في الوقت الذي ينظر فيه الأميركيون في تقارير إخبارية تفيد بأن روسيا قد عرضت مكافآت لمقاتلي «طالبان»، نظير قتل جنود القوات الأميركية هناك، يتعيَّن علينا تذكر التاريخ الأليم للدولتين في أفغانستان.
فبالعودة إلى أيام المجاهدين الأفغان و«حرب تشارلي ويلسون»، نجد أن واشنطن قد قدمت أسلحة، لا سيما صواريخ أرض – جو، وقامت بتدريب خصوم الاتحاد السوفياتي في ثمانينات القرن الماضي. وعندما زرت موسكو بصفتي قائداً لقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان بعد 30 عاماً تقريباً، التقيت بآخر جنرال سوفياتي في أفغانستان (كان قد تقاعد ودخل السياسة)، وقال لي إننا «الأميركيين قد تلطخت أيدينا بالدم الروسي».
لكن ذلك الوضع يختلف تمام الاختلاف عن الزعم بتقديم المال لمقاتلي «طالبان» نظير قتل الجنود الأميركيين، خصوصاً مع بدء محادثات السلام. إن توفير الأسلحة والتدريب للحلفاء، وأحياناً للبدلاء، لهو سلوك دولي شائع، إذ تفعل الولايات المتحدة ذلك لحلفاء «الناتو»، وللعديد من الكيانات الأخرى، لكن عرض «المكافآت» لقتل الجنود أمر صادم بكل تأكيد. وهو أمر خطير، خصوصاً عندما يصدر بتوجيه من جهاز استخبارات دولة مسلحة نووياً لاستهداف القوات المسلحة لخصم استراتيجي.
وتظل حقيقة ما إذا كان الرئيس دونالد ترمب قد «اطلع» رسمياً على هذه المزاعم أم لا، سؤالاً مفتوحاً (مع العلم أن ترمب ينفي ذلك). لكن الاتهامات تفجرت لدرجة أن السؤال الحقيقي بسيط: إذا كان حقاً لم يتم إبلاغه، فلماذا؟
إذا كنت قد علمت بشأن المكافآت الروسية لاستهداف أفراد ضمن 150.000 جندي كانوا تحت قيادتي في أفغانستان، لكنت اتصلت على الفور برئيسي المباشر، وزير الدفاع، وأنا على يقين من أنه كان سيتصل على الفور بالبيت الأبيض، ويطلب اجتماعاً لمجلس الأمن القومي.
من المؤكد أن الكونغرس سوف يأخذ هذا الأمر على محمل الجد، وينبغي عليه أن يفعل ذلك. فإذا كان الجزء الأكبر من المعلومات الاستخباراتية دقيقاً – ويبدو بالتأكيد معقولاً بالنظر إلى ما نعرفه عن هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، الذي يعد جهاز استخبارات غامضاً، فهناك حاجة ماسة إلى رد قوي، وسنعرف المزيد في غضون بضعة أيام وأسابيع، لكن يجب أن نفكر بالفعل في كيفية الرد.
أولاً، يتعين على الولايات المتحدة تقييم جميع المعلومات الاستخباراتية الموجودة بشكل كامل وشامل، وبمستوى مناسب من السرية، يحمي المصادر وأساليب التنفيذ، ليكشف علناً عما فعلته روسيا. فوفقاً لتقارير صحافية، فقد تبادلت واشنطن بالفعل الكثير من هذه المعلومات مع المملكة المتحدة. ويحتاج الحلفاء الآخرون الذين ما زالوا يقفون إلى جانب الأميركيين في أفغانستان، غالبيتهم من دول «الناتو»، إلى رؤية ذلك أيضاً لضمان القدرة على الحفاظ على حماية مناسبة لقواتهم في أفغانستان.
يتعين على الولايات المتحدة أيضاً مضاعفة جهود جمع المعلومات الاستخبارية في أفغانستان، لفهم اللعبة المزدوجة التي يلعبها الروس، وما هي الطرق الأخرى التي يسعون إليها لتقويض عملية السلام الناشئة. يجب أن يكون هناك تقييم جاد للدرجة التي اخترقت بها الاستخبارات العسكرية الروسية حركة «طالبان» على هذا النطاق الواسع. إذا تبين حقاً تقديم مكافآت، فهل كان هذا مجرد اجتهاد شخصي محدود المستوى من قبل ضباط الاستخبارات أنفسهم، أم أنه جزء من جهد استراتيجي واسع من قبل روسيا لتقويض محادثات السلام؟
إذا كان هذا الاحتمال الأخير هو الأصح، فبماذا يمكن لشركائنا الأفغان في حكومة الرئيس أشرف غني، أن يخبرونا في هذا الصدد؟ ما هي أهداف الروس من قتل الجنود الأميركيين، وإحراج الولايات المتحدة في الدولة التي سيطر الروس عليها لمدة 10 سنوات قبل أن يطردوا منها بشكل مخزٍ.
إذا ثبتت دقة تقارير المكافآت، يجب على إدارة ترمب التفكير بقوة في طرد السفير الروسي في الولايات المتحدة وفريق المخابرات بأكمله، إلى جانب جنرالات القسم القنصلي. من المرجح أن يؤدي هذا إلى رد فعل دبلوماسي من قبل روسيا، لكن هذا هو الثمن الذي يجب أن نكون مستعدين لدفعه. وبالمثل، لا ينبغي أن يلتقي كبار الدبلوماسيين الأميركيين أو الضباط العسكريين مع نظرائهم الروس، بما في ذلك اجتماع ترمب، ولا التحدث مع الرئيس فلاديمير بوتين، ولا يتعين على وزير الخارجية مايك بومبيو التحدث مع نظيره الروسي سيرغي لافروف.
فيما يخص الأعمال العسكرية، يجب على الولايات المتحدة التراجع عن قرارها سحب 10 آلاف جندي من ألمانيا. فهذا ليس هو الوقت المناسب لإظهار اعتزامنا الانسحاب في المستقبل، بل هو الوقت المناسب لزيادة الدعم الأميركي لحلفاء الخط الأمامي الذين يتعاملون مع روسيا، مثل دول البلطيق وبولندا.
في النهاية، يجب على الولايات المتحدة النظر في فرض عقوبات اقتصادية إضافية على موسكو، وبالتأكيد وقف المباحثات بشأن رفع العقوبات الحالية لغزوها واحتلالها غير الشرعيين لأوكرانيا. قد يكون الوقت قد حان للنظر في العقوبات المفروضة على الأفراد في المستويات العليا في الحكومة الروسية، بما في ذلك بوتين نفسه، إذ إنه من غير المرجح ألا يكون على علم بهذه المكافآت، بالنظر لخلفيته ككبير عملاء جهاز الاستخبارات الروسية «كي جي بي».
لقد تكشفت قضية كهذه في موسم الأحداث المشينة وغير المتوقعة. إذا كان ذلك صحيحاً، فإنه يظهر تجاهلاً صارخاً ومتهوراً لمعايير السلوك الدولي، حتى في مناطق القتال للدرجة التي يضع فيها الولايات المتحدة وروسيا في مسار تصادم جيوسياسي مباشر.