يستعدُّ رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لزيارة مُرتقبة نهاية الأسبوع المقبل إلى واشنطن، بالتزامن مع أجواء من التوتر والغموض التي تسود العلاقات بين البلدين، وتحديداً فيما يتعلق بالوجود العسكري الأميركي، في حين يرجح مراقبون أن تتصدر قضية النفوذ الإيراني في العراق مشهد المباحثات بين الطرفين.
وذكر بيان للبيت الأبيض أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، سيستقبل رئيس الوزراء العراقي في 20 أغسطس (آب)، لبحث التحديات الناجمة عن وباء فيروس كورونا وقضايا الأمن والطاقة والاقتصاد.
مرحلة حاسمة
لعل وصف البيت الأبيض الزيارة بأنها تأتي في مرحلة حاسمة للولايات المتحدة والعراق على حد سواء، يُعطي انطباعاً بأن صانع القرار في واشنطن بات يسعى إلى إيجاد حل حاسم لإشكالية الفصائل المسلحة المُوالية لإيران في العراق، حيث يرى مراقبون أن هذا الأمر يبدو كشرط من واشنطن في توفير الدعم للعراق، لكنه في الوقت نفسه يضع الكاظمي أمام تحديات كُبرى قد لا يتمكن من تجاوزها، لكن فرضية أخرى يُشير إليها مراقبون مفادها أن دور الكاظمي قد لا يخرج عن إطار ناقل الرسائل بين واشنطن وطهران، في محاولة لصياغة تفاهمات بين الطرفين قد تشتمل على صياغة نوع من التسوية داخل العراق.
في السياق ذاته، يحدد أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، إياد العنبر، مسارين للقاء المرتقب بين الكاظمي وترمب، يتلخص الأول بأن يُدير رئيس الوزراء العراقي بشكل منفرد حواراً جاداً مع واشنطن لحسم الملفات الرئيسة، ويُعطي انطباعاً لصانع القرار الأميركي بأنه شريك قوي وموثوق، أما المسار الثاني فهو أن يكتفي الكاظمي بمهمة تلقي الرسائل، مرجحاً أن يكون المسار الثاني هو الأقرب.
يرى العنبر أن “غاية الزيارة إلى واشنطن لا تتعلق فقط بالمباحثات بين الطرفين في إطار الحوارات الاستراتيجية، بل إن الرئيس الأميركي يودُّ بحث سبل إضعاف إيران في المنطقة قبل الانتخابات الأميركية المقبلة”، مبيناً أن “واشنطن باتت تدرك أن تفكيك النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط يجب أن يبدأ من العراق، الذي كان منطلق تنامي هذا النفوذ من الأساس”.
يضيف العنبر لـ”اندبندنت عربية”: “الإدارة الأميركية تريد معرفة مدى قدرة الكاظمي واستعداده في إدارة ملف الصراع مع الفصائل المسلحة، والذي يبدو حتى بلا خريطة طريق لحسم كل تلك الإشكالات”.
عن ارتباط ملف الانتخابات المبكرة بتلك الزيارة يشير العنبر إلى أن “تحديد موعد الانتخابات من قبل الكاظمي كان محاولة للهروب من التزامات أخرى تتعلق بمحاسبة قتلة المحتجين وحصر السلاح بيد الدولة، وهو الأمر الذي قد يعطي لواشنطن انطباعاً بأن الكاظمي لا يمتلك رؤية لحسم تلك الإشكالات”.
حدود جديدة للعلاقة
يرى مراقبون أنه على الرغم من عدم نية الكاظمي الدخول في محور مُعادٍ لإيران، لكنه يمضي باتجاه محاولة رسم حدود جديدة للعلاقة معها، وتدعيم تصوُّر مفاده أن مصالح طهران في البلاد مرتبطة بعراق قوي منفتح على المجتمع الدولي، لكن هذا الأمر قد يصطدم برغبة الفصائل المسلحة التي تود الدخول كطرف فاعل في إدارة علاقات العراق الخارجية.
وعلى الرغم من القناعة الإيرانية بمنح الكاظمي فرصة، فإن الفصائل المسلحة مستمرة بالتلويح بقضية الانتقام لاغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس بوجه الكاظمي، وهو ما يراه مراقبون جزءاً من لعبة العصا والجزرة التي تمارسها طهران.
يقول الكاتب والصحافي أحمد حسين إن “محاولة الانفتاح على الخليج وإن كانت مُقتصرة على التعاون في ملف الطاقة، ضربت جرس إنذار في طهران من إمكانية أن يتخلى العراق عن جزء من التفاهمات معها في هذا السياق”.
يضيف حسين لـ”اندبندنت عربية”: “على الرغم من تفهم إيران لتبلور نهج جديد في العراق، فإنها ستستمر بالضغط من خلال حلفائها في ما يتعلق بالوجود الأميركي”، مرجحاً استخدام طهران التلويح الدائم بإخراج القوات الأميركية لعرقلة مساعي الكاظمي في صياغة تفاهمات مع واشنطن قد تؤثر على مصالحها.
شروط لقبول نتائج المفاوضات
على الرغم من تمخُّض الجولة الأولى للحوارات عن اتفاق يقضي بتقليص عدد القوات الأميركية في البلاد واحترام قرارات البرلمان العراقي، فإن الفصائل المسلحة المُوالية لإيران تبدو مُصرَّة على تضمين جدولة انسحاب القوات الأميركية كشرط أساس للقبول بنتائج أي مفاوضات بين الجانبين.
وبالتزامن مع إعلان موعد زيارة الكاظمي إلى واشنطن، ربط زعيم حركة “عصائب أهل الحق”، قيس الخزعلي، في كلمة مُتلفزة، بين إخلاء المدن من السلاح وإخراج القوات الأميركية من البلاد.
تابع الخزعلي “نُعاهد قادة النصر (قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس) على طرد القوات الأميركية من أرض البلاد”، ما يراه مراقبون رسالة واضحة إلى الكاظمي قبيل الزيارة المرتقبة إلى واشنطن.
يُشير حسين إلى أن “تصريحات الخزعلي تندرج أيضاً ضمن حرب الرسائل بين واشنطن وطهران، وتتضمن رسالة واضحة لرئيس الحكومة بأن علاقات العراق الخارجية يجب أن تُصاغ وفق رؤية تكون للأطراف المُوالية لإيران كلمة الحسم فيها”.
ترميم الشرخ بين بغداد وواشنطن
في المقابل، تؤكد مصادر مقربة من حكومة الكاظمي لـ”اندبندنت عربية” أن الزيارة تأتي لترميم الشرخ الذي حصل في العلاقة بين البلدين في فترة حكم رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي.
وتشير المصادر إلى أن “الحوارات ستشمل التعاون في مجالات الاقتصاد، خصوصاً ما يتعلق بإخراج العراق من الأزمة المالية التي يُعاني منها، فضلاً عن حل أزمة الكهرباء”، لافتة إلى أن “الحكومة العراقية تتطلَّع إلى مُساندة واشنطن لتجاوز هاتين المشكلتين”، وهو الأمر الذي قد تستغله الولايات المتحدة لفرض شروط على الحكومة العراقية فيما يتعلق بمواجهة النفوذ الإيراني.
وبشأن التعاون في الملف الأمني، بيَّنت المصادر أن “الكاظمي سيبحث مع واشنطن إمكانية تقديمها المساعدة في إطار تقوية القوات الأمنية، والتعاون الاستخباري والأمني مع الجيش الأميركي”.
وتفيد المصادر بأن الكاظمي سيبحث أيضاً سُبُل التوصُّل لاتفاق نهائي بشأن سحب القوات الأميركية بشكل تدريجي.
ويحاول الكاظمي تجنب الدخول في محاور الصراع الدائر في المنطقة، وفق المصادر ذاتها، لكنه اختبار فشل فيه سَلَفُه، حيث يبدو أن ذلك لا يعجب كلاً من طهران وواشنطن اللتين تحاولان جذب العراق إلى جبهتيهما.
وأشارت المصادر إلى أن “الحوارات لا تتعلق فقط بالاتفاق الاستراتيجي، بل ببحث العراق عن شراكة طويلة الأمد مع واشنطن في قضايا اقتصادية أمنية وسياسية”، فيما كشفت عن أن “استكمال المرحلة الثانية من الحوار الاستراتيجي ستتم على هامش تلك الزيارة”.
ابتعاد عن سياسة المحاور
تأتي هذه الزيارة بعد جولات صدام عدَّة بين الكاظمي والفصائل المسلحة، كان آخرها عملية اعتقال عناصر تابعة لـ”كتائب حزب الله” على أثر ما سميت حينها “خلية الكاتيوشا”، إلا أنه سرعان ما أُفرج عنهم، الأمر الذي يبين مدى تنامي نفوذ تلك الفصائل إلى الحد الذي يضع حكومة الكاظمي أمام اختبار صعب بشأن إمكانية تفكيكه، وهو ما يدفع مراقبين للإشارة إلى أن الزيارة ستقتصر على محاولة تحييد العراق عن صراع المحاور الدائر في المنطقة.
من جانبه، يعتقد الكاتب والصحافي مصطفى ناصر أن “زيارة الكاظمي إلى واشنطن محسوبة من ناحية التوقيت والترتيب، لا سيما أنها أتت بعد زيارة إلى طهران وتأجيل زيارته إلى السعودية”، مبيناً أن “البُعد الرئيس لتلك الزيارة هو استعادة المنهج القديم للعراق بالابتعاد عن سياسة المحاور”.
يتابع ناصر “البُعد الآخر للحوار المُرتقب بين واشنطن وبغداد يتمحور حول نية حكومة الكاظمي إعادة تفعيل اتفاقية الإطار الاستراتيجي المُوقَّع في 2010، كأساس يحكم العلاقة بين الطرفين”.
واعتبر الباحث والأكاديمي باسل حسين زيارة الكاظمي إلى واشنطن “خطوة مهمة نحو انفتاح العراق على المحيط الدولي”، واصفاً تلك الزيارة بأنها “نهاية القطيعة والجمود في العلاقة مع واشنطن، والذي دام لنحو ثلاث سنوات”، مضيفاً لـ”اندبندنت عربية” أن “جدول الزيارة يُعطي انطباعاً بأن عدَّة ملفات سيتم تداولها على رأسها الوجود الأميركي في العراق”.
وتعقيباً على تزامُن الزيارة مع تصريحات الخزعلي الأخيرة، يبين حسين أن “سياسة الدولة وقرارها الخارجي يجب أن يقتصرا على من يمثلها رسمياً، ولا يتأثر بإرادة الأحزاب أو الميليشيات”.
أحمد السهيل
اندبندت عربي