“في 29 تموز/يوليو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع علي مقداد ومحمد حسن خليل ومحمد المالكي. ومقداد هو اختصاصي بالوبائيات، ويشغل منصب مدير “مبادرات الشرق الأوسط” وأستاذ الصحة العالمية في “معهد القياسات الصحية والتقييم” بـ “جامعة واشنطن”. وخليل هو طبيب قلب متقاعد، ومؤسس / رئيس “لجنة الدفاع عن الحق في الصحة” ومقرها القاهرة. والمالكي هو طبيب قلب، وزميل باحث في “مركز ويذرهيد للشؤون الدولية” بـ “جامعة هارفارد” و”مدير المعهد العراقي الأمريكي”. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم”.
علي مقداد
تتمثل إحدى التحدّيات الرئيسية التي تواجه مسؤولي الصحّة في جميع أنحاء العالم في استمرار العديد من البلدان في الحفاظ على مستوى منخفض من الإبلاغ عن معدلات الإصابة والوفيات بفيروس كورونا. ويعزى هذا الاتجاه بشكل رئيسي إلى ضعف قدرة الاختبار، وأنظمة التسجيل الصحيّة الحيويّة غير الملائمة، والجهود المتعمّدة التي تبذلها الحكومات للمحافظة على ماء الوجه وإخفاء الأرقام الحقيقيّة في بعض الحالات.
وفي الشرق الأوسط، قامت بعض الدول بعمل جدير بالثناء في إصدار بياناتها الخاصة بجائحة “كوفيد-19″، من بينها الأردن ولبنان وتونس وغيرها من البلدان. ومن بين الدول التي لم تُصدِر بيانات موثوقة – سواء عن قصد أو بسبب قدرة الاختبار المنخفضة – مصر والعراق والمملكة العربية السعودية.
وتبقى كلفة الاختبار باهظة الثمن في جميع أنحاء المنطقة، وقد عجزت الحكومات عن تخصيص الأموال الضروريّة لزيادة قدرة الاختبار إلى المستويات الموصى بها. وقد يعزى الارتفاع الحادّ في عدد الإصابات إلى البنى التحتيّة الصحيّة الضعيفة في العديد من البلدان والسياق الأوسع نطاقاً للحرب وعدم الاستقرار. بالإضافةً إلى ذلك، أدّت رحلات الحجّ المستمرّة إلى المواقع الثقافيّة التي يرتادها عددٌ كبير من الزائرين إلى تسجيل زيادة هائلة في معدّلات الإصابة في الأيّام الأولى من الوباء العالمي، خاصّةً في العراق وإيران.
وعلى الرغم من أنّ الاستجابة الأوليّة في المنطقة كانت إيجابية وحسنة التوقيت بشكل عام، إلّا أن العديد من الحكومات قد خففت من شدّة الإجراءات في وقت مبكر بغية إعادة فتح اقتصاداتها، مما أدّى إلى ارتفاع عدد الحالات بشكل حاد. ومن المرجح أن تؤدي التداعيات الاقتصاديّة التي يخلّفها الوباء إلى تفاقم المشاكلَ القائمة التي تعانيها الفئات المهمّشة مثل العمّال الأجانب بشكل خاص، الذين تمت إعادتهم إلى أوطانهم قسراً في كثير من الحالات. علاوةً على ذلك، نظراً لأن العديد من حركات الاحتجاج كانت نشطة قبل انتشار مرض “كوفيد-19″، فإن الاتّجاه الحالي للانكماش الاقتصادي وارتفاع معدّلات الإصابة قد يزيدان من عدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة.
وكانت “منظّمة الصحّة العالمية” فعالة في تشجيع التعاون المتعدّد الأطراف وتبادل المعلومات. ومع ذلك، فإن الجهود التي بذلتها بلدان الشرق الأوسط لمكافحة الفيروس افتقرت إلى التنسيق المباشر في معظم الحالات. ونظراً لتركيز كلّ حكومة على معركتها الخاصّة لاحتواء الوباء على أراضيها، فقد افتقر عملها إلى القدر الكافي من التفاعل عبر الحدود الذي من شأنه أن يجعل من جهودها جهوداً إقليميّة فعليّة.
بإمكان الولايات المتّحدة مساعدة الحكومات في الشرق الأوسط على أحسن وجه عبر توفير التدريب للعاملين في المجال الصحّي من خلال مبادرات مثل برامج الممرّضين الميدانيّين التي تديرها “مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها”. ويمكنها أن تساعد أيضاً عبر مشاركة المبادئ التوجيهيّة الخاصّة بالحالات الصحيّة الطارئة مع المستشفيات من أجل مساعدتها على الاستعداد لمواجهة الارتفاعات المفاجئة في حالات مرض فيروس كورونا.
محمد حسن خليل
في مصر، سُجِّلت الحالة الأولى للإصابة بالفيروس في آذار/مارس، ومنذ ذلك الحين، وصلت الأرقام الرسميّة [حتى تاريخ عقد هذا المنتدى] إلى 93,000 إصابة و4,700 حالة وفاة. إلّا أنّ هذه الأرقام مثيرة للجدل لأنّها تمثل فقط الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس، وتستثني العديد من الحالات المشتبه بها والوفيّات الكثيرة في أوساط الأفراد الذين لم يجروا فحوصات.
وفيما يتعلّق بالاستراتيجيّة الوطنيّة، أخفقت مصر في تنفيذ حملة اختبارات عامّة فعّالة لتحديد المناطق الساخنة لتفشي المرض، مما قلّل من قدرتها على التركيز على المناطق الأكثر احتياجاً لتدابير احتواء الوباء. وتمكّنت الحكومة من إجراء فحوصات لنسبة 0.13 في المائة فقط من السكّان؛ وبالمقارنة، فإن متوسط معدل الاختبار في الخارج يتراوح بين 5 و 10 في المائة من السكّان، حتّى في البلدان ذات الدخل المتوسّط. ويعني غياب الشفافيّة والاستخفاف الكبير بالعدوى أنّ حدّة الوباء الفعليّة في مصر لا تزال غير معلومة.
وكانت استجابة الحكومة المصريّة في بداية تفشّي المرض كافية، ولكنّ المشاكل التي تواجه النظام الصحي في البلاد هيكليّة. وفي ستّينات القرن الماضي، كان النظام [الصحي] يُعتبر متطوّراً مقارنةً بما كان عليه في بلدان نامية أخرى، ولكن منذ ذلك الحين، أدّت إجراءات التقشف في الميزانيّة إلى خفض التمويل لمثل هذا النوع من الخدمات وإلى انخفاض سريع في جودة الرعاية الصحيّة في مصر. على سبيل المثال، بين عامَي 2008 و 2019، انخفض عدد الأسِرّة في المستشفيات الحكوميّة بنسبة 25 في المائة، في حين زاد عدد الأسرّة في المستشفيات الخاصّة بشكل طفيف للغاية. وفي الوقت الحالي، تؤمّن مصر 1.2 سرير في المستشفيات الحكوميّة لكلّ 1,000 شخص، وهي نسبة أقلّ بكثير من المتوسط العالمي البالغ 2.9 أسرّة لكلّ شخص. وعلى الرغم من ادّعاءات الحكومة المصريّة بأنّ الأسرّة في المستشفيات متوافرة لجميع مرضى جائحة “كوفيد-19” في كافة أنحاء البلاد، إلّا أن العديد من المصريّين أفادوا بأنّه لم يتم قبولهم إلى المستشفيات بسبب عدم قدرتها على استيعاب المزيد من المرضى.
وينصّ الدستور المصري لعام 2014 على ألا يقل إجمالي الإنفاق الحكومي على الصحة عن 3 في المائة من “الناتج المحلي الإجمالي”. لكن بين عامَي 2016 و 2019، استمرّت الحكومة بتخفيض الأموال المخصّصة للرعاية الصحيّة حتّى بعد التوقيع على اتفاق مع “صندوق النقد الدولي”. وفي المرحلة القادمة، على السلطات المصريّة إعطاء الأولوية لإعادة بناء نظام الرعاية الصحيّة، والذي لا يمكن القيام به إلّا عبر إلغاء التدابير التقشّفيّة التي أعاقت هذا النظام سابقاً.
محمد المالكي
منذ بداية انتشار الوباء في العراق، أجرت البلاد حوالي مليون فحص وسجّلت أكثر من 112,000 حالة [حتى تاريخ عقد هذا المنتدى]، من بينها 4,485 حالة وفاة. ووضَعت هذه الأرقام العراق في المرتبة الثالثة بين الدول الأعضاء في الجامعة العربيّة من حيث معدّلات الإصابة (بعد قطر والسعودية فقط) وفي المرتبة الثانية في معدّل الوفيّات.
وبعد الإبلاغ عن الحالة الأولى في العراق في 24 شباط/فبراير، كانت استجابة الحكومة الأوليّة مواتية، وتحرّكت معدّلات الإصابة في اتّجاه واعد في وقت مبكر من الإبلاغ عن الإصابات. ومع ذلك، فبحلول منتصف أيّار/مايو، ارتفع عدد الحالات بشكلٍ كبير بعد أن احتفل العراقيّون بعيد الفطر وتوقّفوا عن تطبيق إجراءات الإغلاق. وبعد ذلك استمرّ هذا العدد في الارتفاع بشكلٍ مطرد، ومع ذلك قررت الحكومة تخفيف قيود الإغلاق في حزيران/يونيو.
وكما هو الحال في مصر، يفوق المعدّل الفعلي للإصابة بالفيروس داخل العراق الأرقامَ التي أَبلَغت عنها الحكومة. وتعكس الأرقام الرسميّة التي قُدّرت بـ 2,500إصابة يومية جديدة قدرةَ العراق على إجراء الفحوصات، وليس معدّل الإصابة الفعلي لديه. وتشير تقارير مثيرة للقلق إلى أنّ حوالي 30 في المائة من الفحوصات التي خضع لها الأفراد في العراق أسفرت عن نتائج سلبية خاطئة، مما يعني أن إجمالي الحالات قد يكون أعلى بكثير مما كان متوقعاً. أمّا فيما يخصّ معدّل الوفيّات، فإن العديد منها التي تحصل في المنازل لا تُحتسَب في الإحصاءات الرسميّة بسبب أعراض شبيهة بتلك الخاصة بمرض “كوفيد-19”.
ويفاقم الوباء الوضع الصعب بالفعل في العراق، الذي يواجه أصلاً توتّرات سياسيّة واضطرابات اقتصاديّة نتجت عن انخفاض أسعار النفط على وجه الخصوص. ويثقل الفيروس أيضاً كاهل نظام صحي يعاني من محدوديّة الموارد والنقص في الطاقم الطبّي.
وفي النهاية، قد تُعزى مستويات الإصابة الحاليّة في العراق إلى التخطيط غير الملائم، حيث أصبحت المنشآت الصحيّة واهنة، والفحوصات وعمليّات الرصد الصحيّة ضعيفة؛ ولم يكن المسؤولون قادرين على ترتيب الأولويّات وتفضيل الحالات الحادّة على الحالات المعتدلة وغير الفتّاكة، وبالتالي، جرى توجيه الموارد نحو الحالات غير الحرجة. وتُظهر معدّلات الإصابة المرتفعة في صفوف الطاقم الطبّي أنّ العاملين في مجال الرعاية الصحية لا يحصلون على القدر الكافي من المعدّات الوقائية، وأنّ المستشفيات المحليّة تستمرّ في معالجة المرضى باستخدام علاجات قديمة أو تلك التي أثبتت عدم فعاليتها.
بإمكان الولايات المتّحدة مساعدة الشعب العراقي خلال هذه الأزمة من خلال توفير القروض والمنح لدعم الاقتصاد، ومن شأن هذه الخطوة أن تمنحهم أيضاً حافزاً إضافيّاً للبقاء في منازلهم والالتزام بتدابير الإغلاق. بالإضافة إلى ذلك، بإمكان واشنطن الإضطلاع بدورٍ قيادي من خلال مشاركة معايير الرعاية التي تعتمدها، وذلك عبر “مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها”، و”منظّمة الصحّة العالميّة”، وغيرها من المنافذ. ولا يزال تبادل المعلومات بين المؤسّسات الصحيّة على المستوى العالمي بطيئاً ومفكّكاً – ومثل هذا التعاون يحتاج إلى التحسين إذا أرادت المؤسّسات في الشرق الأوسط الاستفادة من المعايير العالية التي تُطبّق في مجالَي التخطيط والرعاية في أماكن أخرى.
معهد واشنطن