روسيا تزيد من نشاطاتها في شرق سوريا للضغط على الوجود الأمريكي هناك

روسيا تزيد من نشاطاتها في شرق سوريا للضغط على الوجود الأمريكي هناك

نشر موقع “بوليتكو” تقريرا أعدته لارا سيلغمان وبيتسي وودراف سوان قالتا فيه إن الروس باتوا يضغطون على القوات الأمريكية في سوريا. وجاء فيه أن القوات الروسية تقوم بالزحف نحو المناطق التي تسيطر عليها القوات الأمريكية في شرق سوريا فيما يقول المسؤولون الأمريكيون إنها حملة للضغط على القوات الأمريكية وإخراجها من سوريا بالكامل. ونقلتا عن مسؤولين أمريكيين حاليين وآخر سابق قولهم إن الاحتكاك المتزايد بين القوات الأمريكية والروسية في سوريا يأتي في ظل عدم الثقة بين مجتمع الأمن القومي والرئيس دونالد ترامب بشأن طريقة التعامل مع موسكو.

وتأتي التحركات الروسية في سوريا على خلفية التقارير التي كشفت عن منح وحدة سرية في الجيش الروسي مكافآت لحركة طالبان كي تقوم باستهداف القوات الأمريكية والحلفاء في أفغانستان. وأدت التقارير إلى خلافات بين الحزبين وسط اتهامات للرئيس بأنه كان يعرف عن الجهود الروسية منذ أشهر ولكنه اختار الصمت. ونفى ترامب أي علم بالتقارير لكن مسؤولين دفاعيين غربيين أكدوا للمجلة صحتها فيما تقوم المخابرات الأمريكية بالنظر فيها وانتقدت الإعلام لنشر الأخبار عنها.

لم يمنع دعم روسيا وأمريكا لطرفين مختلفين التواصل بينهما من أجل منع حدوث مواجهات

وجاء الكشف عن برنامج المكافآت الروسية وسط احتكاكات متزايدة في منطقة أخرى وهي سوريا. وظلت الولايات المتحدة وروسيا تدعمان طوال الحرب الأطراف المتحاربة المختلفة في النزاع، حيث دعمت روسيا نظام الأسد فيما دعم الأمريكيون الأكراد الذين يريدون إقامة منطقة حكم ذاتي فعلية في شمال- شرق سوريا. ولم يمنع هذا من تواصل الطرفين طوال الحرب من أجل منع حدوث مواجهات في ساحة حرب مزدحمة. ففي العام الأول من حكم ترامب دفع البيت الأبيض البنتاغون لزيادة التعاون مع الجيش الروسي في سوريا، حسبما قال ثلاثة من مسؤولي إدارة ترامب السابقين. وكان الأمر مزعجا لأعضاء في مجلس الأمن القومي الذي رأوا أن روسيا ارتكبت جرائم حرب ضد المدنيين في سوريا.

وقال أحد المسؤولين السابقين: “أخبرونا بضرورة العمل مع روسيا وعدم تجاهلهم” و”فعلنا ولكننا حددنا التعاون” لمنع التصادم. ولم يحدث أي تصادم دموي بين الروس والأمريكيين باستثناء واحد عام 2018 عندما تم قتل ما بين 200-300 من القوات الموالية للنظام السوري بمن فيهم مرتزقة روس يعملون في شركة واغنر للتعهدات الأمنية.

ويقول مسؤولان أمريكيان إن الجيش الأمريكي واجه الروس أكثر من مرة في سوريا. وتقوم روسيا بنشر قواتها قريبا جدا من المواقع الأمريكية في منطقة دير الزور، شرق سوريا. ويتفاعل الجيشان عددا من المرات في الأسبوع، إن لم تكن الاحتكاكات يومية مقارنة مع الاحتكاكات الشهرية في العام الماضي. واستطاع الطرفان حتى الآن نزع فتيل الأزمة بدون عنف، حسبما قال ضابط أمريكي. إلا أن مسؤولين أمريكيين تحدثوا عن محاولات روسية مع شركائها في النظام والقوات التابعة لإيران لدفع أمريكا الخروج من سوريا وبشكل كامل.

وفي بداية الشهر الماضي نشر موقع “بريكينغ ديفنس” أن القوات الأمريكية والروسية دخلت مواجهة استمرت ساعات في شمال- شرق سوريا. وأكد مسؤول أمريكي الحادث للموقع ولكنه أكد أنه لم يتطور للعنف. وفي الوقت نفسه قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن القوات الروسية تقوم ببناء قاعدة عسكرية في شمال- شرق سوريا قريبا من الحدود مع تركيا. ويقول المحللون إن الزحف الروسي في سوريا يتناسب مع إستراتيجية موسكو لامتحان التزام أمريكا بالشرق الأوسط وما قامت به في أفغانستان يتناسب مع هذه الإستراتيجية.

ومثل سوريا حث البيت الأبيض البنتاغون على التعامل مع روسيا في أفغانستان، حسبما قال المسؤول الدفاعي السابق. وفي أثناء تطوير البنتاغون سياسة جنوب آسيا لأفغانستان عام 2017 طلب مجلس الأمن القومي من المسؤولين الدفاعيين البحث عن طرق للتعاون مع موسكو، خاصة في الجزء الشمالي من أفغانستان. وقال المسؤول السابق: “كل واحد عبر عن دهشته، لن نتعاون مع روسيا. هذا جنون”.

وتم طرح فكرة تقضي بالسماح للجيش الروسي بإدارة عمليات مكافحة الإرهاب في شمال أفغانستان، إلا أن وزارة الدفاع اعترضت بشدة على الفكرة كما يقول المسؤول السابق. وحتى عام 2015 اتفقت قوات التحالف بقيادة الناتو مع موسكو على خط إمداد لوجيستي عبر روسيا ووسط آسيا والقوقاز عرف بخط التوزيع الشمالي، لكن روسيا أغلقته عام 2015. ويرى دوغ لندن، الضابط السابق في سي آي إيه والزميل غير المقيم في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، أن التقارير حول برنامج المكافآت الروسي تقترح أن موسكو تحاول فحص إرادة أمريكا في أفغانستان. وأضاف أنه بدون ضغط من البيت الأبيض “فسيواصلون التصعيد حتى يتم وقفهم”.

التقارير حول برنامج المكافآت الروسي تقترح أن موسكو تحاول فحص إرادة أمريكا في أفغانستان

وبحسب أربعة مسؤولين سابقين في إدارة ترامب فقد شعر المسؤولون الدفاعيون والأمنيون بالمرارة من كثرة الضغط عليهم لتحسين التعاون مع موسكو.

ويقول مارك بوليميربولوس، المسؤول السابق في سي آي إيه الذي تقاعد عام 2019، إن إدارة ترامب كانت منذ البداية مع إعادة ترتيب العلاقة مع روسيا بما في ذلك التعاون في مجال مكافحة الإرهاب و”لم يتوقف هذا من جانب الإدارة كما ظهر من رغبتها العامة بالتعاون مع موسكو”. وقال: “في الوقت الذي حاولنا فيه مرة ثانية التعاون مع الروس إلا أن الجهود كانت عبثية كما هو الحال، ولم يكن هناك أي مكسب من المحاولة”.

وفي الأيام التي أعقبت انتخابات ترامب حاول مستشار الأمن القومي المعين مايكل فلين زيادة التعاون مع روسيا بهدف مكافحة الإرهاب. وقال للسفير الروسي في واشنطن سيرغي كيسلياك: “تعرف أن الهدف الإستراتيجي هو استقرار الشرق الأوسط”. وكان يتحدث معه حول التصويت في الأمم المتحدة حول المستوطنات الإسرائيلية، مضيفا: “هذا هو الهدف الإستراتيجي، وتعرف أن هذا هو ما بيني وبينك، وتعرف أنه ما بين موسكو وواشنطن. ولن نحقق الاستقرار في الشرق الأوسط بدون العمل معا ضد الجماعات الإسلامية هذه”. وأطيح بفلين في الأيام الأولى من إدارة ترامب لكن رؤيته عن التعاون ظلت مستمرة.

وشعر مسؤولو الأمن والدفاع بالحنق من كثرة المطالب الداعية لهم للتعاون، إلا أن قلقهم زاد بعدما كشف عن الحملة الروسية للتدخل في الانتخابات الأمريكية حيث أخذوا يتساءلون عن دوافع الإدارة. وقال مسؤول سابق في الإدارة: “لا أعتقد أن المجتمع الأمني يثق بالبيت الأبيض.. لا في المعلومات ولا في اتخاذ القرارات الصائبة”.

وكانت سوريا المكان التي تصادم فيه البيت الأبيض مع وزارة الدفاع والأمن القومي، فقد حاول ترامب مرتين سحب القوات الأمريكية من هناك، وفي مرة عام 2018 دفع وزير الدفاع للاستقالة أما في الثانية ففتح المجال أمام التدخل التركي في المناطق الكردية عام 2019. وفي كل مرة نجح مجلس الأمن القومي بإقناع ترامب بالحفاظ على قوة عسكرية صغيرة.

والآن وبعد سيطرة بشار الأسد على معظم سوريا فإنه بات يركز على المناطق الكردية، وهي التي حدثت فيها احتكاكات متعددة مع الروس. ولكن ترامب رد على التقارير حول المكافآت الروسية بالشجب. وهو كما يعكس موقف ترامب من روسيا حيث ناقض تقديرات الأجهزة الأمنية حول التدخل الروسي، بل ورد بسلبية على الإيجازات الأمنية اليومية التي قدمت روسيا بطريقة سلبية. ولهذا السبب اختار الموجزون عدم التعرض لأي خبر أو موضوع سيئ عن روسيا أثناء إيجازاتهم عام 2017 بما فيها نشاطات الروس في سوريا والمهمة للوجود الأمريكي هناك. وقال المسؤول السابق: “لا أتذكر شيئا يخص روسيا شعر الأشخاص بالراحة لمناقشته مع الرئيس”.

القدس العربي