المهاجرون.. البروليتاريا الجديدة في أوروبا ولا غنى عنهم

المهاجرون.. البروليتاريا الجديدة في أوروبا ولا غنى عنهم

روما – يرى محللون أن المهاجرين يبقون مهمين لبقاء أوروبا الاقتصادي وتحتاجهم القارة العجوز للوظائف التي لم يعد أغلب الأوروبيين راغبين في شغلها، أي تلك التي تنطوي على العمل اليدوي في الزراعة والصناعة، أو تقديم المساعدة المنزلية، ورعاية المسنين، أو العمل لساعات غير اجتماعية في مجال تقديم الطعام.

ومقارنة بمزاياهم يتساءل الباحث داود خان في تقرير على خدمة إنتر برس: فلماذا يتخذ عدد متزايد من الأحزاب السياسية الأوروبية، بما في ذلك الأحزاب الرئيسية، موقفا أقوى مناهضا للهجرة؟ ولماذا يصوت الناس لها؟

ويرى خان أن لا أحد يريد أن تتوقف الهجرة، أو أن يغادر المهاجرون حقا. لكن ما تريده الأحزاب المناهضة للمهاجرين هو خلق طبقة فرعية جديدة من العمال ذوي الأجور المنخفضة المحرومين من الحقوق والسلطة السياسية.

ويؤكد أن من شأن هذه “البروليتاريا المهاجرة الجديدة” أن تعزز أرباح الذين يوظفون العمال المهاجرين، ورفع مستويات معيشة عامة السكان.

وتشير الأحداث الأخيرة في إيطاليا إلى الفرضية القائلة بأن العمل غير القانوني منخفض الأجر يبقى متأصلا بعمق في النظام.

وفي السابع عشر من يونيو، أصيب عامل زراعي بجروح خطيرة في مزرعة جنوب روما وتوفي نتيجة لذلك. وعلقت ذراع ساتنام سينغ اليمنى في آلة زراعية وقُطعت. ووضع صاحب المزرعة الذراع المقطوعة في صندوق. وأخذ الصندوق وساتنام سينغ إلى منزله وغادر. ونُقل ساتنام في النهاية إلى المستشفى، لكن تأخر المساعدة الطبية كان يعني أن إنقاذ حياته لم يكن ممكنا.

من شأن البروليتاريا المهاجرة الجديدة أن تعزز أرباح الذين يوظفون المهاجرين، ورفع مستويات معيشة عامة السكان

وبيّنت التحقيقات اللاحقة أن ساتنام لم يمتلك تصريح إقامة ولا عقد عمل وكان يتقاضى أجرا زهيدا مقابل العمل في الحرارة المنهكة والبرد القارس.

وسارع وزير الزراعة إلى التنديد بالحدث الذي أدى إلى وفاة العامل سينغ واعتقلت الشرطة صاحب المزرعة. لكن الوزير ذكر أيضا أن قطاع الزراعة في إيطاليا يبقى قطاعا حيويا وديناميكيا ويلتزم بالقانون، ولا ينبغي تجريمه بسبب حدث مؤسف واحد.

وكذّبت الدراسات والدراسات الاستقصائية، التي أجرتها في الغالب النقابات العمالية، بيانه.

ويُقدّر أن قطاع الزراعة يشمل حوالي مليون عامل، منهم حوالي 230 ألف غير قانوني. ويتقاضون أجورا منخفضة ويعاملون معاملة سيئة، مثل ساتنام.

وتتعدد ادعاءات بأشكال مختلفة من سوء المعاملة، فضلا عن الاستخدام واسع النطاق للأمفيتامينات ومسكنات الألم لجعل العمال يبذلون جهدا أكبر.

كما تبرز التحقيقات المختلفة كيف يعمل النظام الذي يفترض أنه يهدف إلى خلق المزيد من الهجرة القانونية والخاضعة للرقابة، لضمان إمدادات وافرة من المهاجرين غير الشرعيين.

ويمكن لأصحاب العمل الإيطاليين بموجب القانون الإيطالي (قانون بوسي فيني لسنة 2002) أن يطلبوا من العمال الأجانب دخول إيطاليا بشكل قانوني للعمل في قطاعات محددة، بما في ذلك الزراعة وقطاع السياحة.

ما تريده الأحزاب المناهضة للمهاجرين هو خلق طبقة فرعية جديدة من العمال ذوي الأجور المنخفضة المحرومين من الحقوق والسلطة السياسية

ويحدد الاتفاق الضمني أن صاحب العمل الذي رعى دخولهم سيوفر لهم عقد عمل وأجورا تتماشى مع معايير الصناعة بمجرد وصولهم إلى إيطاليا.

لكن في الكثير من الحالات لا يحضر صاحب العمل الكفيل لاصطحاب العمال (ناهيك عن توفير وظيفة أو عقد).

ويجد العمال الوافدون أنفسهم في بلد أجنبي لا يمكنهم التحدث بلغته، دون عمل أو وثائق. وتبرز هذه الظاهرة أكثر في بعض مناطق إيطاليا مثل كمبانية (حول نابولي) حيث يوقّع 3 في المئة فقط من العمال الذين يدخلون إيطاليا بشكل قانوني عقدا مع صاحب العمل الذي كفل دخولهم إلى البلاد.

ونجد هنا ما يسمى بـ”المقاولين”. ويجمع هؤلاء المقاولون العمال الوافدين حديثا ويقدمون لهم المساعدة الفورية. ثم يصبحون وسطاء لترتيب الوظائف لهم بأجور تشكل جزءا صغيرا مما يتقاضاه الإيطاليون الذين يؤدون نفس الوظيفة. كما يسرق هؤلاء المقاولون عديمو الضمير الكثير مما يكسبه العمال مقابل استئجار منزل لهم وتوفير النقل من العمل وإليه.

ويحدث كل هذا أمام أعين الجميع، بما في ذلك مختلف السلطات المحلية والوطنية. وتعرف السلطات على سبيل المثال الشركات التي ترعى العمال الأجانب لدخول إيطاليا. كما تعرف عدد عقود العمل التي وقعتها هذه الشركات مع العمال المهاجرين. وتظهر التقارير الأخيرة أن 22 ألف عامل مكفول دخلوا منطقة نابولي ولكن لم يوقع أي منهم على عقد.

وعلى نحو مماثل، أعلن صاحب المزرعة التي توفي فيها ساتنام سينغ للسلطات المحلية أنه لا يملك سوى جرار واحد ولا يوجد عمال وهي حقائق غير صحيحة، ولكن لم يتحقق منها أحد.

وغالبا ما تغطي التقارير التي تعدها النقابات العمالية أو الصحافيون الاستقصائيون هذه الحقائق خاصة بعد وقوع حادث ما. كما أن ما يحدث ليس سريا. وليس على المرء إلا أن يقود سيارته حول المناطق الزراعية حول روما أو الأجزاء الوسطى أو الشمالية من إيطاليا لرؤية جيش من العمال من جنوب آسيا يعتنون بالماشية أو يعملون في الحقول التي تزود المدينة بالغلال والخضراوات الطازجة. ونجد في الأجزاء الجنوبية من إيطاليا الشباب من أفريقيا يقطفون البرتقال والطماطم.

وفي مدن مثل روما وميلانو، توجد جيوش من المهاجرين غير الشرعيين الذين يعملون في توصيل الطعام إلى الزبائن. وهم طهاة وغسالة صحون ونُدل، أو عمال نظافة أو مقدمو رعاية في المنازل. ويبدو أن النظام يناسب الجميع. وإذا مات شخص مثل ساتنام سينغ في حادث ما فليكن.

العرب