ثورة العشرين…تعبير عن تلاحم الشعب العراقي

ثورة العشرين…تعبير عن تلاحم الشعب العراقي

تعدُّ ثورة العشرين التي أحيا العراقيون -يوم الثلاثاء- ذكرى مرور 100 عام على اندلاعها ضد الاحتلال البريطاني للمطالبة بالاستقلال، من أبرز الأحداث في تاريخ العراق المعاصر, ويمكن القول إنَّ أحداثها تؤلف مرحلة قائمة بذاتها الى حدٍ كبير, كما أنها تمثل انطلاقة لمرحلة جديدة, لا سيما أنَّ نتائج أحداثها أثرت بشكل واضح في الحياة الفكريَّة والسياسيَّة, وهي في الوقت نفسه منعطفٌ تاريخيٌّ وسياسيٌّ واجتماعيٌّ بالنسبة للشعب العراقي، وبداية التأسيس للدولة العراقيَّة المعاصرة, ولعلنا لا نبالغ إذا ما قلنا إنها أهم حدث تاريخي منذ سقوط بغداد على يد المغول في العام 1258, وما تبعه من موجات غزو واحتلال متلاحقة امتدت عبر قرون طويلة.

ورغم الأوضاع الأمنية وانتشار وباء فيروس كورونا في العراق وانشغال العراقيين بأحداث شتى أربكت مشهد الحياة، فإنهم لم ينسوا استذكار ثورة العشرين، حيث كتب مدونون ومغردون على مواقع التواصل الاجتماعي تغريدات وتدوينات كثيرة عن تلك الثورة التي يعتبرونها الأساس الذي انبثقت منه الدولة العراقية الحديثة.

ويرى المؤرخون أن هناك مجموعة عوامل عجلت في اندلاع ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني، من أبرزها سوء الإدارة البريطانية وتعسفها في إدارة البلاد، فضلا عن الضرائب الثقيلة التي أرهقت كاهل الشعب العراقي، ولقد سبق قيام ثورة العشرين اندلاع ثورة النجف الأشرف عام 1918 التي قمعها البريطانيون بكل قسوة، وأعدموا الكثير من الرموز الوطنية آنذاك، ثم تسارعت وتيرة الأحداث التي دعت إلى قيام ثورة شاملة ضد البريطانيين وإنهاء فكرة إلحاق العراق بمحمية عدن وجعله مستعمرة تابعة لها.

على إثر ذلك، اجتمع بعض من زعماء الفرات الأوسط في بيت الشيخ هادي المكوطر، أحد كبار شيوخ محافظة الديوانية، وكان من الحاضرين الشيخ خيون العبيد، وهو من كبار شيوخ ذي قار، ودار النقاش حول القيام بالثورة، لكن الشيخ خيون اقترح القيام بتوعية الشعب للتحضير لذلك، ولا سيما أن منطقة المنتفق كانت في حالة صراع مع العثمانيين والبريطانيين خلال الفترة 1908-1918.

وبعد ذلك خرج الجميع من الاجتماع بفكرة واحدة وهي توعيه الناس وتحشيد الجهود، وتم تشكيل جمعية الرابطة الإسلامية للقيام بذلك.ومن الأسباب المباشرة لاندلاع الثورة قيام القوات البريطانية بسجن الشيخ شعلان أبو الجون شيخ عشيرة الظوالم في محافظة المثنى (السماوة) جنوب البلاد يوم 30 يونيو/حزيران 1920، والاستعداد لإرساله عبر القطار إلى مدينة الديوانية. لكن عشيرة الظوالم هاجمت السراي الحكومي وحررت الشيخ من السجن، حيث تعتبر تلك الحادثة من الشرارات الأولى لاندلاع الثورة وانتقالها لباقي المدن العراقية.

ومن الأسباب الأخرى لتفجيرها وتوسع نطاقها، إعلان قبيلة شمر حربها على الإنجليز، ومن أبرز الثوار الشيخ ضاري بن محمود الزوبعي. فقد طلب الحاكم الإنجليزي في حينها العقيد ليتشمان مقابلة الشيخ ضاري، لكن الشيخ رفض في بادئ الأمر المثول أمامه، لعلمه بأنه سوف يطلب منه التعاون مع الإنجليز ضد العراقيين.

وعندما تمت المقابلة في منطقة خان بين بغداد والفلوجة، قام الضابط الإنجليزي بإهانة الشيخ ضاري بكلمات نابية وشديدة، وحاول اعتقاله. فهبّت الحمية بالشيخ وخرج وأحضر ولديه اللذين وجها بنادقهما إلى رأس العقيد ليتشمان وأطلقوا النار عليه فأردوه قتيلا، ثم أجهز عليه الشيخ ضاري بسيفه، وعند محاولة المرافق المقاومة قتلوه أيضا. والرسالة التالية توضح بعض مجريات ثورة العشرين .

وبالتزامن مع ذلك حدثت انتفاضة أخرى قام بها الأكراد ضد البريطانيين في شمال العراق، وكان الشيخ محمود الحفيد من أبرز قادة الثورة الكردية.لذا لم يكن الكورد في معزل عن ثورة العشرين فقد تحركت القبائل والعشائر الكردية تضامنًا مع العشائر العراقية الأخرى، وهب ثوار كردستان في السليمانية وهولير (أربيل) وعقرة وسنجار وخانقين وكفري (وفي كفري بالذات وقعت معارك طاحنة بقيادة القائد الكردي «إبراهيم خان» نهاية 1920 واستولوا على مدينة كفري وقتل قائدهم (كوردن) ومعارك اشتركت فيها عشائر من «الكرد الفيليين» مع إخوانهم من العشائر العربية في ديالى ومندلي وخانقين وبدره والحي والنعمانية والصويرة، ومعارك سنجار وتلعفر بمشاركة أتراكها ومسيحييها.

وقد كشفت الثورة عن التضامن والنضج السياسى والاستعداد العسكرى بين العراقيين آنذاك، لكن ما أخذ على هذه الثورة عدم وجود قيادة موحدة لها، الأمر الذي أدى إلى عدم قيام العراقيين بالثورة في آن واحد مما نجم عنه وقوع أخطاء فردية. وعلى الرغم من أن الثورة قد حققت بعض النجاح الأولي، فإن البريطانيين تمكنوا من قمعها نهاية أكتوبر/تشرين الأول 1920. وكانت أهداف الثورة هي: الاستقلال عن الحكم البريطاني، وتأسيس حكومة عراقية مستقلة.

ودخلت ثورة العشرين في الأدب والشعر، وأصبحت درسا للحركات والثورات والاحتجاجات التي حصلت فيما بعد، وتغنى بها الشعراء والأدباء وخلدوها بأبيات كثيرة من الشعر، حتى أن الثورة مع انطلاقها كان قد رافقها أشهر بيت شعري عرفه العراقيون، وهو “الطوب أحسن لو مكواري”، في إشارة للمقارنة بين السلاح الناري والمكوار الذي هو عصا غليظة تستخدم للقتال ويوضع عند أحد أطرافها مادة القير لتكون صلبة وقوية.

ونتيجة لانتقادات الساسة البريطانيين في مجلس العموم البريطانى لسياسة بريطانيا في العراق، قررت الحكومة البريطانية أن تحكم العراق بصورة غير مباشرة، وذلك بإقامة حكومة وطنية فيه سميت بالحكم الأهلى في العراق، وذلك بتشكيل أول حكومة وطنية مؤقتة برئاسة عبدالرحمن النقيب، وروعى في توزيع الحقائب الوزارية التمثيل الدينى والطائفى والعشائرى للبلاد، تماما مثلما يحدث الآن، غير أن الاحتلال البريطانى وُضِع مستشارا إنجليزيا مع كل وزير، وأعلنت بريطانيا عن رغبتها في إقامة ملكية عراقية رشحت لها الأمير فيصل بن الشريف حسين بعد خروجه من سوريا. هذا يعني أن من النتائج المباشرة لثورة العشرين قيام الدولة العراقية الحديثة.

رسميًا، استذكر الرئيس العراقي برهم صالح اليوم ثورة العشرين في بيان رسمي، قال فيه إن ” ثورة العشرين كانت وما زالت ذكراها مصدر إلهام للشعب العراقي في الدروس والعبر التي يستعيدها العراقيون، بما يرسّخ فيهم قيم الوطنية الحقة”.

كما هنأ رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي العراقيين بثورة العشرين في بيان رسمي، قائلا إنها تحتل مكانة عزيزة في وجدان أبناء شعبنا، كأول ثورة تحررية في تأريخهم الحديث، كونها جاءت كي يحكم العراقيون أنفسهم بأنفسهم، وهذا ما نطمح بعزم إلى تحقيقه اليوم عبر السعي لترسيخ قِيَم المواطنة والحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، ورفض أيّ مساس بسيادتنا الوطنية”.

وأضاف أن “من أوجه عظمة ثورة العشرين.. أنها كانت بحق ثورة كل العراقيين من أجل كل العراقيين، وهذا ما أكدته مشاعر التضامن العميق والشعور بوجود مصلحة مشتركة لكل الشعب بالانتصار”.

ودعا تحالف القوى العراقية، الى استلهام دروس ثورة العشرين في تعزيز وحدة الشعب وضمان حريته وكرامته.وقال التحالف في بيان تلقى مركز الروابط والبحوث نسخة منه “نحتفي هذا اليوم بالذكرى السنوية المائة لانطلاق ثورة العشرين الخالدة ، هذه الثورة العراقية الخالصة – منبعأ ورجالأ – والتي عكست أول صور التلاحم بين شيوخ العشائر العربية الأصيلة والقوى الوطنية والشخصيات الدينية والاجتماعية البارزة معلنة انتصار الحق العراقي وانتصاف الشعب من قوى الاحتلال البريطاني ورفضة مزلزلأ لكل اشكال الظلم والخنوع”.

واضاف ان “ثورة الأجداد في عشرينات القرن الماضي، شكلت امتدادا للثورة العربية الكبرى في عام 1916، ونبراسا للشعوب الحية التواقة للحرية والانعتاق والرافضة لاول اشكال الاستعمار في التاريخ الحديث، وتركت لنا ومضات تاريخية ومآثر بطولية ومواقف نضالية تناسلناها ابا عن جد من اولئك القادة العظام والشيوخ الاجلاء يتقدمهم شيخ عشائر الظوالم في فرات العراق الأوسط الشيخ شعلان أبو الجون، وشيخ عشائر زوبع في وسط العراق الشيخ ضاري المحمود، وشيخ عشائر النجف الأشرف الشيخ عبد الواحد الحاج سكر، هذه الرموز الوطنية سطرت بدمائها وتضحيات عشائرها ملحمة الحرية والسيادة واسمعوا المحتل البريطاني صوت الرفض العراقي لتواجدهم”.

وتابع التحالف “ما احوجنا اليوم الى استلهام دروس التاريخ لتعزيز وحدة الشعب العراقي وضمان حريته وصون كرامته والحفاظ على سيادته الوطنية والتكاتف معا من اجل عراق حر ينعم بالتقدم والازدهار يتمتع فيه العراقيون – دون تمييز واقصاء- بحياة حرة وكريمة”.

كما احتفى المغردون والمدونون العراقيون بذكرى ثورة العشرين على مواقع التواصل الاجتماعي، ودعوا إلى عد المناسبة عيدا وطنيا ينهي الخلاف على بقية المناسبات والحوادث التي لطالما برز معارضون ومؤيدون له. وقال الدكتور الصيلادني زهير الراوي ان (هذه العلامة المضيئة في تاريخ العراق الحديث لا يختلف عليها رأي او نجد لها معارضا بين الاطياف العراقية، لان جميع المكونات شاركت بقسط فيها وقدمت لها طاقة الصمود بوجه الآلة البريطانية المحتلة انذاك). واضاف الراوي الذي سبق ان طالب العام الماضي باختيار ذكرى ثورة العشرين عيدا وطنيا للبلاد ينهي الخلاف على ما عداها من وقائع وتواريخ، تم اعتمادها لهذا الغرض ان (مجلس النواب مدعو للتصويت على هذا الامر واعتماد يوم الثورة التحررية عيدا وطنيا بالنظر لما ينطوي عليه من دلالات سياسية ووطنية ومبدأية تخص جميع فئات الشعب العراقي. فهي تكرس الاستقلال بأبهى معانيه). واشار الراوي الى انه سبق ان عرض هذا المقترح بعد نيسان 2003 في مؤتمر حاشد دعا اليه الشيخ مهدي الخالصي واقيم في نقابة المحامين وحظي باجماع الحاضرين الذين يمثلون الطيف الوطني العراقي.

ولقد عبرت ثورة العشرين عن وحدة وتلاحم أطياف الشعب العراقي بأثنوغرافيته المجتمعية، فلم تكن صنيعة حزب أو كتلة أوطائفة وحتى لم تكن لها جغرافية محددة مقفلة بل كانت مساحتها العراق، والعراق كله، حيث اشترك الشعب العراقي بكل أطيافه وقواه الوطنية بمساحة جغرافية العراق كما ذكر علي الوردي في كتابه «لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ج/5» (يمكن القول على أي حال إنّ ثورة العشرين هي أول حدث في تاريخ العراق، يشترك فيه العراقيون بمختلف فئاتهم وطبقاتهم، فقد شوهدت فيها العمامة إلى جانب الطربوش والكشيدة إلى جانب اللفة القلعية والعقال إلى جانب الكلاو وكلهم يهتفون «يحيا الوطن» وهذا الحراك الوطني الشامل هو التصميم على الخلاص والتغيير بالاعتراف بدولة اسمها العراق، وهنا تبرز أهمية الثورة في أفهام الشعب بنوايا بريطانيا الخبيثة في «تهنيد العراق» والحاقه بدول التاج البريطاني».  هي شهادة تاريخية للمشاركة الشاملة للعراقيين وهو البعد الوطني للثورة، ولقد قدّم الشعب العراقي فيها أروع صور البطولة والتضحية.

وحدة الدراسات العراقية