هبت دول العالم لنجدة بيروت المنكوبة مؤخرا بعد تفجير المرفأ الثلاثاء الماضي. وحصل لبنان في وقت وجيز على مساعدات مالية ولوجستية هامة لم يستطع جلبها سابقا لإنقاذ البلد من أزمته الاقتصادية. ويطرح تفاعل المجتمع الدولي مع كارثة بيروت تساؤل الخبراء عن إمكاينة تواصل هذا الدعم بعد تجاوز مخلفات الكارثة بما يجعل البلد يخرج من عنق زجاجة أزمة اقتصادية غير مسبوقة قد تؤول به إلى الإفلاس.
بيروت – حظي لبنان في الأيام القليلة الماضية عقب تفجير مرفأ بيروت بتعاطف ودعم دوليين غير مسبوقين لتخليص البلد في أقرب وقت من هول كارثة زادت في تعقيد مستقبل البلد وإنهاكه أكثر اقتصاديا.
ويطرح حجم هذه المساعدات الهائلة في وقت قياسي الكثير من الأسئلة في الأوساط السياسية اللبنانية عن مصير لبنان بعد كارثة تفجير بيروت، خاصة بالتزامن مع عقد مؤتمر للجهات المانحة في قادم الأيام لتوفير مساعدات لبيروت المنكوبة.
وتساءلت الكثير من الأوساط السياسية اللبنانية عن تداعيات هذه الهبة الدولية مستقبلا، مرجحين أن يجد البلد في علته دعما دوليا لم يجده قبل التفجير المروع حين عجز عن حصد مساعدات تخرجه من مأزق الأزمة الاقتصادية التي وضعته على شفير الهاوية.
وحصلت الحكومة اللبنانية منذ الثلاثاء الماضي على مساعدات دولية، كانت في شكل دعم مالي ولوجستي، حيث أرسلت جل الدول مساعدات مالية وغذائية وفرق إطفاء وفرق إغاثة وطواقم طبية لإنقاذ الجرحى وما تبقى من المفقودين.
وتعززت هذه المساعدات أيضا بزيارات هامة بعثت برسائل هامة تدفع لوجوب الوقوف مع لبنان في محنته، لخصتها زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي قال إن فرنسا أرسلت 55 رجل أمن إلى لبنان، وستة أطنان من المستلزمات الطبية، فيما سيسافر حوالي عشرة من أطباء الطوارئ إلى بيروت.
ويزور رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل العاصمة بيروت لعقد محادثات مع المسؤولين السياسيين بالبلاد خلال اليومين المقبلين.
ووفقا لوكالة “أسوشيتيد برس” الأميركية، من المقرر أن يجري ميشيل، الذي يترأس قمم زعماء الاتحاد الأوروبي الـ27، محادثات مع الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الوزراء حسان دياب ورئيس البرلمان نبيه بري السبت.
كما سيشارك ميشيل إلى جانب مفوض إدارة الأزمات في الاتحاد الأوروبي في مؤتمر للجهات المانحة تنظمه فرنسا، لتوفير مساعدات إنسانية عاجلة لسكان المدينة.
وفي السياق ذاته، أفادت بروكسل بأن الاجتماع الافتراضي للمؤتمر سيعقد الأحد المقبل، فيما لم تؤكد فرنسا موعده بعد.
وقال المتحدث باسم مفوضية الاتحاد الأوروبي، بيتر ستانو الجمعة إن قادة أوروبا يؤكدون على الحاجة إلى التغيير في لبنان، الذي اهتز بالفعل بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة وجائحة كورونا قبل حادثة الانفجار.
وذكرت المفوضية الأوروبية أن أكثر من 100 من رجال الإطفاء المدربين تدريبا عاليا سيتم نشرهم مع مركبات وكلاب ومعدات متخصصة في البحث والإنقاذ في المناطق الحضرية.
وتحاول الأمم المتحدة جاهدة إيصال مواد غذائية ومساعدات ولوازم طبية إلى بيروت في أعقاب الانفجار المدمر في مرفأ العاصمة اللبنانية، الذي أوقع أكثر من 150 قتيلا وخمسة آلاف جريح وشرد نحو 300 ألف شخص.
وشملت قائمة الدول والمنظمات التي قدمت مساعدات بلدانا أخرى عربية وغربية غير مسبوقة، حيث أعلن الفاتيكان الجمعة على سبيل المثال أن البابا فرنسيس تبرع بمبلغ 250 ألف يورو (294 ألف دولار) لكنيسة لبنان بعد الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت، فيما ساعدت واشنطن الحكومة اللبنانية بـ1.7 مليون دولار.
وعربيا، وجهت السعودية مساعدات إنسانية عاجلة إلى لبنان عبر “مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية”، كما شملت قائمة الدول تونس ومصر والجزائر والأردن وفلسطين والكويت وقطر واليمن والمغرب الذي قدم بدوره بتوجيهات من العاهل المغربي الملك محمد السادس مساعدات طبية للبنان وإقامة مستشفى عسكري ميداني ببيروت بشكل عاجل.
وقبل كارثة مرفأ بيروت كانت جل الدول الغربية والعربية قد اشترطت على لبنان وحكامه البدء في عملية إصلاح حقيقية من أجل الحصول على مساعدات مالية هامة من صندوق النقد الدولي ومن الدول الكبرى المانحة وخاصة من الاتحاد الأوروبي.
ورغم التفاؤل الذي حذا هذه المساعدات بما ينبئ بأن تفجير بيروت سيمكّن من فك عقدة الدعم الدولي، فإن الكثير من المراقبين يعتبرون أن كل ما حصل يدخل في إطار تحرك لنجدة لبنان من أزمة إنسانية وهي نجدة قد تنتهي بتجاوز مخلفات التفجير.
وتقول مصادر سياسية عدة إن المجتمع الدولي سيواصل التعامل مع لبنان مستقبلا بنفس الشروط السياسية وعلى أساس موازين القوى السياسية داخلة، حيث تطالب جل الدول بضرورة تحجيم أدوار حزب الله الذي أدخل البلد في حروب إقليمية زادت في تعقيد أزمته.
وإلى وقت غير بعيد، حملت زيارة وزير الخارجية الفرنسي جون ايف لودريان رسائل سياسية هامة، حيث دعم الوزير الفرنسي مبادرة “تحييد لبنان” التي طرحها البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي أسابيع فقط قبل كارثة تفجير مرفأ بيروت.
وانتقد لودريان في زيارته آنذاك السلطات اللبنانية، محملا إياها مسؤولية الأزمة الاقتصادية وموجها انتقادات حادة لحزب الله. وكرر إيمانويل ماكرون مواقف باريس الثابتة بدعوته خلال زيارته بيروت إلى “تغيير سياسي” في لبنان وإلى “عقد سياسي” جديد بين اللبنانيين، مطالبا بتحقيق دولي “كأمر ضروري” لمعرفة خفايا التفجير. وحذّر ماكرون كبار المسؤولين وزعماء الأحزاب من أنّ استمرار لبنان في وضع يهيمن فيه حزب الله على البلد ويخزّن فيه صواريخ وأسلحة مختلفة سيجرّ الويلات على لبنان.
وأثارت المساعدات الدولية على صعيد آخر جدلا في لبنان، خاصة بعدما أكدت مصادر لبنانية أن الحكومة رفضت مساعدات من بعض الدول وهو ما نفاه رئيس الحكومة حسان دياب.
وقال بيان صادر عن المكتب الإعلامي في رئاسة مجلس الوزراء “مرة جديدة تحاول بعض الجهات إلحاق الضرر بلبنان من خلال ترويج شائعات أن الدولة اللبنانية رفضت مساعدات من بعض الدول”.
وتابع البيان “إن هذه الأخبار كاذبة ومضللة وتهدف إلى قطع الطريق على المساعدات التي تقدمها دول العالم للبنان”. وأضاف “إن لبنان يرحب بأي مساعدة من الدول الشقيقة والصديقة ومن كل المؤسسات في العالم، ويتوجه إليها بالشكر العميق على وقوفها إلى جانبه في هذه الكارثة التي أصابته”.
العرب