من السهل نسيان أن أسعار الذهب كانت تمر بانهيار حاد في أولى فترات انتشار الوباء، إلا أن فيروس كورونا أطلق عددا كبيرا من القوى التي تسعى لزيادة الطلب على الذهب الذي يعد من الأصول الآمنة خلال الأزمات.
في تقرير نشره موقع “بلومبيرغ” (Bloomberg) الأميركي، قال الكتّاب ستيفن فرانك وفيفيان لو تشين وإلينا مازنيفا، إن جائحة كورونا كانت القوة الدافعة وراء أحد أكثر الانتعاشات شراسة التي شهدها سوق الذهب على الإطلاق.
ففي نهاية التداول في نيويورك يوم الجمعة، ارتفع سعر الذهب إلى 1902.02 دولار للأوقية، وهو سعر أعلى بنحو 30% من أدنى سعر مسجل في مارس/آذار، وأقل بـ1% فقط من أعلى مستوى قياسي مسجل في عام 2011.
مخاوف عديدة
تجلت عدة مخاوف إثر ذلك، من أهمها فرض عمليات الإغلاق من قبل الحكومة، وقرار السياسيين تمرير حزم التحفيز غير المسبوقة، وقرار محافظي البنوك المركزية طباعة النقود بشكل أسرع من أي وقت مضى لتمويل هذا الإنفاق.
ومن تلك المخاوف أيضا تراجع عائدات السندات الأميركية المعدلة حسب التضخم لتصبح في المنطقة السلبية، هذا بالإضافة إلى تراجع الدولار المفاجئ مقابل اليورو والين وتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين.
لقد أثارت كل هذه المشاكل مخاوف بعض الدوائر المالية من أن الركود التضخمي -وهو مزيج نادر من النمو البطيء والتضخم المتزايد الذي يؤدي إلى تآكل قيمة الاستثمارات في الدخل الثابت- يمكن أن يؤثر على أجزاء من العالم المتقدم، ويزداد هذا الجدل في الولايات المتحدة، حيث لا يزال الفيروس منتشرا والانتعاش الاقتصادي متعثرا.
وارتفعت توقعات المستثمرين للتضخم السنوي على مدى العقد المقبل -التي تقاس بمقياس سوق السندات المعروف باسم التعادل- خلال الأشهر الأربعة الماضية بعد أن سجلت هبوطا حادا في مارس/آذار.
ووصلت هذه التوقعات يوم الجمعة إلى 1.5%، ولا تزال أدنى من المستويات المسجلة قبل الوباء وأقل من هدف الاحتياطي الفدرالي الأميركي البالغ 2%، إلا أنها تزيد تقريبا على نقطة مئوية كاملة عن العائد الذي يبلغ 0.59% الذي تدفعه سندات الخزانة الأميركية القياسية لأجل 10 أعوام.
حسب إدوارد مويا كبير محللي السوق في شركة أواندا (Oanda)، فإن المحرك الرئيسي وراء الارتفاع الأخير للذهب كان “المعدلات الحقيقية التي تستمر في الهبوط ولا يبدو أنها ستستقر في أي وقت قريب”.
ويرى مويا أن الذهب يجذب المستثمرين القلقين من أن يطغى الركود التضخمي ويضمن مزيدا من التسهيلات من بنك الاحتياطي الفدرالي.
هوس الذهب لم يعد يقتصر على المستثمرين فقط بل أصبح يشمل التجار (غيتي)
ملاذ آمن
كانت أسواق السندات الأميركية قوة دافعة وراء الاندفاع نحو الذهب، الذي يعتبر بمثابة تحوط جذاب، بينما تنخفض العوائد على سندات الخزانة التي تقلل من آثار التضخم إلى ما دون الصفر.
وفي ظل هذه الظروف، يبحث المستثمرون عن ملاذات آمنة لن تفقد قيمتها، وأورد الكتّاب أن هوس الذهب لم يعد يقتصر على المستثمرين فقط بل يشمل التجار، وقد ساعد مستثمرو التجزئة في وضع حيازات صندوق المؤشرات المتداولة المدعوم بالذهب على المسار الصحيح لتحقيق مكاسب على مدار الأسبوع الثامن عشر على التوالي، وهي أطول سلسلة انتصار منذ عام 2006.
وفي الوقت نفسه، سجل الذهب أرباحه الأسبوعية السابعة يوم الجمعة، ولا يتوقع المحللون أن يتوقف ارتفاع أسعاره في أي وقت قريب.
وقال مارك موبيوس، الشريك المؤسس في “موبيوس كابيتال بارتنرز” (Mobius Capital Partners)، في مقابلة مع بلومبيرغ “عندما تكون أسعار الفائدة صفرية أو تقترب من الصفر، سيكون حينها الذهب وسيلة تحوط جذابة لأنك لن تقلق بشأن عدم الحصول على فائدة على ذهبك، سأشتري الذهب الآن وسأستمر في الشراء”.
وتنبأ المحللون بارتفاع كبير في أسعار الذهب منذ عدة أشهر، وفي أبريل/نيسان، رفع بنك أوف أميركا (Bank of America) سعر الذهب المستهدف لمدة 18 شهرا إلى 3 آلاف دولار للأوقية.
وقال فرانشيسكو بلانش، رئيس قسم أبحاث السلع والمشتقات في بنك أوف أميركا “إن الوباء العالمي يوفر دفعة مستدامة للذهب”، مشيرا إلى آثار تشمل انخفاض المعدلات الحقيقية وزيادة التفاوت وانخفاض الإنتاجية.
وأضاف أنه مع اقتراب الناتج المحلي الإجمالي الصيني بسرعة إلى مستويات الولايات المتحدة، مدعوما بالفجوة الآخذة في الاتساع في عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا، يمكن أن يظهر تحول جيوسياسي من شأنه أن يزيد من فرص بلوغ هدف 3 آلاف دولار على مدى الأشهر الـ 18 المقبلة.
يأتي التكهن الجريء لبنك أوف أميركا بعد انخفاض أسعار الذهب في بداية مارس/آذار، حيث سارع المستثمرون إلى النقد لتغطية الخسائر على الأصول ذات المخاطر العالية.
برامج تحفيزية
وسرعان ما تعافت الأسعار بعد أن خفض بنك الاحتياطي الفدرالي سعر الفائدة القياسي بشكل مفاجئ، مع وجود إشارات إلى أن الخسائر الاقتصادية التي تسبب فيها فيروس كورونا ستنشأ عنها جهود تحفيز ضخمة من الحكومات العالمية والبنوك المركزية، وهي ليست المرة الأولى التي يحصل فيها الذهب على مساعدة من هذا القبيل.
وقد اشترى بنك الاحتياطي الفدرالي من ديسمبر/كانون الأول 2008 إلى يونيو/حزيران 2011، ديونا بقيمة 2.3 تريليون دولار واحتفظ بتكاليف الاقتراض بالقرب من الصفر في محاولة لدعم النمو، مما ساعد الذهب على بلوغ سعر قياسي بلغ 1921.17 دولارا في سبتمبر/أيلول 2011.
وفقا لأفشين نابافي، رئيس التداول لدى شركة “إم.كيه.إس بامب غروب” (MKS PAMP Group) السويسرية للتكرير والتجارة، فإن الأزمة كانت قبل عقد من الزمان تتمحور حول البنوك، ويرى الآن أن الذهب اقترب من سعر ألفي دولار.
وأضاف “هذه المرة، وبكل صدق، لا أرى نهاية هذا النفق”، على الأقل حتى الانتخابات الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني”.
المصدر : بلومبيرغ