في خضم التوترات في عموم المنطقة وإعادة تشكيل التحالفات، أو ما يمكن تسميتها بالمحاور، يبرز واقع جديد في علاقات دول الإقليم يمكن تلخيصه ضمن معادلة مفادها أنه كلما كانت العلاقات أكثر قربا من تركيا، كلما بدت أكثر بعدا عن الإمارات.
تأزمت العلاقات التركية مع عدد من دول الخليج العربية، وهي السعودية والإمارات والبحرين، بعد اغتيال الكاتب الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، داخل القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول، في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018.
لكن سلطنة عمان حافظت على علاقاتها مع تركيا في عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد، ثم تطورت العلاقات بشكل أكبر في عهد السلطان الحالي، هيثم بن طارق آل سعيد، الذي تولى مقاليد الحكم في 11 يناير/ كانون الثاني الماضي.
ولدى دول الخليج الست (قطر، الكويت، سلطنة عمان، السعودية، الإمارات والبحرين) وجهات نظر متبانية في رؤيتها للدور الإقليمي التركي في المنطقة.
وتحاول السعودية والإمارات ممارسة ضغوط “ناعمة” على سلطنة عمان، لجعلها تقترب من موقفيهما من تركيا.
طيلة عقود من حكم الراحل السلطان قابوس بن سعيد (1970- 2020)، ظلت السلطنة تلتزم موقف الحياد في النزاعات والصراعات والحروب التي شهدتها المنطقة، وتتجنب الانضمام إلى أي تكتل دولي أو إقليمي ضد دول أخرى.
بعد سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة اليمنية صنعاء، في سبتمبر/ أيلول 2014، ومن ثم تشكيل التحالف العسكري العربي، بقيادة السعودية، لدعم حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، انخرطت خمس من دول الخليج العربية، بينها دولة قطر، في هذا التحالف، بينما حافظت سلطنة عمان على موقف الحياد، ولم تنضم للتحالف.
كما حافظت سلطنة عمان على علاقاتها مع إيران، في الوقت الذي قطعت فيه بقية الدول الخليجية علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، بعد هجمات تعرضت لها مبانٍ دبلوماسية سعودية في إيران، احتجاجا على إعدام الرياض رجل الدين الشيعي، نمر النمر، مطلع 2016.
وفي الحصار على قطر، الذي تفرضه الإمارات والسعودية والبحرين منذ يونيو/ حزيران 2017، ظلت سلطة عمان خارج معادلة الحصار، من دون أن تصطف إلى جانب على حساب الآخر، فيما حاولت أن تلعب دور الوسيط “غير الرسمي” بجانب وساطة الكويت الرسمية.
يوجد عدم توافق واضح في سياسات الدول الخليجية الست وتباين في رؤيتها للمصالح المشتركة والتهديدات الخارجية، سواء تلك التي مصدرها إيران وتركيا، كما ترى السعودية، أو التي مصدرها إيران بمفردها، كما ترى السعودية أيضا والبحرين والإمارات، التي يتسم موقفها من إيران بالازدواجية.
وتنظر السعودية بقلق بالغ تجاه علاقات تركيا مع قطر والتواجد العسكري التركي فيها ودعم أنقرة غير المحدود للدوحة منذ بدء الأزمة الخليجية، إلى جانب عامل أكثر أهمية يتضح من آراء محللين مقربين من مركز القرار السعودي، حيث يتحدثون باستمرار عن سعي تركيا إلى انتزاع المكانة الدينية للسعودية في العالم الإسلامي ودورها القيادي ضمن منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وعلى ما يبدو هناك تصعيد للمواقف العدائية ضد تركيا، بعد تصريحات وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي الأخيرة، ودعوة لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بمجلس النواب البحريني، في 4 أغسطس/ آب الجاري، إلى وقف الحركة الاقتصادية مع تركيا، في سياق دعوتها لما قالت إنه “اتخاذ موقف خليجي وعربي تجاه التدخلات التركية السافرة في الدول العربية”.
لكن تواجد تركيا في دول مثل سوريا وليبيا يتفق مع القانون الدولي، الذي يعطي الحق للدول في الدفاع عن أمنها القومي، كما في الحالة السورية، أو بموجب اتفاق مع حكومة البلد الآخر، مثل التواجد التركي في ليبيا بدعوة من الحكومة الليبية المعترف بها من الأمم المتحدة.
وتوجد قوات تركية في دول عدة، بينها سوريا والعراق وقطر والصومال وقبرص وليبيا، بموجب اتفاقيات ثنائية مع حكومات تلك الدول من منطلق السياسة الخارجية التركية الرافضة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
وتواجه سلطنة عمان تحديات عديدة في إعادة رسم سياساتها الخارجية بالموازنة بين الأوضاع الاقتصادية المتراجعة في السلطنة ودول العالم الأخرى، والحفاظ على استقلالية قرارها وسيادتها ودورها الإقليمي كبلد عُرف عنه لعب دور الوساطة في ملفات شائكة، مثل الملف النووي الإيراني، وتهدئة التوترات بين إيران ودول الإقليم، والمضي نحو إحلال السلام في فلسطين والمنطقة، إضافة إلى أدوار أخرى يفرضها موقعها الجغرافي على مضيق هرمز، والتوترات بين الولايات المتحدة وإيران.
ولم تستجب سلطنة عمان لضغوط سعودية كي تخفض مستوى علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع إيران وقطر، خاصة بعد اندلاع حرب اليمن والتواجد السعودي والإماراتي العسكري بالقرب من حدود السلطنة، ضمن مناطق نفوذ عماني تقليدي داخل اليمن بحكم التداخل القبلي في المناطق القريبة من حدودها، وكذلك الأجندات السعودية والإماراتية التي قد لا تتوافق مع المصالح العمانية العليا.
تبدو علاقات سلطنة عمان مع الإمارات في تراجع ملحوظ بدا جليا بإنهاء عقد بقيمة عدة مليارات دولار بين شركة “عمران”، وهي ذراع وزارة السياحة العمانية للاستثمار، وشركة “داماك” الدولية الإماراتية المشرفة على مشاريع كبرى، مثل تطوير ميناء السلطان قابوس وتحويله إلى وجهة استثمارية سياحية.
وفي مقابل ذلك، هناك الكثير من المؤشرات على تنامي علاقات تركيا مع سلطنة عمان في عهد سلطانها الجديد، هيثم بن طارق آل سعيد، بشكل أكثر وضوحا من العهد القديم، رغم دفء العلاقات بينهما، والتي تمتد لسنوات طويلة.
مطلع الأسبوع، اجتمع أمين عام وزارة الخارجية العمانية، بدر السعيدي، عبر تقنية الاتصال المرئي، مع مساعد وزير الخارجية التركي، سادات أونال، وبحثا تعزيز وتطوير العلاقات بين بلديهما والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
سبق ذلك تغريدة نشرها مفتي سلطنة عمان، أحمد الخليلي، في 12 يوليو/ تموز الماضي، مهنئا تركيا ورئيسها والأمة الإسلامية بإعادة افتتاح “آيا صوفيا” كمسجد في إسطنبول. وهي تغريدة تحدث مراقبون عن أنها أثارت غضب مغردي دول خليجية أخرى، وخاصة السعودية والإمارات.
كما بحث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال اتصال هاتفي، مع سلطان عمان، هيثم بن طارق آل سعيد، قضايا إقليمية ودولية والعلاقات الثنائية بين البلدين، بحسب بيان لدائرة الاتصال في الرئاسة التركية.
وتتجه العلاقات بين سلطنة عمان وتركيا إلى النمو بشكل واضح في مجالات عديدة، اقتصادية وتجارية وعسكرية.
وتجلى ذلك في افتتاح فرع لشركة “هافلسان” التركية للصناعات الإلكترونية الجوية بالسلطنة، في مارس/ آذار الماضي، ضمن مشروع مشترك مع شركة عمانية لزيادة حجم الصادرات الدفاعية التركية إلى عمان.
واستلمت سلطنة عمان زورقين للدوريات الأمنية السريعة من نوع “هرقل” من أصل 18 زورقا تعاقدت عليها مع شركة “أريس شيبيارد” المتخصصة بصناعة السفن، بالتعاون مع رئاسة الصناعات الدفاعية التركية.
وتحدثت تقارير إعلامية، لم تؤكدها مصادر رسمية عمانية ولا تركية، عن إنشاء قاعدة عسكرية تركية في سلطنة عمان.
ورأى محللون أن تقارير كهذه تهدف إلى الإضرار بعلاقات عمان مع بقية دول الخليج، ولاسيما الإمارات والسعودية والبحرين، وهي دول تشهد علاقاتها مع تركيا توترات ملحوظة.
ويميل مراقبون إلى الاعتقاد بأن السلطان هيثم بن طارق آل سعيد يتجه نحو إخراج السلطنة تدريجيا من سياسة الحياد، والانخراط أكثر في الملفات الإقليمية، خلافا للسياسات التي كان يتبعها سلفه.
(الأناضول)