حكومة حمدوك تواجه عزلة مع تفكك ظهيرها الشعبي

حكومة حمدوك تواجه عزلة مع تفكك ظهيرها الشعبي

العلاقة بين الحكومة السودانية والقوى الثورية تواجه انتكاسات قد تنتهي بقطيعة تامة في حال استمرت حكومة عبدالله حمدوك في التعاطي مع ذات النهج القائم على التردد وعدم الحسم في حل القضايا الشائكة في البلاد.

الخرطوم – تواجه الفترة الانتقالية في السودان تهديدات على وقع التباعد الحاصل بين الحكومة ومكونات الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس عمر البشير، وبدا الشارع أكثر تقبلا للمظاهرات مع تزايد حدة الرفض الشعبي لأداء حكومة عبدالله حمدوك التي تتسم بالبطء وغياب الحسم.

وتصطدم الحكومة بالقوى الثورية الداعمة لها بعد مرور عام على توقيع الوثيقة الدستورية بين المكونين المدني والعسكري، حيث شهدت الخرطوم احتجاجات حتى وقت متأخر الاثنين، ضمن موكب “جرد الحساب” الذي دعت إليه لجان المقاومة وعدد من الكيانات المحسوبة على الثورة، قبل أن تشهد المظاهرات أحداث عنف تسببت في إصابة عدد من المواطنين واعتقال آخرين.

وتوالت دعوات التصعيد قبل أن تهدأ مع الساعات الأولى من الثلاثاء، وقال تجمع المهنيين إن خيارات التصعيد تظل مفتوحة، ويجري تقييم الخيارات عبر تنسيقيات لجان المقاومة وسيُعلن عنها فور الاتفاق على الخطوات، وأرجعت ذلك لما تعرض له المتظاهرون من استفزاز وتعدّ من قبل الأجهزة الأمنية.

ودعت لجان المقاومة لإغلاق الشوارع وحرق الإطارات ردا على ما وصفته بـ“تعامل الحكومة المخزي والمذل”، وأعلنت أن عمليات التعبئة والتصعيد المفتوح ستتوالى في الأيام المقبلة بشتى الأساليب، وبشكل منظم ومتصاعد وفق تنسيق كامل بين كل أجسام وتنظيمات قوى الثورة الحية.

واستخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع عند وصول مواكب المشاركين في المسيرة إلى مقر مجلس السيادة لتسليم مذكرة للحكومة تحوي مطالب تشمل تشكيل مجلس تشريعي خلال فترة ثلاثة أشهر، وعقد مؤتمر يضع السياسات الاقتصادية للبلاد وإصلاح المنظومة القضائية، وتفكيك نظام البشير وهيكلة القوات الأمنية.

ويتوقع مراقبون أن تشهد الفترة المقبلة موجات احتجاج جديدة بعد أن نكصت الحكومة بعهودها التي التزمت بها قبل اندلاع مظاهرات 30 يونيو الماضي، إذ أن تحقيقات فض الاعتصام مازالت تراوح مكانها.

كما أن حمدوك لم يعين وزراء جددا بدلا ممن قبلت استقالتهم منذ شهر ونصف الشهر تقريبا، إلى جانب أن المجلس التشريعي لم ير النور بعد، فيما تسبب قرار تعيين الولاة المدنيين في اندلاع غضب شعبي في عدد من الولايات التي رفضت الأسماء الجديدة.

وتجد الحكومة نفسها في مأزق، لأنها غير قادرة على مسايرة تطلعات القوى الثورية وهي بحاجة إلى أوضاع أكثر هدوءا للتعامل مع الأزمات التي ورثتها عن النظام السابق، ويغيب الظهير السياسي المؤيد لها تحت تأثير خلافات محتدمة.

وعلى إثر حالة العنف التي شهدتها الخرطوم، أعلن الحزب الاتحادي “الموحد” الثلاثاء تجميد عضويته في تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، وهو ثالث مكون يعلن تجميد عضويته بعد حزب الأمة القومي وتجمع المهنيين، مرجعا ذلك “لإدراكه بأن القوى السياسية لا تسير في طريق الثورة، وأن حالة الضعف التي تعيشها البلاد الآن ما كانت لتحدث لولا الأخطاء الفادحة التي ظلت الحاضنة السياسية للثورة ترتكبها بإصرار غريب”.

وتتسم المرحلة الانتقالية بسيولة واضحة في مجالات عدة، وانحرفت بوصلة أهداف الثورة عن اتجاهها، وأخفقت الحكومة في سد الثغرات التي من الممكن أن تعود منها فلول النظام السابق، ولم تحقق الحد الأدنى من مطالب القوى الثورية، ما جعلها في مواجهة نيران مشتعلة من اتجاهات مختلفة.

وقال القيادي بحزب الأمة القومي، حسن الإمام حسن، إن انفراط عقد المواكب السلمية المتكررة “أمر وارد، ولعل ذلك ما حدث في المسيرات الأخيرة، وأن هناك استخداما مبالغا فيه للعنف يتفق عليه الجميع بمن فيهم والي الخرطوم، ما يؤدي إلى موجات احتجاجية أشد ستطالب مباشرة بإقالة الحكومة الحالية”.

وأضاف لـ”العرب” أن تاريخ السودان يشير إلى أنه يصعُب إسقاط الحكومة عبر تحركات الشارع، لأنها جاءت بتوافق شعبي، ما يعني أن الاحتجاجات التي ستقودها لجان المقاومة لن تؤدي في النهاية لإزاحة الحكومة، غير أنها تفرز حالة من الارتباك السياسي يدفع ثمنه السودان لأن المرحلة الانتقالية انحرفت عن أهدافها.

وأشار إلى أن القوى الثورية تقود الشارع من دون أن تضع في حسبانها الآثار السلبية المترتبة على هذه التحركات، وأن المطالب التي قدمتها لجان المقاومة كان من الممكن أن تصل إلى الحكومة عبر ورش العمل واللقاءات والاجتماعات التي لم تتوقف، وتعامل قوى الثورة على أنها مازالت في صف المعارضة يقوض الجهود لتمرير هذه المرحلة.

وتغلب النزعة الثورية على تحركات لجان المقاومة، في حين أن الحكومة ترتكن عليها كظهير شعبي في مواجهة رموز النظام السابق، إذ كانت هذه اللجان سببا رئيسيا في تجاوز العديد من الأزمات التي مرت بها الحكومة منذ أن تولت منصبها، خاصة على مستوى مجابهة فلول البشير داخل دواليبها وكانت سببا في شح الخبز والوقود.

برأي البعض من السياسيين، أن قوة لجان المقاومة تكمن في قدرتها على حل الأزمات التي تفشل الحكومة في التعاطي معها، ما يجعلها تحظى بشعبية واسعة في الولايات المهمشة، وتحركاتها الثورية في الخرطوم بحاجة إلى تنسيق سياسي مع تجمع المهنيين الذي لديه قدرات على الحشد في المركز، وهو أمر يبدو أنه يتبلور حاليا.

وأشارت المحللة السياسية إيمان عثمان إلى أن الانفصال التام بين لجان المقاومة والحكومة لم يحدث بعد، وتحركات القوى الثورية في الشارع تستهدف تصويب عمل الحكومة وليس معارضتها، وهذه التحركات قد تشكل حماية للأخيرة من الشارع الملتهب الذي يمكن أن ينفجر في أي لحظة حال لم يجد متنفسا يعبر من خلاله عن رأيه.

ولفتت إلى أن حالة الضبابية الحالية سببها الأساسي تهاون الحكومة مع مطالب الشارع، وعدم إقدامها على إعادة هيكلة جهاز الشرطة الذي مازال قابعا في قبضة فلول النظام السابق، وكان سببا رئيسيا في اندلاع اشتباكات عدة، الأمر الذي يجعل الحكومة غير قادرة على استخدام أدواتها بصورة سليمة.

العرب