الولايات المتّحدة تشعر أنها باتت في موقع قوّة في الصراع الذي تخوضه ضد إيران في العراق، وأن تكتيكاتها لتشتيت الجهد الإيراني على عدّة جبهات سياسية واقتصادية وأمنية تعمل بشكل جيد وتحدّ من قدرة طهران وحلفائها على المواجهة. ويترجم هذه الثقةَ إصرارُ واشنطن على إبقاء قواتها في العراق ضمن صيغة متفق عليها مع بغداد.
واشنطن – أكّدت الولايات المتّحدة الأميركية مجدّدا نيّتها الإبقاء على قوّاتها في العراق، قاطعة الطريق على القوى السياسية والفصائل الشيعية القريبة من إيران، والتي سنّت في وقت سابق تشريعا برلمانيا يدعو حكومة بغداد إلى إخراج تلك القوّات، ولا تزال تضغط لمناقشة تنفيذه خلال الحوار الاستراتيجي العراقي الأميركي الذي بدأ في يونيو الماضي وسيستمر في الأشهر القادمة.
وأشار الجنرال كينيث ماكنزي قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط إلى إمكانية تخفيض عدد الجنود الأميركيين الموجودين على الأراضي العراقية بالتشاور مع بغداد وفي إطار الحوار الجاري معها، لكنّه أكّد في المقابل عدم نيّة واشنطن التخلّي عن دورها في مواجهة تنظيم داعش في العراق وبناء القدرات العسكرية العراقية.
وقال لقناة صوت أميركا “يمكننا أن ننجز المهمة مع عدد أقل من القوات الأميركية في العراق وسيتم التخفيض بالتشاور مع الجميع”.
وأضاف ماكنزي الذي قدّر عدد القوّات الأميركية الموجودة حاليا في العراق بما بين 5000 و6000 جندي “أنّ الحكومة العراقية تعترف بالفائدة التي تحققها لها الولايات المتحدة وقوات التحالف وقوات الناتو في القتال ضد داعش”، موضّحا “أعتقد أننا سوف نتوصل إلى حل أثناء المفاوضات مع العراقيين”، في إشارة إلى الحوار الاستراتيجي.
ومن جهتها أوردت قناة الحرّة الأميركية على موقعها الإلكتروني أنّ مسؤولا دفاعيا أميركيا كشف عن وجود خطط لتخفيض محتمل للقوات الأميركية في العراق.
ويؤكّد ذلك ما كانت صحيفة “العرب” قد نشرته في وقت سابق بشأن عمل إدارة الرئيس دونالد ترامب على التأسيس لوجود عسكري أميركي على أرض العراق، طويل الأمد لكّنه محدود عدديا وآمن “يتيح للولايات المتّحدة مراقبة غريمتها إيران عن قرب وخصوصا تحرّكاتها على محور طهران دمشق بيروت مرورا بالأراضي العراقية.. ولا يهمل في نفس الوقت الحرص على تجنّب وقوع خسائر بشرية في صفوف القوات الأميركية خلال سنة الانتخابات الرئاسية، حيث يعلم ترامب مدى حساسية هذا العامل لدى الناخب الأميركي”.
تدرك الولايات المتّحدة تماما وجود إيران في خلفية التحريض على إخراج القوات الأميركية من العراق، ليس فقط بالضغط عن طريق حلفائها من السياسيين العراقيين، ولكن أيضا باستخدام الميليشيات التابعة لها هناك في إقلاق راحة الوجود العسكري الأميركي وحتى الدبلوماسي على الأراضي العراقية عن طريق استهداف السفارة الأميركية في بغداد وبعض المواقع التي يوجد فيها جنود أميركيون.
وأشار الجنرال الأميركي بوضوح إلى الدور الإيراني قائلا إنّ استمرار واشنطن في مساعدة العراق على حربه ضد داعش يمثل انتكاسة لإيران، مؤكّدا أن طهران تحاول جاهدة إخراج الولايات المتحدة من المسرح العراقي، وأنّها باتت تدرك أنها لن تستطيع إخراج قواتنا عن طريق السياسة، ولذلك تحاول فعل ذلك بالقوة من خلال ميليشياتها، لكنّ درجة سيطرتها على تلك الميليشيات تراجعت بشكل كبير بعد مقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الذي أودت به غارة جوية أميركية قرب مطار بغداد مطلع العام الجاري قتل فيها أيضا مرافقه العراقي أبومهدي المهندس الذي كان يشغل منصب نائب لرئيس هيئة الحشد الشعبي.
وظهر خلال الأيام الأخيرة نوع جديد من استهداف الوجود الأميركي في العراق يتمثّل في التعرّض لقوافل إمداد القوات الأميركية بالمؤن، بحسب ما تعلنه الجماعات المسلّحة المنفّذة لتلك العمليات. ويُعتقد أن تلك الجماعات هي ذاتها الميليشيات الشيعية العراقية التي ترفع راية “مقاومة” الوجود العسكري الأميركي في العراق، وإن بدأت تتخفّى تحت مسمّيات غير معروفة في السابق، في محاولة لتجنّب الردّ الأميركي الذي يمكن أن يكون مؤلما ولا يستثني كبار قادة تلك الميليشيات.
وتبنّت جماعة تطلق على نفسها اسم “أصحاب الكهف” تدمير رتل الدعم اللوجستي تابع للجيش الأميركي، في منطقة مكيشيفة بمحافظة صلاح الدين.
وذكرت الجماعة في بيان لها أنها تؤكد “تدمير رتل دعم لوجستي كبير مع توابعه من حمايات أمنية أجنبية في صلاح الدين وفي منطقة مكيشيفة تحديدا”.
وجاءت الحادثة غداة إعلان مسلحين مجهولين عن استهدافهم لثلاث شاحنات قالوا إنّها كانت تحمل معدات لوجستية للقوات الأميركية بين محافظتي المثنى والديوانية جنوبي العراق.
واعتبر قائد القوات الأميركية أنّ “حلم الإيرانيين في العراق وصل إلى طريق مسدود مع وجود حكومة عراقية جديدة ليست موالية لهم بشكل كامل وتتخذ قرارات تخدم مصالح بلادها”.
ووصف ماكنزي حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بأنّها كانت “هجومية للغاية ومفيدة للغاية” في محاولاتها للحد من الهجمات التي تشنها الميليشيات المدعومة من إيران على القواعد العراقية التي تضم قوات أميركية، معتبرا أنّ الكاظمي يأخذ مسؤوليته على محمل الجد في محاربة هذه الميليشيات وحماية قوات التحالف التي تساعده، قائلا “لهذا السبب شهدنا عددا أقل من الهجمات على القواعد الأميركية”، في العراق.
ويظهر رئيس الوزراء العراقي الحالي مصطفى الكاظمي اختلافا عن أسلافه الذين سبقوه على رأس الحكومة في مرحلة ما بعد سقوط نظام حزب البعث، فهو على الأقل غير محسوب على معسكر الموالاة لإيران، ويبدو أكثر رغبة في تحجيم الميليشيات الموالية لها وضبط سلاحها رغم صعوبة تلك المهمّة في الوقت الحالي.
وقال الباحث في مؤسسة جيمس تاون جاكوب لايس فايس إنّ رئيس الوزراء العراقي الذي يخوض معركة ضد نفوذ الميليشيات خارج سلطة الدولة يواجه مهمة صعبة في الوقت الحالي.
وشرح في مقال تحليلي عن الوضع في العراق إنّ الكاظمي لا يستطيع في الوقت الحالي أن يضغط بشدة على الفصائل الموالية لإيران حتى لا يخاطر بمواجهة قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار الأمني والسياسي للبلاد، وفي الوقت ذاته لا يريد التساهل معها حتى “لا ينفر حليفا كبيرا” هو الولايات المتحدة، التي يحتاج إلى مساعدتها وسط الأزمة المالية الصعبة التي يمر بها العراق.
العرب