في ما بين الخرائط – مقارنة بين رؤية الرئيس ترامب والاقتراح الإسرائيلي

في ما بين الخرائط – مقارنة بين رؤية الرئيس ترامب والاقتراح الإسرائيلي

نشرت مراسلة “هيئة البث الإسرائيلي” كارميل دانغور اقتراحًا إسرائيليًا مسرّبًا عن عملية الضم في أواخر شهر حزيران/يونيو يظهر فيه الاختلاف بين الرؤية التي طرحها الرئيس ترامب والخريطة اللاحقة التي وضعتها إسرائيل. والواقع أن هذه الخريطة الإسرائيلية الجديدة تكشف عن مفهومٍ شديد الاختلاف عن خريطة ترامب. فمع أن الخريطتين كلتيهما تمنحان إسرائيل نسبة 30 في المائة من الضفة الغربية، إلا أن الخريطة الإسرائيلية تركّز على ضم كافة المستوطنات الشرعية وغير الشرعية إلى إسرائيل (مع إلغاء الجيوب الداخلية الواردة على خريطة ترامب) فيما تفسح المجال أمام التوسّع وتقلّص عدد الفلسطينيين المقيمين على الأراضي الإسرائيلية، وذلك على حساب الاحتفاظ بالأراضي المهمة لأمن إسرائيل.

بالرغم من غياب أي إقرار علني، ثمة مؤشرات تدل على أن رئيس الوزراء نتنياهو فوّض كبار مرؤوسيه بتسليم البيت الأبيض ورئيسه ترامب في الأشهر الأخيرة خريطةً جديدة تضمن وجود كامل المستوطنات الإسرائيلية داخل إسرائيل. واعتُبر أن نتنياهو يعبّر بهذه الخطوة عن استيائه من خطة ترامب للسلام ويتجاوب مع رغبة اليمين الإسرائيلي في تعديل حدود الكيان الفلسطيني إلى درجة أكبر بعد. ولا مفر من تفسير هذه الخطوة على أنها تدبيرٌ يقسّم الكيان الفلسطيني تقسيمًا أكبر مما تصوّره ترامب في خطة السلام، حتى وإن أُعطي الفلسطينيون على سبيل التعويض أراضٍ في الضفة الغربية حفاظًا على النسب التي نصّت عليها خطة ترامب. وبذلك تثير الخريطة الجديدة تكهّنات فورية عن سبب إصرار البيت الأبيض على إعادة تأكيد نتنياهو على خطة ترامب.

لقد دأب البيت الأبيض لأكثر من عامين على وضع خطة السلام، إلى أن تم عرضها في كانون الثاني/يناير 2020 متضمّنةً خريطتين لفتتا انتباه العالم حالما طُرحت الخطة. فقد نُشرت هاتان الخريطتان بحجم صفحة الرسائل ووُصفت بأنهما مجرد خرائط مفاهيمية. ولكن عندما بدأ رئيس الوزراء نتنياهو بمناقشة نيّته في استكمال أعمال الضم، تم تكبير هذه الخرائط المفاهيمية على الفور واستُخدمت كأساسٍ لتوضيح فكرة رئيس الوزراء نتنياهو عن نطاق الضم.

في 30 حزيران/يونيو 2020، نشرت الصحافية كارمل دانغور من “هيئة البث الإسرائيلي” خريطةً مسرّبة يُزعم أن إسرائيل قدّمتها للأمريكيين. أُعدَّت هذه الخريطة ردًا على خريطة ترامب فور نشر الخطة الأمريكية، وتم طرح اقتراحات مختلفة على الفريق الإسرائيلي الذي يرأسه مدير عام مكتب رئيس الوزراء ويشارك فيه الوزير ياريف ليفين ورئيس مجلس الأمن القومي مئير بن شبات، وسفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة رون ديرمر. ويُعتقد أن هذه الخريطة هي منتجهم النهائي. بغياب أي خرائط إضافية صادرة عن الجيش الإسرائيلي أو الإدارة المدنية الإسرائيلية، يمكن الافتراض أن هذه الخريطة صدرت بإجماع مختلف عناصر الحكومة الإسرائيلية.

في ما يتعلق بالأراضي، ارتكزت خطة الرئيس ترامب على مفهوم دولتين تتعايشان بسلام وتتعاونان في المجالين الاقتصادي والأمني وتنشئان روابط اقتصادية وسياسية عميقة مع الأردن ومصر. وبموجب هذا المفهوم، تُمنح إسرائيل السيادة على مناطق مهمة لأمنها وهي وادي الأردن وممر القدس والمنطقة التي تسيطر على المركز الحضري والاقتصادي لإسرائيل (غوش دان ومطار بن غوريون الدولي.) ومن حيث المساحة الإجمالية، تحصل إسرائيل على نسبة 30 في المائة من الضفة الغربية (وفق حسابات إسرائيل)، بما في ذلك 115 من أصل 130 مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية و97 في المائة من المستوطنين المقيمين هناك، فيما تبقى 15 مستوطنة إسرائيلية صغيرة تضم 13300 مستوطن (أقل من 3٪) ضمن الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية ولكنها تخضع للسيطرة الإسرائيلية وتتمتع بكامل الحرية للدخول إلى إسرائيل. في المقابل، تقدّم خطة ترامب للفلسطينيين دولةً تقوم على 70 في المائة من الضفة الغربية، بالإضافة إلى قطاع غزة و15 في المائة من الأراضي المتبادلة مع إسرائيل في مناطق محاذية للضفة الغربية والنقب الغربي. أما في الأماكن التي تلتقي فيها الحصص الفلسطينية والإسرائيلية من الضفة الغربية، فيتم التخطيط لـ “تقاطع طرقات” يسمح بحركة مرور غير محدودة. وتضم المنطقة الفلسطينية 97 في المائة من الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية وكل سكان قطاع غزة، في حين أن الفلسطينيين المقيمين في القدس الشرقية وفي الأراضي الملحقة بإسرائيل سيُمنحون حقوق الإقامة المدنية في إسرائيل ويمكن أن يكونوا مواطنين في الدولة الفلسطينية.

غير أن الخريطة الإسرائيلية التي تم تسريبها مؤخرًا تطرح مفهومًا مختلفًا تمامًا، ويبدو أن هذا المفهوم يميل لتلبية تفضيلات اليمين، أي الحركة الاستيطانية. ففي حين أنها تحتفظ لإسرائيل بنسبة الثلاثين في المائة من الضفة الغربية مقابل 70 في المائة للفلسطينيين، إلا أن تكوين المنطقة يختلف إلى حدٍّ كبير. إذ تضع الخريطة كامل المستوطنات البالغ عددها 130 ضمن الأراضي الملحقة بإسرائيل، إضافةً إلى كل البؤر الاستيطانية الإسرائيلية، مع إبقاء المجال مفتوحًا أمام توسيعها. وتضع هذه الخريطة أقل من واحد في المائة من الفلسطينيين ضمن الأراضي الملحقة بإسرائيل. وفي سبيل تغيير التركيبة الديمغرافية للأراضي المخصصة لإسرائيل، تقلّص الخريطة بشكل كبير السيطرة الإسرائيلية على المناطق الأمنية المحيطة بغوش دان ومطار بن غوريون وممر القدس. والسبب هو أن المناطق الأمنية الواقعة شمالي ممر القدس وغرب “الطريق 446” هي مناطق يعيش فيها الكثير من الفلسطينيين. علاوةً على ذلك، يظهر وادي الأردن والساحل الشمالي للبحر الميت على الخريطة أضيق مما هما عليه، وذلك بغرض توسيع مساحة المنطقة التي يحتمل أن تتمدّد عليها المستوطنات. وتم التشديد بشكل خاص على منح إسرائيل السيادة على كافة الطرقات الرئيسية في الضفة الغربية التي تؤدي إلى المستوطنات الإسرائيلية، بدون إمكانية ربط الطرقات لتأمين حركة المرور بين مختلف القرى والبلدات والأقضية الفلسطينية على الطرقات الموجودة. والواقع أن هذه الخريطة تحول دون قيام دولة فلسطينية صالحة ومستقلة. فمن جهة، تقوم هذه الخريطة بشكل شبه تام بتقليص عدد الفلسطينيين على الأراضي الإسرائيلية وعدد الإسرائيليين على الأراضي الفلسطينية ولكنها تقسّم الأراضي الفلسطينية وتستوجب من الفلسطينيين المرور بالأراضي الإسرائيلية أو استخدام الطرقات الرابطة. كما وتطرح هذه الخريطة خطةً قصيرة الأمد تمنع وجود دولة فلسطينية سيادية وقابلة للبقاء، وتقلل المصالح الإسرائيلية المتعلقة بالأمن القومي على حساب تقوية المستوطنات وإدامة الاعتماد الفلسطيني على إسرائيل في ما يتعلق بحرية التنقل.

فما هو الحدث الذي يفسّر كيف أفضت موافقة نتنياهو المندفعة على خطة ترامب في كانون الثاني/يناير إلى إنتاج خريطة إسرائيلية تقوم على مبادئ مختلفة تمامًا؟ ثمة اعتباران مهمان في هذا الإطار. أولاً، يمكن الافتراض بأمان أن الفريق الإسرائيلي تحضّر للمفاوضات مع الجانب الأمريكي، وهذه الخريطة هي بمثابة نقطة انطلاق أكثر تطرفًا تتيح الانسحاب خلال المفاوضات. ثانيًا، ومع أن رئيس الوزراء مخلصٌ للمفهوم الأمريكي، ثمة احتمال بأن تكون التطورات السياسية والمعارضة الشرسة التي تبديها قاعدته قد أدت إلى إعداد الخريطة الإسرائيلية. فزعماء المستوطنات، ولا سيما أولئك الذين يمثّلون مناطق بعيدة عن الجدار الفاصل، كانوا يعارضون الضم لأنه سيسمح بقيام دولة فلسطينية في المستقبل.

في ضوء الجدل المحيط بالخرائط والتركيز على أزمة “كوفيد-19″، تقلّ احتمالات استمرار إسرائيل في عملية ضم مساحات كبيرة من الأراضي. لكن الخريطة الإسرائيلية الجديدة تساعد على فهم المشاكل التي عطّلت النقاش وتكشف عن الشرخ بين الموقفين الإسرائيلي والأمريكي بالرغم من التوافق الظاهري على الخطة.

وفي اللحظة الأخيرة: شجع نبأ صفقة التطبيع واتفاقية السلام بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل وتجميد برنامج الضم الإسرائيلي الأصوات الداعمة للسلام . ومن خلال مخرج مشرف، تمكنت الإدارة الأمريكية من الحفاظ على “صفقة” القرن ” بما في ذلك حل الدولتين والسماح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بتجميد خطة الضم.

معهد واشنطن