وفقاً لتقارير صحفية إقليمية وروسية، زوّدت روسيا مؤخّراً النظام السوري بستّ مقاتلات اعتراضية من طراز “ميغ-31” كجزءٍ من صفقة أسلحة تم التوقيع عليها أصلاً في عام 2007. وقد وصلت الطائرات في وقتٍ تجدّد فيه النشاط الدبلوماسي بشأن النزاع السوري، بما في ذلك البحث في عقد مؤتمر “جنيف 3” للسلام. وفي حين لا يزال الغرب متردّداً حول ذلك، استضافت موسكو سلسلة من الاجتماعات بشأن هذا الموضوع، ويُرجّح أنّها ستستخدم “جنيف 3” كمنتدى آخر لتلبية مصالحها الخاصة بدلاً من العمل من أجل الوصول إلى انفراجة حقيقية.
المحادثات الروسية الأخيرة
بعد أن أخفقت محادثات السلام الدولية في جنيف في إيجاد حلّ في عامي 2012 و 2014، استضافت موسكو في وقتٍ سابق من هذا العام، جولتين من المحادثات أطلقت عليها اسم مناقشات “اللقاء التشاوري السوري -السوري”. وقد جرت المحادثات [على وجه التحديد] في 26-29 كانون الثاني/يناير و 6-9 نيسان/أبريل. وعلى الرغم من أنّ بعض أعضاء المعارضة والمجتمع المدني السورييَن حضروا هذه المناقشات إلى جانب ممثلين عن نظام الأسد، إلا أن “الائتلاف الوطني السوري” – جماعة المعارِضة الأساسية التي يدعمها الغرب – غاب عن اللقاء. وقد رفض “الائتلاف” المشاركة في المحادثات لأنّ رحيل الرئيس بشار الأسد لم يكن شرطاً مسبقاً، كما أن هذه الجماعة لا تثق بأعضاء المعارضة “الرمزيين” التي أشركتهم موسكو.
ووفقاً للكرملين، استندت المحادثات على مبادئ بيان جنيف الصادر في حزيران/يونيو 2012، الذي حدّد خارطة طريق وضعتها الأمم المتحدة لإنهاء أعمال العنف وتأسيس “هيئة الحكم الانتقالي”. وتجدر الإشارة إلى أنّ البيان غير دقيق حول أيّ من جماعات المعارضة يمكن إدراجها في “هيئة الحكم الانتقالي”، وهو غموضٌ تضمّنه البيان وجاء عن قصد بناءً على إصرار روسي. وقد أتاح هذا الأمر لموسكو التعامل مع الجماعات والأفراد المفضّلين لديها، أي الذين لا يطالبون برحيل الأسد ويعزّزون موقف روسيا من أنّ الأسد شريكٌ ضروري في محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية».
إشادة في موسكو، لكن دون إحراز تقدم حقيقي
بعد اختتام محادثات كانون الثاني/يناير، تبنّى المجتمعون اقتراحاً تضمّن 11 نقطة يُدعى “مبادئ موسكو” أو “منصّة موسكو”. وعلى الرغم من أنّ الوثيقة أعادت التأكيد على مبادئ “بيان جنيف”، إلّا أنّها شدّدت كذلك على موقف موسكو الداعي إلى عدم التدخّل في الشأن السوري، مؤكّدةً على “عدم قبول أيّ وجود عسكري أجنبي على الأراضي السورية من دون موافقة الحكومة السورية”.
بيد، تعذّر على المشاركين الاتفاق على تعريفات الاقتراح لكلمتَي “الإرهاب” و”التدخل الخارجي”، كما أن بعض أعضاء المعارضة لم يوافقوا على الوثيقة على الإطلاق. وقد تردّد أنّ أحد الحاضرين اعتبر أنها “قتلت” الأمل في إيجاد حلّ سياسي حقيقي، ونتيجة لذلك، لم تؤدي المحادثات إلى أي خطوات محددة لإيجاد حل للأزمة.
وبالمثل، فشلت محادثات نيسان/أبريل في تحقيق أيّ تقدّمٍ حقيقي. ووفقاً لـ “وكالة الأنباء السورية – سانا” التي تديرها الدولة، اتفق المشاركون على خطة مكونة من ستّ نقاط أكّدت مرةً أخرى على التزامهم بـ “بيان جنيف” ودعت أيضاً إلى انتقال سياسي ديمقراطي، ووقفٍ فوري للعمليات العسكرية، وإيجاد حلول لـ “جميع الكوارث الإنسانية” والالتزام بمكافحة الإرهاب، إلّا أنّ المحادثات لم تتجاوز هذا الاتفاق العام.
وعلى الرغم من استمرار المأزق، أشادت موسكو علناً بجولتي المحادثات، ففي 9 نيسان/أبريل، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّ الجولة الثانية شكّلت “دليلاً على التقدم في العملية التي تقودها موسكو”. كذلك، ذكرت بعض التقارير أن رئيس الوفد الحكومي السوري، بشار الجعفري، أشاد بالمحادثات لأنّها ساعدت المجتمعين على التوافق “على بعض النقاط”. وفي أيار/مايو، ذهب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، أليكسي بورودافكين، إلى أبعد من ذلك حيث أفادت التقارير قوله بأنّ الجولتين كانتا ناجحتين، “ليس فقط من ناحية النقاش الذي جرى بين الحكومة السورية والمعارضة”، بل أيضاً لأنّ الجولتين “أطلقتا عملية محادثات واجتماعات سياسية حول تسوية سورية” (في إشارة إلى المناقشات الدولية التي جرت ذلك الشهر لتقييم إمكانية عقد مؤتمر “جنيف 3”). وذكرت بعض التقارير أنّ مشاركاً واحداً على الأقلّ من المعارضة، هو قدري جميل، أثنى على اجتماعات موسكو، لكنّ ولاءه موضع شكّ نظراً لسمعته كـ “رجل بوتين في سوريا”.
تجديد النشاط الدبلوماسي، لكن هناك القليل من الاتفاق
في أوائل تموز/يوليو، أعربت موسكو عن استعدادها لاستضافة جولة ثالثة من “المناقشات السورية -السورية”، وفي الشهر نفسه، اقترح مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا اعتماد أربع مجموعات عمل تقودها الأمم المتحدة من أجل البدء بمناقشة تنفيذ خارطة طريق “جنيف”.
وفي 3 آب/أغسطس، التقى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع وزير الخارجية الروسي لافروف ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير في قطر لمناقشة المسألة السورية، و “جبهة واسعة لمكافحة الإرهاب”- وفقاً لوزارة الخارجية الروسية. وبعد ذلك بيومين، التقى لافروف وكيري في ماليزيا في مؤتمر “رابطة دول جنوب شرق آسيا”، وبحثا “مجموعة من القضايا ذات الاهتمام المشترك”.
وخلال المؤتمر، أخبر لافروف الصحفيين أنّه وكيري يعتبران تنظيم «الدولة الإسلامية» “تهديداً مشتركاً”، لكنّه أشار أيضاً بأنه “ليس لدينا نهجٍ مشترك في الوقت الراهن حول كيفية [محاربة «داعش»] بشكلٍ محدَّد نظراً إلى المواجهة القائمة بين مختلف الأطراف الفاعلة على الأرض، بما فيها الوحدات المسلّحة من المعارضة السورية”. وفي 9 آب/أغسطس، انتقد بشدة إصرار واشنطن على ضرورة رحيل الأسد. وبعد ذلك التقى لافروف مع الجبير في موسكو في 11 آب/أغسطس، في إطار المتابعة لاجتماع قطر، ولكن فشلا ثانية في التوصل إلى اتفاق بسبب استمرار دعم موسكو للأسد.
وفي غضون ذلك، غيّر “الائتلاف الوطني السوري” موقفه ووافق على حضور دعوة للاجتماع في روسيا في 13 آب/أغسطس، وربما كان ذلك بسبب التعب والإحباط. ووفقاً لتقارير صحفية روسية، اعتبر رئيس “الائتلاف الوطني السوري” خالد خوجة أنّ موسكو غير “متشبّثة” بالأسد، لكن يهمّها بالأحرى “الحفاظ على سوريا كدولة [و]منع الفوضى”. غير أنّ ذلك لا يختلف في النهاية عن موقف روسيا التقليدي، إذ يقول الكرملين دائماً إنّه يعارض “التدخل الخارجي” في سوريا، الأمر الذي يعني ضمناً معارضة موسكو لعزل الأسد. بالإضافة إلى ذلك، وبعد لقائه مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في موسكو في 17 آب/أغسطس، قال لافروف نفسه أن موقف روسيا بشأن سوريا والأسد “لم يتغير”، وأن الطلبات برحيل الأسد هي شرط مسبق “غير مقبول” لمحادثات السلام.
إشارات أمريكية مختلطة تخلق فرص لموسكو
يواصل المسؤولون الأمريكيون التردّد بين الإصرار على رحيل الأسد من جهة – مما يعني ضمنياً القبول به كجزء من عملية السلام – والتركيز على محاربة تنظيم «داعش» من جهة أخرى. وخلال الاجتماع في قطر، ذكر كيري أنّ الأسد “لا دور له في مستقبل سوريا”، متّهماً إياه بتعزيز تنامي تنظيم «الدولة الإسلامية»، وفقاً للموجز الصحفي الذي ألقاه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر في وقتٍ سابق من هذا الشهر. ومع ذلك، ففي جلسة إحاطة في 4 آب/أغسطس، بدا أنّ تونر أكّد صلاحية تلك التصريحات بقوله: “لقد أصررنا كثيراً على حقيقة أنّ [العملية السياسية] لا يمكن أن تشمل الأسد، فقدْ فقدَ كلّ شرعيته. نحن بحاجة إلى تصوّر حل سياسي إلى الوضع [في سوريا]. وأعتقد أنّنا أجرينا مناقشات إيجابية مع الروس، من بين أطراف أخرى”.
وفي غضون ذلك، تواصل موسكو التأكيد بأنه لا غنى عن الأسد في محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، على الرغم من التقارير الأخيرة التي أشارت إلى أنّ الكرملين يبدي مزيداً من المرونة بشأن هذه النقطة. وفي حزيران/يونيو، اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطة لتشكيل “جبهة لمحاربة الإرهاب” تكون متّحدة ضدّ تنظيم «داعش» وتنطوي على التعاون مع الأسد. وعندما شنّت القوات الأمريكية غارات جوية انفرادية في سوريا من قاعدة جوية تركية دون الحصول على إذن من دمشق، انتقد لافروف الخطوة واصفاً إياها بـ “تدخل أجنبي” ينبغي وضع حدّ له.
توصيات سياسية
ما دامت واشنطن غير راغبة في الانخراط بشكلٍ أكبر في دعم الكفاح ضدّ نظام الأسد، فسيستمرّ الكرملين بالدفع بجدول أعمال يخدم مصالحه الخاصة، أي تصوير موسكو بمظهر الوسيط البنّاء الذي يتّمتع بمصداقية وشريكاً دولياً، وتحويل الانتباه عن العدوان الذي تشنّه روسيا ضدّ أوكرانيا، والسماح لبوتين بتجنب عملية جنيف والحفاظ على الأسد في السلطة.
وبالمثل، تهدف دعوة بوتين إلى قيام تحالف دولي ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية»، على الأقل جزئياً، إلى تعزيز حرب روسيا نفسها ضدّ المسلّحين في شمال القوقاز، الذين انضمّ بعضهم إلى تنظيم «داعش» في سوريا والعراق. وبإمكان مثل هذا الجهد أن يُضفي الشرعية أيضاً على سياسات موسكو الاستبدادية في تلك المنطقة، والتي ساعدت على تنامي التطرّف هناك في المقام الأول.
أمّا فيما يتعلّق بـ “جنيف 3″، فلم تقترب موسكو من إيجاد حلّ في كانون الثاني/يناير أو نيسان/أبريل، كما كان عليه الحال مع محادثات “جنيف 1″ و”جنيف 2” التي جرت في السنوات الماضية، ولذا من المستبعد أن يكون التغيير في الشكل وحده كفيلاً بإنجاح المؤتمر المقبل. وبدلاً من ذلك، سوف يستخدم الكرملين على الأرجح مؤتمر “جنيف 3” لتحقيق مصالحه الخاصة المتمثّلة في إظهار النفوذ الروسي وإعادة توجيه النقاش نحو محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» بالطريقة التي يتصوّرها بوتين، عوضاً عن العمل حقاً على إنهاء أعمال العنف في سوريا.
وبناءً على ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أن تؤكد لروسيا بأنها لا يمكن أن تكون شريكاً دولياً بنّاءً بإخلاص إلّا إذا نظرت أبعد من مصالحها وتمسّكت بروح “بيان جنيف”، الذي اعتبر الأسد جزءاً من المشكلة في سوريا، وليس جزءاً من الحل. لذا ينبغي على واشنطن ألّا تسمح لموسكو بإعادة توجيه الحديث بعيداً عن هذا الهدف.
وفي الوقت نفسه، يجب على واشنطن أن تعترف بأنّ الجهود الدبلوماسية المشتركة مع روسيا لها حدودها عندما يتعلّق الأمر بسوريا. وكما أظهر تسليم المقاتلات من طراز “ميغ-31” في الآونة الأخيرة، من غير المرجح أن تعكس موسكو موقفها من الأسد. إنّ الاكتفاء بجمع الأطراف إلى طاولة الحوار لا يشكّل بديلاً عن التقدّم الحقيقي، وهناك فرصة ضئيلة بأن يحقّق مؤتمر سلام واسع آخر انفراجة في سوريا. وبدلاً من ذلك، تكشف عوامل أخرى آمالاً أكبر في التأثير على سياسة موسكو، فالاقتصاد الروسي على سبيل المثال يستمر في الانخفاض، وهو الأمر بالنسبة إلى قدرة الكرملين على مساعدة الأسد. وفي هذا السياق، ينبغي ألّا تمنح الولايات المتحدة بوتين بطاقة دخول مجانية إلى أوكرانيا مقابل تعاونه في الملف السوري.
آنا بورشفكايا
معهد واشنطن