لم تكن مجزرة دوما البشعة التي ارتكبها النظام السوري، قبل أيام، بحق الأهالي والمدنيين العزل في المدينة، أول مجزرة في سورية، فهذا نظام، وفي سياق تشبثه بالسلطة، قتل إلى اليوم أكثر من ربع مليون إنسان من أبناء شعبه، وجرح أضعافهم، وشرّد الملايين منهم، داخل بلدهم وخارجه، كما أنه ألحق بسورية دماراً لا يصدق، ونسف اقتصادها، في حين يعيش أكثر من 60% من شعبها على المساعدات الإغاثية. بكلمة، إن عناد نظام بشار الأسد وإجرامه دمر سورية، كليا تقريبا، إنسانا وعمراناً ومكانة، دع عنك جيلا كاملا يبدو أنه ضاع، وحسب تقديرات دولية، ستحتاج عملية إعادة إعمار البلد إلى عقود، وبكلفة فلكية تقترب من الـ500 مليار دولار.
على الرغم من كل ما سبق، لا يبدو أن جنون نظام الأسد وهيجانه في وارد اللجم قريبا، فالتحركات الدولية، والمؤتمرات، واللقاءات، والمناشدات، والإدانات، كلها تبحر في فلك عدمي، بل يمكن الزعم أن أطرافاً لا تريد حلا قريبا في سورية، فما دام الحريق داخل سورية، وما دام من يكتوي بسعيره هم السوريون، وما دام أنه يستنزف خصوماً كثيرين، فلم الاستعجال؟
ينسحب المنطق الأخير، أولاً، على الولايات المتحدة التي ما فتئ قادتها يعلنون، منذ سنوات، أن الأسد فقد شرعيته وعليه التنحّي، غير أنها لم تتقدم خطوة ذات معنى لتحقيق ذلك. وبانت النيات الأميركية الحقيقية، عندما استخدم نظام الأسد الأسلحة الكيماوية ضد أبناء شعبه في غوطة دمشق قبل عامين. فبعد تهديد بقصف جوي لقوات الأسد، قبلت إدارة باراك أوباما بحل دبلوماسي رعته روسيا، يقضي بتجريد سورية من سلاحها، وهو ما كان، تاركة الشعب السوري رهينة القنابل الفراغية والبراميل المتفجرة وبقية أنواع القذائف والأسلحة الأخرى. ما توخّته الولايات المتحدة، حينها، كان تجريد سورية من سلاح ردعي واستراتيجي في سياق التوازنات مع إسرائيل، أو هكذا كان يفترض فيه.
أيضا، تسيطر الطائرات الحربية الأميركية على الأجواء السورية منذ سبتمبر/أيلول الماضي، منذ بدأت عمليات قصفها الجوي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وهي تنسق طلعاتها تلك مع النظام السوري من خلال العراق. ومن دون شك، فإن مقاتلات النظام السوري التي تزرع الموت بين أبناء الشعب تحلق تحت سمع الولايات المتحدة وبصرها، ولو أرادت الأخيرة منعها لما احتاج الأمر إلى أكثر من وعيد، لكنها لا تفعل.
تعرف الولايات المتحدة حق المعرفة الجرائم التي يرتكبها النظام السوري بحق شعبه، وهي قادرة على وقفها، غير أنها لا تفعل، بل وتمنع آخرين من التدخل الفعلي لحماية الشعب السوري وتسليح ثورته بسلاح نوعي، وحتى عندما زعمت، قبل عام، أنها تريد تدريب “معارضة معتدلة”، فإنها لم تدرب، إلى الآن، أكثر من عشرات، مشترطة أن تكون مهمتهم الأساسية محاربة “داعش”، لا نظام الأسد.
في المقابل، لا تكف روسيا وإيران عن تقديم كل أشكال العون والدعم لنظام الأسد، وها هما يعلنان، حتى بعد مجزرة دوما، أن مصير الأسد يقرره السوريون. بمعنى آخر، أن الأسد باق ليحكم على جماجم سحقها، وأطلال من الخراب أحدثها. وبما أن خصوم الأسد لا يقدمون للمعارضة الدعم النوعي اللازم لقلب المعادلات العسكرية على الأرض، فإن روسيا وإيران، عملياً، هما أصحاب اليد الطولى في سورية، على الرغم من كل الدمار الذي يترتب على نزيف الصراع المستمر، والذي لا يبدو أن له نهاية قريبة.
نكبة سورية وشعبها عظيمة، نكبة في تآمر القريب والبعيد، نكبة في عجز “الحلفاء” المرتهنين للفيتو الأميركي، وبالتالي، عجزهم عن تقديم سلاح نوعي قادر على إسقاط نظام الأسد، ونكبة في ضعف المعارضة السياسية والعسكرية وتشرذمها، ونكبة في تنظيمات متطرفة كـ”داعش” زادت الجسد السوري إثخانا وإيلاماً، غير أن نكبة سورية الأكبر تبقى في هذا النظام الجاثم على صدور السوريين، يسحقهم باسم “الممانعة” والتصدي “للمؤامرة الكونية” عليه. ألم يقل شريك نظام الأسد في الجريمة، ووكيل إيران في المنطقة، حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، إن “طريق القدس يمر بالقلمون والزبداني وحمص وحلب والسويداء والحسكة”، فلتهنأ إسرائيل بمثل هكذا منطق معوج، ولتنشد بيت جرير:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً/ فأبشر بطول سلامة يا مربع
أما شعب سورية فلا بواكي له، وسيبقى يذبح إلى أن يتفق “الأعداء” على صيغةٍ، تضمن وأد ثورته، وإجهاض سورية معا.
أسامة رشيد
صحيفة العربي الجديد