رهانات الربح والخسارة في الانتخابات المبكرة بتركيا

رهانات الربح والخسارة في الانتخابات المبكرة بتركيا

630

أصبح خيار الانتخابات النيابية المبكرة في تركيا هو الخيار الأكثر ترجيحا بعد فشل مباحثات حزب العدالة والتنمية من أجل تشكيل حكومة ائتلافية مع حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية، واقتراب المهلة الدستورية المحددة بـ٤٥ يوما لتشكيل الحكومة الائتلافية من نهايتها.

وتبدو هذه الانتخابات المتوقعة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل والتي ساهمت جميع الأحزاب المشاركة في مشاورات الحكومة الائتلافية في الدفع باتجاهها أكثر أهمية وحساسية من الانتخابات السابقة التي أجريت في يونيو/حزيران الماضي، نظرا لعدة اعتبارات تتعلق بالتحولات الإقليمية المتفاعلة في ما يخص الأزمة السورية وقضية محاربة “الإرهاب” في المنطقة والاتفاق النووي الإيراني.

غير أن الأهمية الفعلية للانتخابات القادمة تأتي من تأثيرها المباشر على العديد من الاستحقاقات السياسية في الداخل التركي من عملية السلام مع الأكراد واستكمال عملية المصالحة، وإقرار دستور جديد للبلاد يتم بموجبه الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي الذي يدعو إليه حزب العدالة والتنمية، وصولا إلى الدور التركي في القضايا الإقليمية وتداخلاتها.

لذا تتعدد مآرب الأحزاب التركية الكبيرة من هذه الانتخابات وتتباين مصالحها وسط معطيات تشير إلى أن المستفيد الأكبر من هذه الخطوة سيكون حزب العدالة والتنمية، حيث فضل ومنذ إعلان نتائج الانتخابات السابقة الذهاب إلى انتخابات مبكرة.

وقد فضل الذهاب إليها ليس فقط وقوفا عند رغبة مؤسس الحزب والرئيس الحالي للجمهورية التركية رجب طيب أردوغان الذي وصف الحكومات الائتلافية بأنها “ذات أعمار قصيرة ولا تجلب أي منافع حقيقية للبلاد”، بل لوجود قناعة لدى قيادة الحزب بأنه غير عاجز عن تأمين حاجته إلى ١٨ نائبا إضافيا من أجل الحصول على الأغلبية البرلمانية وتفرده بإعادة تشكيل الحكومة من جديد.

وفي هذا الصدد، يعول حزب العدالة والتنمية على استعادة الأصوات التي خسرها أثناء الانتخابات السابقة لصالح حزب الشعوب الديمقراطي والحركة القومية اعتمادا على الضربة العسكرية التي وجهها إلى مقاتلي حزب العمال الكردستاني، فبعض التحليلات الإعلامية المحسوبة على العدالة والتنمية ترى أن تلك الضربة أحرجت حزب الشعوب الديمقراطي أمام جمهوره من اليسار التركي والمتدينين الأكراد بعد رفضه إدانة “الكردستاني” بشكل صريح.

وترى التحليلات ذاتها أن الخيار العسكري في التصدي “للإرهاب” أحدث تقاربا في مزاج الناخب القومي التركي باتجاه حزب العدالة والتنمية بعد تصاعد نبرة الخطاب القومي وارتفاع حدته على وقع أعمال العنف التي اجتاحت تركيا وزادت الالتفاف الشعبي حول حكومة داود أوغلو.

وإذ يتقدم العدالة والتنمية قائمة المستفيدين والطامحين للاستفادة من الانتخابات القادمة يأمل حزب الشعب الجمهوري والحركة القومية بألا تقتصر مشاركتهما في الانتخابات على تعزيز موقعيهما في البرلمان، بل تجاوز ذلك إلى الفوز بعدد كبير من المقاعد البرلمانية تمكنهما من كسر احتكار حزب العدالة والتنمية للرئاسات الثلاث، البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية.

في حين يجد حزب الشعوب الديمقراطي -الذي أوصل الأكراد لأول مرة في تاريخ الجمهورية التركية إلى البرلمان بصفتهم الحزبية- نفسه أمام تحد كبير يتطلب منه مضاعفة الجهود بغية الحفاظ على ما حققه في الانتخابات الأخيرة، أي إعادة تخطيه العتبة الدستورية المحددة بنسبة ١٠% من مجموع الأصوات على المستوى الوطني، وهو ما توقعته بعض استطلاعات الرأي الأخيرة.

وسط هذه الاحتمالات لمعدلات الربح والخسارة، ومحاولة كل طرف سياسي الحصول على أصوات القاعدة الشعبية لمنافسيه يبرز العامل الأهم بتأثيراته في الانتخابات القادمة، والمرتبط بشكل مباشر بتداعيات الحملة العسكرية على حزب العمال الكردستاني، فسواء تم اتهام العدالة والتنمية بإقدامه على الحملة لأهداف سياسية وانتخابية، أو برر ذلك بمنطق المصالح وضرورة التحرك في اللحظة الإقليمية الراهنة بغية خلق ظروف مواتية تتفق وطبيعة المصالح التركية فإن الحملة العسكرية ونتائجها باتت جزءا من الواقع الانتخابي، وعليه لا بد من التعامل مع الأمر بواقعية سياسية في ميزان الصراع الانتخابي.

وفي هذا الاتجاه، يمكن القول إن الحملة زادت مستوى الاصطفاف السياسي والأيديولوجي داخل تركيا، الأمر الذي قد يساعد في تبديل أولويات الناخب ودفعه باتجاه إعادة خياره الانتخابي، وهو ما يتوقع حصوله مع الناخب التركي لصالح حزب العدالة والتنمية عبر إجراء مقاربة بين الوضع الحالي المندفع نحو عدم الاستقرار السياسي والأمني، وبين فترة حكم العدالة والتنمية الذي ميزه استقرار الوضع الأمني والاقتصادي.

وتشابكات قد لا تقتصر على البعد السياسي، فما ميز الانتخابات السابقة كان التصويت لصالح تمايز الهويات والانتماءات، لكن الأمر لم يصل إلى مرحلة خلط الأوراق وحدوث القطيعة الأيديولوجية بين الشرائح والفئات التركية، على العكس تدل نتائج الانتخابات المتلاحقة على أن المكونات التركية تندفع نحو آلياتها الديمقراطية لتجديد النظام السياسي وإعطائه صفة المتجدد، الأمر الذي يزيد فاعلية وتعدد الدور السياسي التركي على مستوى الإقليم.

وعليه لن تخرج الانتخابات القادمة من ذات المضمار في حلبة الاحتمالات السياسية، حيث تتعدد سوية التوقعات ودقتها حول نتائج الانتخابات القادمة وما ستفرزه من سيناريوهات.

ولعل ما يتقدم تلك السيناريوهات تمكن حزب العدالة والتنمية من الحصول على الأغلبية البرلمانية وتشكيل الحكومة مع السير على ذات النهج السياسي الذي اتبعه الحزب منذ استلامه السلطة عام ٢٠٠٢ عبر معالجة القضايا الخارجية والداخلية على فترات ومراحل متلاحقة، تسبقها تهيئة الوضع العام في البلاد.

في المقابل، يبرز السيناريو الأكثر ترجيحا الذي أوردته بعض استطلاعات الرأي، وهو الحصول على نتائج شبيهة بالانتخابات التي جرت في يونيو/حزيران الماضي، حيث لن تتمكن أي جهة سياسية من الحصول على نسبة كافية من الأصوات تؤهلها لإحداث تبدلات جوهرية في المشهد السياسي الحالي.

لذا سيضطر حزب العدالة والتنمية -الذي سيتصدر قائمة الفائزين- إلى تشكيل ائتلاف حكومي يخيره بين أمرين، إما تغير السياسة الخارجية للحكومة المقبلة، خاصة ما يتعلق بالعلاقة مع بعض فصائل المعارضة السورية في حال التحالف مع حزب الشعب الجمهوري، أو أن يتوجه نحو أزمة داخلية سببها عودة الصراع الدامي مع “الكردستاني” في حال التحالف مع “الحركة القومية” التي تشترط التخلي الكامل عن عملية السلام مع الأكراد وتقليص نفوذ أردوغان في الحياة السياسية.

كل هذا إن لم يتحقق شيء من المعجزة السياسية بتحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الشعوب الديمقراطي.

عمار مفرح مصطفى

الجزيرة نت