كشف ستة مسؤولين ومساعدين في الكونغرس الأميركي، على اطّلاع بمفاوضات سدّ النهضة الإثيوبي الكبير، التي تتوسّط فيها الولايات المتحدة منذ أواخر العام الماضي، عن أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تدرس حجب بعض المساعدات عن أديس أبابا، بشأن مشروع السد الذي تسبّب في توترات مع دولتَيْ المصبّ، مصر والسودان، وذلك بحسب مجلة فورين بوليسي.
يأتي هذا في الوقت الذي أعلنت إثيوبيا رسمياً هذا الأسبوع، إنجاز المرحلة الأولى من ملء خزان سدّ النهضة. وبحسب بيان صادر عن مكتبه، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إن الفيضان الحالي وحالة الجريان السطحي في المنطقة جعلت الظروف مؤاتية لملء السدّ. وفي ما يبدو احتفاء بإتمام المرحلة الأولية من الملء، غرّد وزير الخارجية الإثيوبي غيدو أندارغاشيو على حسابه في تويتر، قائلاً “سابقاً كان النيل يتدفّق، والآن أصبح بحيرة، منها ستحصل إثيوبيا على تنميتها المنشودة. في الحقيقة، النيل لنا”.
السدّ الأكبر في أفريقيا، يمثّل نقطة إثارة للتوتّرات الجيوسياسية بين مصر والسودان وإثيوبيا، حيث تؤكد القاهرة عدم التفريط في حقوقها المائية ويتحدث كثيرون في العاصمة المصرية عن احتمالات استخدام القوة العسكرية كحقّ مشروع في حماية أمنها المائي، إذ يهدّد السدّ إمدادات المياه لمصر التي تعاني بالفعل شحّاً مائياً.
وشكّلت آلية تشغيل وملء سد النهضة، نقطة الخلاف الرئيسة بين الدول الثلاث، بسبب تأثيرها في تزويد المياه لدولتَيْ المصبّ. ففي حين تريد إثيوبيا ملء الخزان في غضون ثلاث إلى خمس سنوات، تطالب مصر بزيادة عددها إلى سبع أو عشر سنوات، ويشمل ذلك كمية المياه التي ستصل إلى دولَتَيْ المصبّ في فترات الجفاف عند تعارض حاجات توليد الكهرباء مع وصول كميات كافية من المياه إلى مصر والسودان، وكيفية حلّ أي خلافات مستقبلية.
إقدام أديس أبابا على ملء الخزان في مرحلته الأولى قبل التوصّل إلى اتفاق قانوني ملزم مع جيرانها في الشمال، يشكّل انتهاكاً لاتفاق إعلان المبادئ الذي وقّعته مع القاهرة والخرطوم، في 23 مارس (آذار) 2015، والذي يلزم الدول الأفريقية الثلاث التوصّل إلى اتفاق بشأن المبادئ التوجيهية لملء السدّ وتشغيله. وفي وقت سابق من هذا العام، توسّطت الولايات المتحدة، من خلال وزارة الخزانة، في محادثات شملت البنك الدولي، حول السد، مِمّا ساعد على دفع المحادثات إلى الأمام، غير أن إثيوبيا رفضت التوقيع على اتفاق نهائي في فبراير (شباط) الماضي.
اتهامات لواشنطن بالتحيّز
وأشارت أديس أبابا إلى أن الاتفاق سيلزمها تفريغ خزان السد إلى مستويات منخفضة بشكل غير مقبول في حالة حدوث فترة جفاف طويلة وأن الاتفاق كان مصمَّماً لإدامة الحصة غير المنصفة التي تطالب بها مصر في مياه النيل.وبحسب تقرير لمجموعة الأزمات الدولية، اتهمت إثيوبيا الولايات المتحدة بالانحياز بشكل كبير إلى مصر خلال مسار المحادثات وتجاوز دورها كمراقب. وفي وقت لاحق، نوّهت القاهرة وواشنطن، لأديس أبابا بأنها ستكون في حالة انتهاك لالتزاماتها القانونية الدولية إذا ضخّت أي مياه في خزان السدّ من دون التوصّل إلى اتفاق، فيما رفضت إثيوبيا هذا الادّعاء، مؤكدةً أن من حقها ملء سدّها بشكل أحادي.
لكن متحدث باسم وزارة الخزانة الأميركية قال إن الإدارة تعمل كوسيط محايد بين أطراف النزاع، مضيفاً “كان الهدف الوحيد لواشنطن، ولا يزال، هو مساعدة مصر وإثيوبيا والسودان في التوصل إلى اتفاقية عادلة بشأن ملء وتشغيل السدّ بطريقة تراعي مصالح البلدان الثلاثة”.
وفي حديثه لـ “اندبندنت عربية” قال السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية المصري السابق للشؤون الأفريقية، إن اتهامات أديس أبابا لواشنطن بالانحياز إلى مصر يمكن اعتبارها “تكتيكاً دبلوماسياً إثيوبياً” والمراقبون سيجدون أنها لجأت إليه في مواقف عدّة سابقة، فعلى سبيل المثال في مطلع التسعينيات أوفدت الأمم المتحدة، (من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي) بعثة تقصّي حقائق لوضع أسس للتعاون الإقليمي، غير أن إثيوبيا رفضت وقتها تلك الخطوة بحجة انحياز الأمم المتحدة، وسبق ووجّهت الاتهام ذاته إلى البنك الدولي. وأضاف “إثيوبيا تستخدم هذا التكتيك أحياناً بهدف الهروب من الالتزامات الدولية”.
حجب المساعدات
وطلبت وزارة الخزانة الأميركية هذا الشهر من وزارة الخارجية في واشنطن عرضاً موجزاً لجميع المساعدات الأميركية التي تم التعهّد بها لإثيوبيا، وهي خطوة تهدف إلى حجب بعض أو كل المساعدات غير الإنسانية كوسيلة ضغط إذا توقّفت المفاوضات الحالية التي يرعاها الاتحاد الأفريقي بين الدول الثلاث، وذلك بحسب ثلاثة مسؤولين تحدّثوا إلى المجلة الأميركية.
وليس من الواضح ما هي المساعدات التي ستُحجب، إذا نفّذت الإدارة الخطة قيد النظر. وقال مسؤولان إن إحدى النقاط قيد المناقشة هي مشاريع من مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية (DFC) التي من شأنها تحفيز استثمارات تصل إلى 5 مليارات دولار. وبحسب متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، فإن الولايات المتحدة قدمت في العام المالي 2019 ما مجموعه 824.3 مليون دولار لمساعدة إثيوبيا، من بينها 497.3 مليون دولار مساعدات إنسانية. لكن المسؤولين شدّدوا على أنه لن يتم تعليق تمويل المساعدات الخاصة بالحاجات الإنسانية.
ضغوط داخلية وخارجية
وردّاً على ما إذا كانت الخطوة الأميركية جاءت متأخرة وسط انتقادات لإدارة ترمب بعدم القيام بِما يكفي لحلّ أزمة سدّ النهضة خلال الأشهر الماضية، قال السفير المصري إن وضع الإدارة الأميركية كان يبدو شائكاً بالنظر إلى الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترمب مع اقتراب الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فضلاً عن الضغوط الداخلية، لذا ربما لم تُعر القضية المساحة الكافية من الاهتمام.
وأضاف “للإدارة الأميركية فضل التوصّل إلى اتفاق مهم وقّعت عليه مصر بالأحرف الأولى في فبراير الماضي، وكان يمكن أن تمارس هذا الدور استناداً إلى هذه الوثيقة الرئيسة. فالولايات المتحدة تتّخذ قراراتها السيادية بالشكل الذي يدفع الأطراف إلى التوافق”. وأشار إلى أن مسألة حجب المساعدات تتعلّق بالإجراءات التي يتوجب على المجتمع الدولي اتّخاذها ضمن تدابير عدّة لدفع إثيوبيا إلى التفاوض والامتناع عن التصرّف بطريقة أحادية والعمل على اتفاق قانوني ملزم.
مؤشرات إيجابية إثيوبية
وأعلنت أديس أبابا، الثلاثاء الماضي، عقب قمة أفريقية مصغّرة عُقدت افتراضياً برعاية الاتحاد الأفريقي لاستئناف المفاوضات حول السدّ، إن الدول الثلاث أحرزت تقدماً “مثمراً” بتوصّل جميع الأطراف إلى تفاهم مشترك رئيس يمهّد الطريق للاتفاق الشامل. واتفقت مصر وإثيوبيا والسودان على مزيد من المناقشات الفنية بشأن التعبئة لمواصلة العملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي والمضي قدماً في اتفاق شامل.
ويرسل الإعلان إشارة إيجابية إلى بعض المسؤولين والمراقبين الأميركيين الذين يخشون من أنه إذا استمرت إثيوبيا في ملء الخزان خلف السد من دون اتفاق مع القاهرة والخرطوم، فقد تتحوّل التوترات الإقليمية إلى مواجهة عسكرية. وقال عددٌ من المسؤولين الأميركيين إن إدارة ترمب يمكن أن تمضي قدماً في خفض المساعدات لإثيوبيا إذا بلغت المفاوضات طريقاً مسدوداً آخر ولم يتمكّن الطرفان من التوصّل إلى اتفاق نهائي.
ويقول حجازي “لدينا انطباع من دعوة الرئاسة الجنوب أفريقية وقبول الأطراف العودة إلى طاولة التفاوض أن هناك مدخلاً جديداً وأرضيات مشتركة يمكن البناء عليها لحلّ المشكلة والتوصّل إلى اتفاق قانوني ملزم، يحكم علاقات الأطراف الثلاثة الشركاء في النيل الأزرق الذين يتقاسمون السيادة عليه وليس لأحدهم سيادة مطلقة على النهر”.
ويشير إلى تردّد أقاويل بشأن التخلّي عن نقطتين كانتا تمثلان عقبة أمام التوصّل إلى اتفاق ملزم، إذ كانت إثيوبيا تخشى من أي اتفاق من شأنه أنيهدّد مشاريعها المستقبلية، فرُفعت هذه النقطة لأننا في صدد التوصّل إلى اتفاق يخصّ الملء والتشغيل فقط للسدّ، بينما المشاريع الأخرى، فستتم دراستها في حينها بالتعاون مع باقي الأطراف. والنقطة الأخرى، بحسب حجازي، كانت تتعلّق بتخلّي الجانب الإثيوبي عن إصراره توقيع مصر على اتفاق عنتيبي (اتفاق إطاري وقّع عليه عدد من دول حوض النيل في 2010في غياب مصر والسودان) الذي ترفضه القاهرة. ويضيف “اتفاق إعلان المبادئ معنيّ فقط بملء وتشغيل السدّ، بالتالي مع رفع ثقل هذه التحفظات، أصبح المجال متاحاً للتوصّل إلى اتفاق نهائي”.
مساعدة إدارة ترمب
على الجانب الآخر، وصف مسؤولان في الإدارة الأميركية تحدثا إلى فورين بوليسي، إعلان الثلاثاء بأنه “مؤشر إلى أن المفاوضين وضعوا الأساس لاتفاق نهائي”. وقال أحد المسؤولَيْن: “لقد ساعدت مشاركة إدارة ترمب مصر وإثيوبيا والسودان على إحراز تقدّم في المفاوضات خلال الأشهر التسعة الفائتة أكثر من السنوات التسع الماضية”. وأضاف “إن العمل الكبير الذي قامت به القاهرة والخرطوم وأديس أبابا على مدى الأشهر التسعة يظهر أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن إذا كان هناك التزام بين الجميع لفعل ذلك”.
إنجي مجدي
اندبندت عربي