الربيع العربي.. نار حارقة!

الربيع العربي.. نار حارقة!

الربيع-العربي

لم يكن ما يُطلق عليه «الربيع العربي» سبباً في ظهور الجماعات والتنظيمات الإسلامية الراديكالية، فهي تأسست ونشطت على الأرض قبل عقود، لكنه منحها المناخ الملائم لتنمو بسرعة وتتسرطن بشراهة وتتمكن بقوة، أوجد لها حلفاء وداعمين ومحركين ومستفيدين سواء دولاً أو أفراداً أو أجهزة استخبارات أو جماعات أخرى تدّعي السلمية. ليس هناك سبب واحد فقط للإرهاب وإنما أسباب وظروف وأجواء ومناخ. قد يكون الفقر سبباً، لكن التجربة في دول الخليج تدحض الافتراض، كما أن جحافل الإسلاميين الأوروبيين المهاجرين إلى «داعش» تضرب النظرية، وقد تكون الديكتاتورية سبباً والأساليب القمعية مبرراً، لكن حوادث الإرهاب في فرنسا الديموقراطية مثلاً تجعلك تبحث عن أسباب أخرى، قد يكون تدني مستوى التعليم وانتشار الجهل سبباً، لكن ماذا عن تونس التي تكاد تصل فيها نسبة الأمية إلى الصفر؟

هكذا جمع الربيع العربي كل الأسباب دفعة واحدة، وزاد عليها الفوضى وانهيار الأجهزة الأمنية ويأس الشعوب من الإصلاح وزهق الناس من بقاء الحكام والمسؤولين على مقاعد السلطة، ومن لم يدفعهم الفقر إلى إسقاط الحكم ثاروا على الديكتاتورية ليؤسسوا الحكم الديموقراطي، ومن لم يحفزهم العلم انتفضوا ضد الملل! ومن لم يشتكوا لعقود من ضيق الحال أو تدني مستوى المعيشة خرجوا إلى الشوارع والميادين ليكونوا جزءاً من التاريخ، فيُسجل أنهم كانوا يوماً ضمن فصل الربيع العربي! وسط الفوضى نشطت التنظيمات الراديكالية فاستخدمت الفقر سلاحاً زادها عدداً وأفراداً، وفي الوقت نفسه منحها دعماً من هؤلاء الفقراء الذين صدَّقوا أن «بتوع ربنا» سيوزعون الرزق بالتساوي بين الناس!

لعب المتطرفون على وتر الظلم وفساد الأنظمة، ونشروا الآيات القرآنية والأحاديث النبوية عن العدل فلم يقاومهم الناس انتظاراً لنيل حقوقهم. في الدول التي وصلت فيها طموحات الراديكالية حد تأسيس دولتهم كسورية والعراق واليمن وليبيا دخلوا في صدامات مع تنظيمات وجماعات أخرى ترفع الراية نفسها، فالبقاء للأقوى وهم هناك أقوى، أما في دول عصت عليهم، وكان من المستحيل أن ينالوا الحكم فيها كمصر وتونس، فإنهم رحبوا بالتحالف مع التنظيم الأكثر انتشاراً وعمقاً وتاريخاً، ووفروا المناخ للإخوان باستنزاف الجيش والشرطة ومؤسسات الدولة، قدموا «السبت» لجماعة الإخوان وانتظروا «الأحد» من التنظيم الذي يملك رصيداً شعبياً عبر سنوات طويلة، ونال الحكم وجلس رموزه على مقاعد السلطة. في مصر وجد «الإخوان المسلمون» أن تعاملهم مع أصحاب اللحى من الإسلاميين الراديكاليين أفضل من التعامل مع المنتمين إلى تيارات سياسية تكره الإخوان، فانقلبت الجماعة على الليبراليين الذين ساندوها، ومهدت الطريق لإعادة إحياء تنظيم «التوحيد والجهاد» في سيناء رداً للجميل، وفي الوقت نفسه لاستخدام الإرهابيين كمخزون إستراتيجي تلجأ إليه الجماعة إذا لزم الأمر… وقد لزم.

ظل الإخوان على مدى عقود ينفون عن أنفسهم صفة العنف، ويبررون حادثتي الاغتيال اللتين ارتكبهما عناصرهم ضد رئيس الوزراء النقراشي والقاضي الخازندار قبل ثورة تموز (يوليو) 1952 ويصفون المتورطين بأنهم «ليسوا إخواناً ولا مسلمين»، وفقاً لكلام مؤسس الجماعة حسن البنا، لكن الربيع العربي فضح الجماعة وكشف تورطها وثبَّت في العقول ما كان محل شكوك. نعم عصف الربيع العربي بدول وأنهى حكومات، ومنح الجماعات والتنظيمات الإسلامية الراديكالية حبوب الشجاعة والطاقة، وأتاح للإخوان المسلمين حكم أكبر بلد عربي، وهيأ المناخ لتقسيم دول وتأجيج نار الحروب الطاحنة لكنه في النهاية كان وبالاً على الإخوان الذين حكموا ولم يتمكنوا، وصعدوا إلى القمة ثم هبطوا إلى الهاوية، كان ربيعاً لم يستمر طويلاً، فقد الإخوان حضورهم حتى بين قوى المعارضة، وخسروا تعاطف الناس معهم كنتيجة طبيعية لفشلهم في الحكم وتحولهم إلى الثأر، لم ينعم الإخوان بالربيع طويلاً، إذ تحول عليهم ناراً حارقة.

محمد صلاح

صحيفة الحياة اللندنية