تقول أخبار غير مؤكدة إن إيران تبلور “مشروع “حل سياسي يوقف الحرب في سورية. وتقول وقائع مؤكدة جداً نشرها “أحرار الشام” إن لديها مشروعا استيطانيا ينقل موقفها من دعم النظام في حربه ضد السوريين إلى تهديم المجتمع السوري، عبر التقويض الجذري لعلاقات مكوناته التاريخية والطبيعية، وتغيير مناطق عيشها، وصولا إلى تبدل بنيوي لأحوالها السكانية، يمكّن طهران من أن تستبدل ما فيها من تنوع وتعايش أخوي مفتوح بفرز فئوي/ استيطاني، يمزق مجتمع سورية، ويحوله إلى حطام من تكوينات متعادية/ متنافية، يفضي استقواؤها بملالي إيران إلى تدميره وزرعه بمناطق مندمجة طائفياً، تتمحور سياسيا ومذهبيا حول هؤلاء، كمركز حاكم يرتبط مصيرهم به.
هذا المشروع الذي يبدو جنونياً، نقلته الأمم المتحدة إلى “أحرار الشام”، بطلب من طهران التي عرضت عليهم مبادلة أبناء الفوعة وكفريا الشيعيتين بسكان الزبداني، السنة والمسيحيين، وقد نشر “الأحرار” بيانا فضح هذه الواقعة التي لم يكن أحد يعتقد أن دولة تسمي نفسها مسلمة، يمكنها التفكير بها، لا سيما أنها تنزع عنها ورقة التوت “الإسلامية” التي تسعى إلى ستر عوراتها الكثيرة بواسطتها، وتفضحها كجهة تأخذ بسياسات تخلت عنها بلدان “الاستكبار”، تحول جيرانها إلى توابع تتلاعب بهم، من دون أية مراعاة لهويتهم ورغباتهم ومصالحهم، وتعمل للقضاء عليهم بأشنع الصور المباشرة، مثلما تفعل في سورية، البلد الذي تقصر جهودها فيه على إنقاذ طغاته القتلة، بمشاريع حلول سياسية، تبدو وكأنها راغبة في تلبية مطالب شعبه، تتظاهر بأنها تريد تحقيقها، مع أن طموحها الوحيد إجهاض مقاومته وتدمير ثورته، وخداعه بمعسول الوعود، ريثما تمر التبدلات الهيكلية التي تطاول كيانه، عبر مشروع ترحيل سكان غوطتي دمشق والقلمون من مناطقهم، واستبدالهم بآخرين من شمال سورية، وبمرتزقة لبنانيين وإيرانيين وأفغان …إلخ، يتحولون إلى جزء من كتلة طائفية متراصة، تمتد بين أفغانستان وفلسطين.
هذا المشروع الإجرامي وغير القابل للتصديق، قدمته إيران بكل جدية إلى الأمم المتحدة وأحرار الشام، على الرغم من تعارضه مع الإسلام، روحا ونصاً، ومع وجود دولة ومجتمع في سورية وإرادة سكان الغوطتين والقلمون وبلدتي الفوعة وكفريا، الذين لم يسبق لهم أن عبروا لطهران، أو لغيرها، عن رغبتهم في ترك منطقتهم، والاستيلاء على غوطتي دمشق والقلمون، ليس فقط لأنهم لا يستطيعون تغطيتها بشريا، وإنما كذلك لأنهم لا يريدون التحول من مواطنين إلى مستوطنين يعادون شعبهم، وأن يصيروا ألعوبة في يد جهة تشارك في تهجيرهم من موطنهم وقتل إخوتهم، تضع يدها منذ عامين على السلطة في بلادهم، وتسعى إلى استيطان مناطق بعينها من وطنهم، تشهد أعمالا هندسية وإنشائية ضخمة جدا كالقلمون، اعتقد أبناؤه أنها قواعد عسكرية، لكن غرباء تدفقوا عليها من لبنان والعراق وإيران وأفغانستان والصين، بينما تزايدت تجارة العقارات في دمشق وجوارها إلى درجه لافتة، مذكرة بما سبق أن فعله الصهاينة في فلسطين، حيث كانوا يدفعون أضعاف ثمن أراضي الفلسطينيين وبيوتهم، ليغروهم بالتخلي عنها.
ثمّة وحدة هدف تخترق عمل طهران السياسي المخادع، ورهانها التهجيري الخسيس الذي يقدم “مشروع” حل سلمي بيد، ومشروع اغتيال سورية الوطن والشعب باليد الأخرى. إذا كانت طهران قد فشلت في تثبيت سلطة النظام القاتلة، فإنها تعد نفسها بالنجاح من حفر هوة مذهبية يصعب ردمها ستقسم سورية، وستتكفل بشحن وحدتهم وعلاقاتهم بمواد قابلة للتفجير عن بعد: من طهران التي تقف، منذ سنين طويلة، وراء الكثير من الخراب الذي نزل بنا، ولا بد من أن نواجهها بكل ما في أيدينا من وسائل وقدرات.
ميشيل الكيلو
صحيفة العربي الجديد