العتب على الشعب القطري الشقيق أكبر من العتب على حكامه الحَمَدين وتميم، الذين مرّغوا تاريخه بالطين، وقطعوا صلة الرحم بينه وبين أشقائه وأصدقائه، وذلك بأن طعنوا أمّتَهم في ظهرها، بارتمائهم العلني المفضوح في أحضان ثلاثي إيران خامنئي، وتركيا أردوغان، وإسرائيل نتنياهو، وصاحبوا كل قاتل محترف ومنبوذ وهارب من بلاده لسوء السمعة والسلوك، ومنحوه الملاذ الآمن، وموّلوه وسخّروا كل إعلام الحكومة وأدواتها ومؤسساتها لخدمته، وكلفوه بإلحاق أكبر أذى ممكن بوطنه وأهله.
فكل ما جرى منذ ربع قرن، وما يجري حاليا، من حملات التقتيل، والتهجير، والتدمير، والتجويع، والتعطيش، والتفليس في سوريا، والعراق، ولبنان، وفلسطين، والبحرين، والسعودية، والعراق، واليمن، وليبيا، والسودان، تمَّ ويتمُّ بعائدات الغاز القطري المسروق.
وكل رصاصة، أو مفخخة، وكلُّ عملية اغتيال، وحرق، ونسف، وتخريب وقعت أو تقع في أية مدينة أو قرية وطئوها بأقدامهم الشريرة، مدفوعٌ ثمنُها بالريال القطري الخارج من جيوب المواطنين القطريين، وهم ساكتون.
باختصار، لقد حولوا خزانة الشعب القطري إلى ماكنة صرف تعمل بإمرة السلطان أردوغان، والولي الفقيه علي خامنئي والإخوان المسلمين.
ويحلو لبعض زملائنا الكتاب، والمحللين، والمنظرين العرب أن يروجوا لفكرة براءة الشعب القطري من جرائر حكامه.
وبالرغم مما في هذا من صواب، إلا أن فيه نصيبا كبيرا، أيضا، من المجاملة بدعوى احترام رابطة الأخوة العربية والإسلامية مع المواطنين القطريين.
وما يبرر العتب على الشعب القطري الشقيق هو أن أي شعب، مهما كان صغيرا ومسالما وأعزل ومغلوبا على أمره، حين يتجاوز حكامه الحدود، ويوغلون في خيانة الشرف والفضيلة، ويسرقون أمواله بالمليارات ويبعثرونها على العصابات والشلل الإرهابية في كل مكان، ويتآمرون على حكومات وشعوب شقيقة أو صديقة لم تبادرهم بالعداوة والتآمر والبغضاء، ويتسببون له بالعزلة والمقاطعة والمحاصَرة، لا بد أن يخرج شاهرا سيفه، ولو مرة واحدة، ليغير المنكر بيده، أو بلسانه فيقول لحكامه الفاسدين المفسدين: كفاكم شرا وفسادا ودموية وعمالة بحجة الدفاع عن الإسلام والمسلمين، واللهُ ورسوله وآله وصحبه لم يجيزوا العمالة لدولة أو لدول أجنبية معادية لا تضمر غير الشر لوطنه الصغير ولوطنه العربي الكبير.
أليس نصراً للإثم والعدوان إطلاقُ الفضائيات والإذاعات والصحف من الدوحة، ولندن، وأنقرة، واسطنبول، وبيروت، وواشنطن، ونيويورك، وباريس، لتزوير الحقائق، ونشر الأكاذيب، وتلفيق التهم، ونشر الفكر الظلامي الذي يبشر به إخوان الشياطين؟
ألم يستمع الشعب القطري إلى التسجيلات المعيبة التي سجلها القذافي للحَمَدين، وفضح فيها غدرهما وإصرارهما على الغدر والخيانة والتآمر على أشقائهما السعوديين والعرب الآخرين؟
ألم يعترف المدعو حمد بن جاسم، وكان رئيسا للوزراء، بأنهم استدرَجوا الأميركان لإقامة أضخم قاعدة عسكرية في قطر، بأموال الشعب القطري، لإدارة أعمالهم في المنطقة نكاية بالسعودية؟ ويعترف بأنهم أقاموا علاقاتهم مع الإسرائيليين فقط للاستعانة بهم على السعوديين؟
ألم يسمع الشعب القطري، أيضا، أن حكومة الحَمَدين وتميم هي الحكومة العربية الوحيدة التي لها استثمارات ضخمة في إسرائيل؟
ألم ينفقوا المليارات في سوريا، لدعم النصرة وشراذم المسلحين المتسترين بالإسلام لتدمير المدن والقرى السورية، وقتل أكبر عدد ممكن من أبناء الشعب السوري الشقيق بالتعاون والتفاهم والتشارك مع الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني وميليشيات العراق الطائفية الموالية لإيران؟
ألم يرَ ويسمع الشعب القطري بما أنفقه الحمَدان وتميم على خراب مصر، وعلى قتل جنودها وضباطها، ويعلم بما فعلوه في ليبيا بالأمس، وبما يفعلونه فيها اليوم مع السلطان العثماني المحتل والإخوان المسلمين والمرتزقة السوريين المتسترين بالدين؟
وحين أعلنت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن عزمها على تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، ألم تخرج الحكومتان التركية والإيرانية من قلب العاصمة القطرية، وهما تندبان وتعترضان، وتعلنان أن القرار يمس أمنهما القومي؟
ألم يسمع ويقرأ أخبار الفضائح المنكرة المعيبة التي يرتكبونها في أوروبا وأميركا، هم وأبناؤهم ومحاسيبهم ومرتزقتهم، التي شوهت سمعة العرب والمسلمين؟
لقد أرادوا، بكل هذه المغامرات والمؤامرات والدسائس وبعثرة المليارات من الدولارات، أن يجعلوا من قطر دولةً عظمى تجلس مع الدول العظمى على مقعد واحد، وتقرر مصير الأمم والحكومات الأخرى في المنطقة والعالم، وهي الجرادة الصغيرة التي تريد أن تحمل حملَ جمل.
والأهم من المهم أن هؤلاء الحكام المرضى بأوهام العظمة، بعد كل أطنان الرصاص، والقنابل، والمفخخات، والصواريخ التي أحرقوها، والفضائيات التي مولوها، ومئات الأحزاب، والحركات، والعصابات التي سلحوها، وحرضوها على شعوبها، فشلوا في قهر إرادة الشعب المصري، ولم يقسموا السعودية كما وعدوا القذافي والأميركان والإسرائيليين، ولم يحكموا سوريا، ولم يقهروا صمود الجيش الوطني الليبي، بل ارتد عليهم سوء أفعالهم، ولاحقتهم لعنات الشعوب التي جوعوها، وقتلوا أبناءها، وهجروا أطفالها ونساءها، والشعبُ القطري يرى ويسمع ولا ينتفض، غضبا لماله الذي ضاع، ولسمعته التي تلطخت بالطين.
شيء آخر، ترى لو سكت المتضررون اليوم عن ظلم الحكام القطريين وإرهابهم وتخريبهم في سوريا، ولبنان، وفلسطين، والعراق، واليمن، وليبيا، والسودان، ألا يتوقع الشعب القطري أن الكراهية ستلاحق القطريين، حكاما ومحكومين، في قادم الشهور والسنين؟
العرب