بوادر انفراجة في العلاقات السعودية الروسية لا تخلو من الحذر

بوادر انفراجة في العلاقات السعودية الروسية لا تخلو من الحذر

russia_putin1

يثير التقارب السعودي الروسي عموما عددًا من الصعوبات المتعلقة بمدى تناسق مواقف الطرفين من الملفات الإقليمية المختلفة، حيث أنّ تطور العلاقات السعودية الروسية في هذه المرحلة التاريخية مرهون بدرجة كبيرة بالتوصل إلى حل للأزمة السورية، وحدوث توافقات حول موضوع النووي الإيراني. ولا شكّ أن تلك القضايا كانت وما زالت تمثل حجر عثرة يعيق حدوث تقدم واضح وملموس في العلاقات بين الدولتين.

وليس ثمة شك على الإطلاق أنّ النشاط الدبلوماسي الأخير بين الدولتين، مردّه جُملة من الأسباب المهمّة، تأتي في مقدمتها حاجة المملكة العربية السعودية إلى حليف استراتيجي قوي، خاصة بعد تصاعد الحديث عن رغبة الولايات المتحدة الأميركية في الانسحاب من المنطقة، مع عدم جديتها في مكافحة الإرهاب، فضلاَ عن الحاجة المُلحّة لحلّ الأزمة السورية.

وتتسم رؤية البلدين إلى الحل بالنسبة للأزمة السورية بتباينات عديدة من حيث الأساليب التي يجب توخيها وكذلك النتائج المنتظرة، كما يختلفان في العديد من النقاط الأساسية الأخرى، غير أنّ ذلك لا ينفي وجود ملامح جدية لتقارب ناشئ بينهما.

القضايا الخلافية وملامح التقارب

حدث توتر واضح في العلاقات السعودية الروسية خاصة في الفترة التي أعقبت اندلاع ثورات ما سمي بـ”الربيع العربي”، وقد تمخض عنه خلاف بين الطرفين حول بعض القضايا الإقليمية المهمة مثل الأزمتين السورية واليمنية والملف النووي الإيراني.

وتختلف الرؤية السعودية عن الروسية في ما يتعلق بالأزمة السورية، أساسا حول طبيعة الحل، فانطلاقا من الرؤية السعودية القائلة بضرورة رحيل نظام بشار الأسد لكونه نظامًا دمويا مواليًا لطهران التي تهدد أمن المنطقة، تدعم الرياض الحل العسكري لحل الأزمة والإطاحة بالنظام، وقد أدت تلك الرؤية في بعض الأحيان إلى حدوث توتر شديد في العلاقات السعودية الأميركية، على خلفية تراجع واشنطن عن الحل العسكري، وهو ما تجلّى بوضوح في رفض المملكة للمقعد غير الدائم في مجلس الأمن (2013-2014).

وعلى الجانب الآخر تنطلق رؤية موسكو لحل الأزمة من الإبقاء على نظام الأسد مع الاعتماد عليه من خلال تحالف إقليمي ودولي لمواجهة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة تنظيم داعش الإرهابي، مع دعم مهمة المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، بشأن تجميد القتال، ووضع إطار جدي للحوار بين السوريين دون تدخل دولي، والتأكيد على مسارات جنيف لحل الأزمة السورية. وقد أدى هذا الخلاف في الرؤى بين الدولتين إلى حدوث توتر شديد في العلاقات، نتيجة لاستخدام موسكو الفيتو لثلاث مرات متتالية في مجلس الأمن لمنع صدور أي قرار ضد نظام الأسد يؤدي إلى التمهيد للتدخل العسكري في دمشق والإطاحة بالنظام.

أمّا في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، فقد توترت العلاقات بين الدولتين نتيجة للدعم الروسي المستمر لطهران، ليس فقط على المستوى الدبلوماسي بل على المستوى العسكري أيضًا، وذلك ردًا على الموقف السعودي من القضايا الإقليمية المختلفة وموقفها من أسعار النفط العالمية. وقد تجلى الدعم الروسي القوي لطهران في المحادثات التي جرت بشأن البرنامج النووي والتي أفضت إلى اتفاق بين طهران ومجموعة الخمس زائد واحد. كما كانت موسكو ترفض دومًا منطق العقوبات المفروضة على إيران والحل العسكري أيضًا، مما تعارض مع موقف السعودية، التي ترى أن البرنامج النووي الإيراني يمثل تهديدًا قويًا لدول الخليج ويؤجج النزاعات في المنطقة ويفتح الباب أمام سباق للتسلح غير مسبوق في المنطقة.

الأزمة اليمنية، تعتبر كذلك إحدى النقاط الخلافية بين الطرفين، حيث أنّ استمرار التعاون الروسي الإيراني أيضًا في هذا الإطار، أثار حفيظة السعوديين، فعقب إعلان اندلاع عاصفة الحزم بقيادة الرياض لمواجهة التمرد الحوثي في اليمن، أعلنت موسكو عن رفض الحل العسكري، ووقفت ضد أي محاولة لصدور قرار من مجلس الأمن ضد الحوثيين من خلال استخدام الفيتو الروسي، حيث تؤكد روسيا دائمًا على التمسك بالحل السياسي والدبلوماسي، بدلًا من الحل العسكري، مما أثار حفيظة الرياض تجاه ذلك الموقف الروسي، والمساندة الروسية الدائمة لطهران في القضايا الإقليمية، حيث دعت روسيا لضرورة إشراك إيران في المباحثات والمفاوضات المختلفة لحل الأزمة اليمنية.

وعلى الرغم من القضايا الخلافية القوية في العلاقات السعودية الروسية، فإن ذلك لم يمنع من حدوث تقارب بين الدولتين، انبنى على فرضية مهمة في العلاقات الدولية أساسها ضرورة تقديم المصلحة القومية على الخلافات السياسية. وقد كان لهذا التقارب عدد من الأسباب والملامح، التي حولت دفة العلاقات بين الرياض وموسكو من أبرزها:

* الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط، حيث أدركت السعودية أنّ موسكو أضحت تمتلك ثقلا قويا في الملفات الشائكة في المنطقة، كما أنها أضحت تعمل في ظل قيادتها الجديدة على العودة إلى الشرق الأوسط من أجل تحجيم النفوذ الأميركي. وقد تجلى هذا بوضوح في الأزمة السورية، حيث لم تفلح الجهود الأميركية المتكررة لحل الأزمة، مما أحدث فجوة في العلاقات بين واشنطن والرياض. وقد اتضح الثقل الروسي أيضًا في محادثات الملف النووي الإيراني.

ومن هنا جاءت الخطوات الأخيرة للرياض من أجل التقارب مع موسكو. ويمكن ردّ هذا الأمر إلى النشاط الكبير أيضًا للدبلوماسية الروسية في المنطقة، والتقارب القوي المصري الروسي عقب وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى سدة الحكم، حيث أيقنت السعودية أنّ الشرق الأوسط بات على حافة تغيير كبير في التحالفات القائمة، تحاول من خلاله موسكو أن يكون لها دور قوي في المنطقة لتعوض غيابها الطويل، وتتسم فيه السعودية بتوجه نوعي نحو تنويع خياراتها الدبلوماسية.

عدم جدية الولايات المتحدة الأميركية في مكافحة الإرهاب، حيث لم يفلح التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن حتى الآن في كسر شوكة الإرهاب في المنطقة، فما زال تنظيم داعش الإرهابي يسيطر على أماكن شاسعة في العراق وسوريا، بل لم يقتصر الأمر على ذلك، فقد امتدت مشكلات الإرهاب إلى الداخل السعودي وإلى الكويت من خلال التفجيرات التي حدثت في الآونة الأخيرة. ونتيجة لذلك التعثر الكبير في مكافحة الإرهاب في المنطقة، فقد طرحت موسكو رؤيتها لمواجهة الإرهاب والتي تتضمن تشكيل تحالف موحد لمواجهة الإرهاب يضم الجيشين السوري والعراقي والمقاتلين الأكراد، وليس ثمة شك أنّ الرياض، رغم تحفظاتها، تدرك أهمية هذا التوجه خاصة بعد فشل الجهود السابقة في مكافحة الإرهاب وعدم جدية واشنطن في هذا الاتجاه.

* تنامي الحديث عن رغبة أميركا في الانسحاب من الشرق الأوسط، ففي الآونة الأخيرة ظهرت بعض الدراسات في الولايات المتحدة، التي تشير إلى رغبة واشنطن في الانسحاب من المنطقة والتوجه شرقًا حيث مصالحها الاقتصادية الحيوية. وفي هذا الصدد قدم الباحث الأميركي، ستيفن وولت، رؤية للخروج الأميركي من المنطقة نتيجة لتأزم أوضاعها وغياب الحليف الاستراتيجي لواشنطن، وقد تجلى ذلك البعد مع ظهور مبدأ جديد في سياسة أوباما يقوم على تخفيض الوجود في المنطقة والتوجه نحو آسيا.

* رغبة السعودية في دعم مصادر القوة العسكرية وتحديث منظومتها الدفاعية: حيث تسعى دول الخليج وعلى رأسها الرياض إلى دعم قدراتها العسكرية لمواجهة أي تهديد محتمل من جانب طهران خاصة بعد الاتفاق النووي ورفع العقوبات المفروضة عليها. وفي هذا الإطار أشارت التقارير إلى توصل الرياض وموسكو لاتفاقية للتعاون العسكري، وتفعيل اللجنة العسكرية المشتركة بين الدولتين. وعلى الرغم من أن 80 بالمئة من تسليح الجيش السعودي يعد أميركيًا، فإن الرياض تريد التوجه إلى روسيا خاصة بعد نجاح التجربة المصرية في الحصول على أنظمة متطورة للدفاع الجوي من موسكو.

سيناريوهات محتملة

لدى الحديث عن مستقبل التقارب السعودي الروسي في ظل النقاط الخلافية وملامح التقارب الأخير، يمكن طرح ثلاثة سيناريوهات واضحة هي كالتالي:

* أولا حدوث انفراجة كبيرة في العلاقات، ومما يدعم هذا السيناريو التطور الكبير للعلاقات المصرية الروسية، والقدرة على تحقيق توافق في الرؤى بين موسكو والرياض حول القضايا الإقليمية المختلفة، في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات المصرية السعودية انتعاشًا كبيرًا عقب ثورة 30 يونيو، والدعم الواضح والكبير الذي تقدّمه الرياض للقاهرة.

*ثانيا استمرار العلاقات على حالها، وتراوحها بين فترات الشد والجذب، والعودة مرة أخرى إلى نقاط الخلاف الموجودة على الطاولة في منطقة الشرق الأوسط. وقد يحدث ذلك بسبب عدم القدرة على التوصل إلى حلول لأزمات المنطقة واستمرار التعارض في السياسات بين الرياض وموسكو حول الملف النووي الإيراني والأزمة السورية وكذلك الأزمة اليمنية.

*ثالثا توتر العلاقات وتأزمها بين الدولتين، ويرتبط هذا السيناريو بالموقف الروسي من المخططات الإيرانية في المنطقة، وغض الطرف الروسي عينه عن الانتهاكات الإيرانية لسيادة دول الخليج، بما فيها الدخول في مواجهات على سبيل المثال. وبالتالي سيقود هذا إلى تأزم كبير في العلاقات بين الرياض وموسكو، ويرتبط هذا أيضًا باستمرار الأزمة السورية وزيادة الأعمال الإرهابية داخل حدود المملكة العربية السعودية.