة كبيرة، نظام أسلحة القتل المتقدمة العالية الدقة التي تحوّل صاروخاً صغيراً طوله 2.75 بوصة عبر أجهزة توجيه بالليزر، إلى ما يماثل طلقات قناصة من الجو.
ومع ذلك فإن استخدام الذخائر الأصغر والأكثر دقة خلف مئات، إن لم يكن الآلاف من المدنيين الذين قتلتهم الأسلحة الأميركية خلال حرب السنوات الست ضد تنظيم داعش والحملة الجوية المستمرة في أفغانستان.
تهديد مستمر
لكن قدرة فرع القاعدة في سوريا على التخفي والحركة وتنفيذ عمليات إرهابية، فضلاً عن عمليات فروع تنظيم القاعدة الأخرى في غرب إفريقيا والصومال واليمن وأفغانستان، تؤكد التهديد المستمر الذي تشكله هذه الجماعة الإرهابية على الرغم من مقتل بن لادن، وتفضيل الإرهابيين والمتطرفين الانضمام إلى “داعش” كبديل عن القاعدة خلال السنوات الأخيرة.
ولا يزال تنظيم القاعدة يمثل بالنسبة إلى الولايات المتحدة قوة عالمية عبر شبكاتها وفروعها حول العالم، وفقاً لما قاله ناثان ساليس منسق شؤون مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية للصحافيين مؤخراً.
ويقول توماس جوسلين رئيس تحرير “لونغ وور جورنال” الصادرة عن مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات المعنية بتتبع الجماعات المتشددة، إن العاروري بات عام 2015 واحداً من بين خمس شخصيات بارزة في القاعدة كانت طهران قد أفرجت عنهم مقابل دبلوماسي إيراني محتجز في اليمن، وأنه تدرج في سلم القيادة إلى أن أصبح قائداً عسكرياً لتنظيم “حراس الدين” ثم القائد الفعلي لها.
كيف نشأ تنظيم “حراس الدين”؟
ظهر فرع القاعدة الجديد، المسمى “حراس الدين”، في أوائل عام 2018 بعد أن انفصلت فصائل عن مجموعة خراسان، وهي منظمة صغيرة ولكنها أكثر خطراً لأنها ضمت عناصر وقيادات أكثر تشدداً أرسلها أيمن الظواهري، زعيم التنظيم العالمي للقاعدة إلى سوريا من أجل شن هجمات ضد الغرب.
لكن سلسلة من الغارات الجوية الأميركية تمكنت من القضاء على مجموعة خراسان قبل سنوات، بينما احتمى عناصر “حراس الدين” ويصل عددهم إلى نحو ألفي مقاتل، في مناطق تغطيها الدفاعات الجوية الروسية ما قلل من الغارات الجوية الأميركية ومراقبة طائرات الاستطلاع الأميركية.
وفي الوقت الذي بدأت موسكو إرسال مساعدات عسكرية ومستشارين إلى سوريا في أواخر عام 2015 لدعم حكومة الرئيس بشار الأسد، كان تنظيم “حراس الدين” تحت قيادة أبو همام الشامي، إلا أن العاروري تولى مسؤولية التنظيم في مرحلة لاحقة وفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة العام الماضي.
أهمية قتل العاروري
ويصف تشارلز ليستر، مدير برنامج مكافحة التطرف والإرهاب في معهد الشرق الأوسط في العاصمة الأميركية واشنطن، العاروري بأنه كان أحد كبار الشخصيات في تنظيم القاعدة على مستوى العالم، فضلاً عن كونه من قدامى المقاتلين في التنظيم بعد أن بدأ العمل مع الزرقاوي في أواخر الثمانينيات.
ويشكل قتل العاروري ضربة قاصمة لتنظيم “حراس الدين” والقاعدة ككل، حيث يشير ليستر إلى أن العاروري لم يكن فقط مجرد الممثل الأساسي للقاعدة في سوريا، فقد شارك أيضاً في جهود إعادة إحياء نشاط وعمليات الجماعة في كل من العراق ولبنان، وإعادة ربط الشبكات والصلات القديمة التي ضعفت إلى حد ما في السنوات الأخيرة.
طارق الشامي
اندبندت عربي