كثفت الدبلوماسية الأميركية من نشاطها في الملف الليبي بشكل لافت في الآونة الأخيرة من خلال عدة لقاءات أجراها مسؤولون أميركيون مع الأطراف الليبية بهدف إرساء أولى خطوات وقف التصعيد، وسحب طرفي الصراع قواتهما من منطقتي سرت والجفرة.
وينتظر خلال الساعات القادمة أن يصل رئيس مجلس النواب المجتمع بطبرق، عقيلة صالح، إلى القاهرة للقاء عدد من المسؤولين المصريين، لكن جدول أعماله يحمل لقاءات أخرى بعدد من الوفود الأجنبية، بحسب المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، عبد الله بليحق.
وأكد بليحق لـ “العربي الجديد” أن زيارة صالح تأتي ضمن عدة جولات دولية وعربية يجريها منذ “إعلان القاهرة”، مطلع يونيو/ حزيران الماضي، مشيرا إلى أن زيارته الحالية للقاهرة ستمتد لعدة أيام.
مصدر برلماني مقرب من صالح أكد لـ “العربي الجديد” أن الأخير سيتلقى غداً الاثنين بالسفير الأميركي لدى القاهرة، جوناثان كوهين، للتباحث بشأن وقف إطلاق النار وكذا سبل سحب اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، لمليشياته من سرت والجفرة.
وكانت السفارة الأميركية قالت، في بيان لها أمس السبت، إن مدير مجلس الأمن القومي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اللواء ميغيل كوريا، والسفير الأميركي ريتشارد نورلاند أجريا مشاورات افتراضية عبر دوائر الفيديو المغلقة مع مسئولين ليبيين للدفع باتجاه اتخاذ خطوات ملموسة وعاجلة لإيجاد “حل منزوع السلاح في سرت والجفرة وإعادة فتح قطاع النفط الليبي بشفافية كاملة”.
وأشار البيان إلى أن المشاورات جرت بين الأطراف الليبية بشكل منفصل، مع كل من مستشار الأمن القومي بحكومة الوفاق تاج الدين الرزاقي، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب (طبرق) يوسف العقوري.
كما أشارت السفارة، في بيان منفصل آخر، إلى اتصالات أجراها نورلاند، الجمعة والسبت، برئيس المجلس الرئاسي فايز السراج للحصول على إحاطة حول الجهود الرامية للتوصل إلى صيغة نهائية لحل ليبي، من شأنه تعزيز وقف دائم لإطلاق النار، وزيادة الشفافية في المؤسسات الاقتصادية والقطاع النفطي، ودفع العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة.
وبحسب بيان السفارة فقد تحدث السفير الأميركي عن “تنفيذ حل منزوع السلاح في وسط ليبيا، وتمكين المؤسسة الوطنية للنفط من استئناف عملها الحيوي نيابة عن جميع الليبيين”، لافتا إلى أنه تشاور أيضا عبر الهاتف، مع وزير الداخلية بحكومة الوفاق، فتحي باشاغا، حول الجهود المبذولة لبناء الثقة بين الأطراف للدفع لحل شامل في سرت والجفرة. وتعهدت السفارة الأميركية بأنها ستظل منخرطة بنشاط مع جميع الأطراف الليبية الرافضة للتدخل الأجنبي والسعي لجمع حكومة الوفاق ومجلس النواب لحوار سلمي.
وحتى الآن أبدت حكومة الوفاق موافقة مبدئية على وقف إطلاق النار على تخوم مدينة سرت، وفقا لمصادر ليبية من طرابلس، وأعلمت الجانب الأميركي بشرطها المتمثل في انسحاب مليشيات حفتر من سرت والجفرة وكافة المقاتلين الأجانب الداعمين لحفتر.
المصادر التي تحدثت لـ “العربي الجديد” أكدت أن الرزاقي أبلغ المستشارين الأميركيين بضرورة نشر فرق تابعة لوزارة الداخلية ذات طابع أمني فقط في مديريات أمن سرت والجفرة وضرورة الحاجة لتبعية الهياكل الإدارية بالمدينتين لحكومة الوفاق لضمان استمرار الجانب الخدمي فيهما. في المقابل، قال برلماني مقرب من عقيلة صالح إنه تلقى دعوة من الجانب الأميركي للقاء جوناثان في القاهرة لبحث سبل سحب حفتر لقوات من سرت.
تمترس قوات “فاغنر” داخل حقول وموانئ النفط يعني فرض أمر واقع على كل الأطراف المتدخلة في ليبيا
ودون أن يشير البرلماني إلى تفاصيل أكثر بشأن اللقاء المرتقب بين صالح ومسؤولي السفارة الأميركية، يرى الباحث الليبي في العلاقات الدولية، مصطفى البرق، أن كون اللقاء مع السفير الأميركي سيتم في القاهرة يعني وجود موقف مصري يميل للمقترح الأميركي بشأن خلق منطقة منزوعة السلاح في سرت والجفرة. لكنه يتساءل حول الأجوبة التي يمكن أن يقدمها صالح للجانب الأميركي بشأن أوضاع الجنود المرتزقة التابعين لشركة “فاغنر” الروسية للخدمات الأمنية المنتشرين في المنطقتين وفي مواقع النفط.
وأوضح البرق في حديثه لـ “العربي الجديد” أن حفتر لم يعد لديه ثقل عسكري في المنطقتين المراد إخلاؤهما من السلاح، وأن أغلب من فيه من المقاتلين خليط من مقاتلي “فاغنر” وفرق خاصة ربما تكون مصرية وإماراتية وأيضا فرنسية. ولفت إلى أن بيانات السفارة الأميركية في ليبيا تشير بوضوح إلى أن المقترح الأميركي يستهدف الوجود الأجنبي في المنطقة، وتحديدا الوجود الروسي الذي زاد من رقعة انتشاره في كل مواقع النفط وخصوصا الموانئ في منطقة الهلال النفطي وسط البلاد.
وفيما لم يستبعد البرق إمكانية عرقلة الجهود الأميركية وإن كانت تحمل ضغوطا على الأطراف الليبية بسبب تعدد القوات الأجنبية في ليبيا، وبسبب الوجود الروسي الذي لا يبدو أن صالح أو حفتر يملكان سلطة لإخراجه من مواقعه المهمة، يلفت المحلل السياسي الليبي، مروان ذويب، إلى عامل آخر يتمثل في الوجود التركي الداعم لقوات الحكومة.
ويوضح ذويب في حديثه لـ”العربي الجديد” أن داعمي حفتر بكل تأكيد سيعتبرون الوجود التركي أجنبياً هو الآخر، خصوصا أنهم لا يعترفون بشرعية وقانونية الاتفاق الموقع بين حكومة الوفاق والحكومة التركية، ما يجعل خروج أنقرة من المشهد الليبي إسوة بغيرها من الدول الأجنبية شرطا لوقف إطلاق النار.
وبتقدير ذويب فإن حسابات الجانب الأميركي لن تتعدى حاليا النجاح في إخلاء سرت والجفرة من السلاح بينما ستتأجل العودة لعمل الحقول النفطية، مشيرا إلى أن بيان السفارة الأميركية حمل مؤشرا على ذلك بحديثه عن زيادة الشفافية في القطاع النفطي وهي إشارة فيها ترجمة واضحة لمطالب داعمي حفتر وحلفائه.
وأضاف ذويب أن تمترس قوات “فاغنر” داخل حقول وموانئ النفط يعني فرض أمر واقع على كل الأطراف المتدخلة في ليبيا. وتوقع كذلك أن تسعى واشنطن، التي تعتبر الوجود الروسي في ليبيا من أكبر الأخطار، إلى إجراء مقاربات معها من خلال التفاهمات التركية الروسية أو من خلال الدفع ببريطانيا للانخراط هي الأخرى لمتابعة مصالح شركاتها في خليج سرت ومواقع النفط كثقل دولي آخر في الملف الليبي.
وبشأن المرحلة الحالية الهادفة لخلق منطقة منزوعة السلاح في سرت والجفرة، لفت ذويب إلى أن الوضع العسكري الحالي في المنطقتين، وخصوصا في سرت، يتطلب ضمانات يتوجب على واشنطن تقديمها لجانب حفتر وداعميه لإقناعهم بـأن قوات حكومة الوفاق لن تقدم على اقتحام عسكري مفاجئ، خصوصا في سرت التي تزال تعسكر قريبة منها.
العربي الجديد