عيد عملية “مخلب النسر”، التي أطلقتها تركيا في منتصف يونيو/ حزيران الماضي، وبعدها بيومين “مخلب النمر”، ضد حزب “العمال الكردستاني”، شمالي العراق، الأنظار إلى الاستراتيجية التي اعتمدتها أنقرة ضد مسلحي الحزب في السنوات الأخيرة، للقضاء على منابعه داخلياً وخارجياً، واعتمدت خصوصاً على عمليات عسكرية وأمنية عديدة، شملت تمشيطاً واسعاً لجبال جنوب شرق البلاد ووسط الأناضول، ضمن المناطق التي سبق أن اتخذ عناصر “العمال” فيها مواقع ومخابئ لهم، وصولاً إلى التمدد خارج الحدود إلى داخل الأراضي العراقية شمالاً وتحديداً في إقليم كردستان العراق. وعلى الرغم من نجاح السلطات التركية في خفض تهديد “العمال الكردستاني” داخل البلاد، في الفترة الأخيرة، بعد دفع الكثير من مسلحيه لمغادرة الأراضي التركية، فإن الدعوات تتواصل للحكومة من خبراء ومتابعين لاستغلال انحسار وجود مسلحي “العمال” داخل البلاد، من أجل دعم الحاضنة الشعبية الكردية واستمالتها، عبر مشاريع تنمية تمنع التعاطف مع “الكردستاني” مجدداً في الفترات المقبلة.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد كلف وزير الداخلية سليمان صويلو بمهام تنسق عمليات مكافحة “العمال الكردستاني”، بالتنسيق مع جهاز المخابرات والمؤسسة العسكرية. واعتمد صويلو استراتيجية تقوم على محاور عديدة، من العمل الاستخباري وجمع المعلومات ورصد الاتصالات، إلى العمليات المباشرة العسكرية والأمنية، التي تختلف وفق طبيعة كل منطقة، وصولاً إلى المساعي عبر الأهالي والتي نجحت في إقناع عشرات المسلحين من “العمال” بتسليم أنفسهم للقوى الأمنية. واستفادت الحكومة من اعتصامات بدأت منذ أشهر لعائلات مسلحين في الحزب، أمام مقر حزب “الشعوب الديمقراطي” الكردي في ولاية دياربكر، ونجحت تلك الاعتصامات المستمرة حتى اليوم، بإقناع أكثر من عشرة عناصر بالعودة وترك الحزب، من بينهم فتيات.
دفعت العملية العسكرية داخل تركيا عدداً كبيراً من عناصر “العمال الكردستاني” لمغادرة البلاد باتجاه شمال العراق وسورية
ودفعت العملية العسكرية داخل تركيا عدداً كبيراً من عناصر “العمال الكردستاني” لمغادرة البلاد باتجاه شمال العراق وسورية، لا سيما بعد استهداف قيادات الحزب، وهو ما أدى بحسب صويلو، إلى انخفاض عدد المسلحين داخل تركيا إلى أقل من 400 عنصر، مع تواصل العمليات لشل القدرة الحركية واللوجستية لمقاتلي الحزب، ليؤدي ذلك إلى انخفاض كبير في عدد العمليات العسكرية التي تستهدف الجيش التركي من قبل المسلحين الأكراد، فكانت العمليات الأخيرة للحزب محدودة وتستهدف سيارات الموظفين والعمال، وأغلب الضحايا من المدنيين الأكراد. واعترف القيادي البارز في “العمال” مراد قره يلان، وفق ما نقلت عنه وسائل إعلامية، بأن الحزب فَقَد 18 من قياداته جراء المتابعات ضده وتنفيذ العمليات في شمال العراق وصولاً إلى عمق 150 كيلومتراً، خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
تقارير عربية
“العمال الكردستاني” يقر بمقتل اثنين من عناصره في القصف التركي
استراتيجية الملاحقة الداخلية للحزب، بدأت بعمليات من ولاية سيرت وصولاً إلى ولاية هكاري، وهي منطقة واسعة، وشملت منطقة آغري وجبالها، وتوسعت بشكل كبير في جنوب شرق البلاد، ما أسفر عن القضاء على 19 مخيماً للدعم اللوجستي للحزب، بمشاركة قوات الشرطة والجندرما والقوات الخاصة. أما بالنسبة للعمليات الأمنية في العراق وسورية، فسخّرت أنقرة لها طائرات الاستطلاع المسيّرة المنتجة محلياً، ما جعل قرارها مستقلاً من دون ارتباط بأي جهة موردة لتلك النوعيات من الأسلحة، والتي استخدمتها لمراقبة المناطق والجبال بشكل دائم. رافقت ذلك حملة دبلوماسية مع الدول المعنية بهذا الملف، من الولايات المتحدة الأميركية إلى العراق وإيران. وسبقت كل ذلك إجراءات داخلية تمثّلت بعزل رؤساء بلديات أكراد، اتهمتهم الحكومة بالتعاون مع “العمال الكردستاني” وتسهيل تحركاته وتوفير الإمكانيات اللوجستية له، وهو ما صعّب على الحزب استقطاب عناصر جديدة، مع ضعف الإمكانيات المتوفرة. كما أن سد الممرات والمنافذ الحدودية التي كان يستخدمها عناصر الحزب ساهم أيضاً في مزيد من التضييق على المسلحين.
قامت الحكومة بعزل رؤساء بلديات أكراد، اتهمتهم بالتعاون مع “العمال الكردستاني” وتسهيل تحركاته
نجاح العمليات الداخلية انعكس بعدم سقوط قتلى من العناصر الأمنية داخل تركيا، بل أغلب حالات سقوط قتلى من الجيش والقوى الأمنية في الفترة الأخيرة كانت خارج الحدود التركية، أي في شمال العراق، حيث توسعت العمليات التركية ولم تعد تقتصر على منطقة واحدة في إقليم كردستان، بل شملت أرياف محافظات أربيل ودهوك والسليمانية وزاخو. وعلى الرغم من كل الجهود التركية لشل قدرة “العمال” على التحرك في المنطقة، إلا ان مسلحي الحزب استفادوا من الجبال والتضاريس في المنطقة للتخفي، خصوصاً أن منطقة العمليات قريبة من قرى المدنيين، وهو ما يخلق تحدياً كبيراً للقوات التركية.
جابر عمر
العربي الجديد