قوارب المهاجرين تعمق الأزمة السياسية في تونس

قوارب المهاجرين تعمق الأزمة السياسية في تونس

تونس – ارتفع مؤخرا نسق عمليات الهجرة غير الشرعية على السواحل التونسية باتجاه أوروبا، ما دفع إيطاليا إلى إرسال وزيرة الداخلية لوتشيانا لامورغيسي إلى تونس لحثها على الإيفاء بتعهداتها بشأن التصدي لموجة المهاجرين، فيما تحدث الرئيس التونسي قيس سعيد عن وجود “مؤامرة” تقف وراءها “أطراف سياسية” فسحت المجال أمام قوارب المهاجرين لضرب صورته، وهو ما من شأنه أن يعمق الأزمة السياسية في البلاد، خاصة أن مراقبين اعتبروا أن رسالة قيس سعيد موجهة إلى حركة النهضة الإسلامية.

ودعا الرئيس التونسي إلى ضرورة التعاون من أجل القضاء على الهجرة، متهما أطرافا سياسية بوقوفها وراء الأزمة التي وصفها بالخطيرة قائلا “حيتان البر أخطر من حيتان البحر”، في إشارة إلى منظمي الرحلات البحرية خلسة والوسطاء في هذه العملية.

ولفت الرئيس سعيّد خلال زيارة عمل أداها لكل من محافظتي صفاقس والمهدية إلى ضرورة أنّ تتولّى القوات الأمنية التنسيق مع القوات العسكرية لمزيد التصدي لهذه الظاهرة، كما جدّد التأكيد على أنّ المعالجة الأمنية تظلّ غير كافية.

وشدّد على أنّ الأهمّ من المعالجة الأمنية هو توفير الشغل الذي يحفظ كرامة الإنسان وإحداث مشاريع تنموية لتغيير نظرة الشباب إلى واقعهم وبلدانهم.

وقال الناشط السياسي والنائب السابق في البرلمان الصحبي بن فرج على حسابه في فيسبوك إن معنى كلام الرئيس سعيد أن “بعض أطراف النزاع السياسي الداخلي يحاول استدراج الأجنبي (الإيطالي والأوروبي) لتوريطه في شؤوننا وإعطاء رسالة بأن رئيسنا غير قادر على مسك الأمور والسيطرة على حدود بلاده”.

وأضاف بن فرج أن معنى كلام الرئيس هو أن “شبابنا اليوم يُستعمل وقودا على قوارب الموت في حرب قذرة وأن أزمتنا السياسية بدأت تتخطى الخطوط الحمراء”.

ويشير مراقبون إلى أن أزمة المهاجرين قضية حقيقية بقطع النظر عن التوظيف السياسي، وأن تونس قد تجد نفسها في وضع صعب إذا تمادى تدفق المهاجرين على أوروبا، مشيرين إلى أن الأزمة السياسية وصراع المؤسسات بات يلهي تونس عن التزاماتها المختلفة محليا ودوليا.

وبحسب أرقام الحكومة الإيطالية فإن قرابة نصف المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا هذا العام حتى الـ24 من يوليو والبالغ عددهم 11191، انطلقوا من تونس وبينهم قرابة أربعة آلاف مواطن تونسي.

وأكدت وزارة الداخلية الإيطالية أن الأزمة الاقتصادية في شمال أفريقيا الناجمة عن وباء كورونا “أجّجت تدفقاً استثنائياً للمهاجرين”، فيما جعل الفايروس مسألة إدارة عمليات وصول المهاجرين اليومية الكثيرة أكثر تعقيداً.

ويأتي اتهام سعيد لأطراف سياسية باستهدافه وإرباك المشهد ليكشف من جديد تنامي الصراع الأيديولوجي والسياسي على السلطة الذي بلغ ذروته مع استقالة رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ على خلفية اتهامات بالفساد، وتفكك مكونات الائتلاف الحكومي. ووضعت التطورات السياسية الجديدة الرئيس سعيّد وجها لوجه في الصراع مع حركة النهضة الإسلامية (54 نائبا) التي تحاول البحث عن إعادة التموقع في ظل توسع دائرة القوى الرافضة لمشاركتها في “حكومة الرئيس 2”.

ويرى المحلل السياسي برهان بسيّس أن خطاب المؤامرة الذي يعتمده الرئيس سعيّد أصبح مبالغا فيه خاصة وأنه يلتجئ إليه في كل القضايا، المشهد الحالي والقادم سيكون محوره الصراع بين قيس سعيّد وحركة النهضة وهو صراع نفوذ وصلاحيات سياسية.

وأكّد بسيّس في تصريح لـ”العرب” أن “الصراع قائم بين رؤيتين للحكم، رؤية تريد أن تطبق برنامجها غير المقتنع بالحياة الحزبية (وهي رؤية سعيّد)، ورؤية حركة النهضة التي تقود البلاد منذ 2011 وأودعت رؤيتها في دستور 2014، والصراع سيأخذ وقتا إضافيا ولا توجد فيه أيّ إجابة على الأسئلة الحقيقية للتونسيين المتعلقة أساسا بوضعياتهم الاقتصادية والاجتماعية”.

ويحتدم الصراع هذه الأيام بين حركة النهضة التي تتخوف من فقدان مكانتها في السلطة وتراجع خزانها الانتخابي، وأطراف سياسية أخرى بدأت توحد توجهها بضرورة إزاحة النهضة من الحكم والتأسيس لفكرة حكومة جديدة دون “إخوان”.

وعبّر بسيّس عن اعتقاده بأن “الأمر حسم ولن يقع إشراك النهضة في الحكومة ولا إغضابها في نفس الوقت لأن حكومة المكلف هشام المشيشي ستستثني كل الأحزاب وستكون حكومة غير متحزبة وستلقى الدعم من مختلف الكتل البرلمانية ولكن لن يكون الأمر نهاية للأزمة السياسية بقدر تأجيلها مرة أخرى”.

وأنتج الصراع السياسي المتواصل أزمة اقتصادية واجتماعية انعكست تداعياتها على مختلف الفئات بشكل لافت في الفترة الأخيرة خصوصا بعد أزمة جائحة كورونا.

وأفضى الواقع الاجتماعي الجديد الذي تغذيه نسب البطالة المرتفعة، والفقر، وضعف التنمية والتشغيل إلى انعدام شبه كلي لثقة الشباب خصوصا في خطاب الطبقة السياسية وطرق معالجتها للأزمات وأبرزها الاحتجاجات ووقف نزيف الهجرة غير الشرعية.

وأحبطت السلطات الأمنية التونسية في الفترة الأخيرة محاولات عدة للعبور إلى أوروبا، إلا أن قوارب أخرى تمكنت من الوصول إلى السواحل الإيطالية.

وأكد رمضان بن عمر المكلف بالإعلام بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مستقلة وغير حكومية) “وصول 5641 مهاجرا في الفترة الممتدة بين غرة يناير والـ31 من يوليو 2020، فضلا عن إحباط 491 عملية ومنع 6885 مهاجرا آخرين من اجتياز الحدود البحرية نحو السواحل الايطالية”.

وأضاف بن عمر في تصريح لـ”العرب” أن “عمليات الهجرة بلغت ذروتها خلال شهر يوليو الماضي حيث تم إحباط 245 عملية، مفسرا الظاهرة بضعف مؤسسات الدولة وانهيار خدماتها اليومية”. وتعتبر السواحل التونسية منطلقا لعشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين من التونسيين والأفارقة ممن يحلمون بحياة أفضل في أوروبا.

وينشر الكثير من المهاجرين مقاطع فيديو توثق رحلاتهم في البحر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتتضمن شكاوى من البطالة والفقر وتدني الخدمات الصحية في تونس.

العرب