بالتزامن مع تصاعد الصراع حول الحدود البحرية والجرف القاري والمناطق الاقتصادية بين تركيا واليونان ووصول التوتر إلى مراحل خطيرة غير مسبوقة، عادت إلى الواجهة بقوة أزمة “تسليح الجزر منزوعة السلاح” وهو ما تعتبره تركيا “تهديداً لأمنها القومي” في تطور يصب مزيد من الزيت على النار المشتعلة شرق البحر المتوسط وتزيد من مخاطر الصدام العسكري بين البلدين.
ومنذ سنوات، تتهم تركيا اليونان بالتحشيد العسكري في العديد من الجزر القريبة منها والتي تنص العديد من الاتفاقيات الدولية على إبقائها منزوعة من السلاح الثقيل. ومؤخراً عادت أنقرة لطرح الملف بقوة قبل أن تظهر صور تداولتها وسائل إعلام يونانية وتركية إرسال أثينا عناصر من الجيش اليوناني مدججين بالأسلحة إلى جزيرة “ميس”.
وقالت صحف تركية إن اليونان أرسلت قوات وجنود مدججين بالأسلحة عبر سفينة نقل سياح وبشكل سري إلى الجزيرة التي تبعد 2 كيلومتر عن السواحل التركية و580 كيلومتر عن سواحل اليونان الرئيسية وتعتبر من أبرز محاور الخلاف بين البلدين حيث تطالب أثينا بجرف قاري كبير للجزيرة الصغيرة التي تقول تركيا إن ذلك يعني حصار كامل للسواحل التركية.
أنباء عن إرسال اليونان قوات لجزيرة تبعد 2 ميل عن الساحل التركي
والخلاف بين تركيا واليونان على ملكية العديد من الجزر ووضعها القانوني والعسكري بالإضافة إلى الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية الخالصة في بحري إيجه والمتوسط متواصل منذ عقود، لكنه تصاعد بشكل خطير مؤخراً مع اكتشافات الغاز الأخيرة وبدء التنقيب التركي في مناطق خلافية ونشر سفن حربية وطائرات عسكرية تركية في المنطقة.
وسبق أن اعتبر وزير الدفاع التركي خلوصي أقار أن “الحشد العسكري اليوناني في 16 جزيرة ببحر إيجة مخالف للقوانين الدولية”، داعياً اليونان إلى التصرف بشكل يتوافق مع القانون الدولي والاتفاقيات المبرمة وعلاقات حسن الجوار، لافتاً إلى أن “اليونان ترغب في أن يكون كل شيء بالشكل الذي تريده هي.. هناك قواعد ومبادئ وقانون دولي، ليس كل شيء يكون كما تريدون أنتم”.
وتؤكد تركيا أن تسليح الجزير يشكل تهديداً على أمنها القومي وتقول إن معاهدة لوزان للسلام، “أحدثت وضعا غير عسكري في جزر بحر إيجه، بعد الأخذ بعين الاعتبار المتطلبات الأمنية لتركيا، وهذا الوضع استمر في معاهدة باريس للسلام، عبر الاعتراف الصريح والواضح به، فهذه المعاهدة خلقت وضعا حياديا لصالح تركيا”.
وبداية العام الجاري، عقب المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أقصوى على مسألة تسليح الجزر بالقول: “تنبع هذه المسألة من انتهاك اليونان لالتزاماتها المترتبة بموجب معاهدتي لوزان لعام 1923 وباريس للسلام في 1947، والقانون الدولي”، موضحاً أنه “لطالما احتجت تركيا وبشكل دائم على تلك الأنشطة التي تمارسها اليونان أو دولة ثالثة وتنتهك فيها وضعية نزع السلاح، وأن أنقرة تقدمت بالعديد من المبادرات اللازمة لذلك”.
وكانت صحيفة يني شفق التركية المقربة من الحزب الحاكم نشرت، تقريراً على رأس صفحتها الأولى بعنوان “اليونان تحول بحر إيجه إلى ترسانة أسلحة”، وقالت في التقرير إن اليونان نقلت تعزيزات عسكرية هائلة إلى العديد من الجزر في بحر إيجه، ونشرت إحصائيات يتعذر التأكد من دقتها.
وتشير الإحصائيات التي نشرتها الصحيفة، إلى أن الجيش اليوناني نشر 20 ألف جندي في جزر يونانية ببحر إيجه كان يمنع نقل الجنود والأسلحة الثقيلة إليها منذ عقود، ولفت التقرير إلى أن التعزيزات أرسلت إلى قرابة 16 جزيرة من أصل 23 جزيرة منتشرة في بحر إيجه وقربة من السواحل التركية، وإرسال القوات إليها مقيد باتفاقيات دولية.
وذهبت الصحيفة إلى أبعد من ذلك بالقول إن اليونان تعمل منذ فترة على إعادة تأهيل وبناء مطارات مؤهلة لاستقبال طائرات حربية، كما أنها تهيئ بعض الموانئ لاستقبال السفن الحربية، مشيرة إلى أن العديد من الجزر أرسل إليها دبابات وناقلات جنود ومدافع وغيرها الكثير من المعدات العسكرية الثقيلة.
وبينما تحدثت صحيفة يني شفق عن إرسال اليونان 20 ألف جندي إلى الجزر المذكورة، قال الموقع الإلكتروني لتلفزيون سي إن إن تورك إن تقديرات تشير إلى أن عدد قوات الجيش اليوناني التي باتت تنتشر في جزر يونانية مقيد التواجد العسكري فيها وصل إلى ما بين 50 إلى 100 ألف جندي.
ويقول الموقع إن اتفاقية لوزان التي جرى التوقيع عليها عام 1923 واتفاقية باريس التي جرى التوقيع عليها عام 1947 تنصان على تحجيم التواجد العسكري في الجزر المذكورة، مشيراً إلى أن مواد الاتفاقيتين تنصان بشكل واضح على منع التواجد العسكري الواسع أو الأسلحة الثقيلة، وتنصان فقط على نشر قوات شرطة ودرك محدودة.
وتعتبر تركيا أن التواجد العسكري اليوناني في هذه الجزر يمثل تهديداً مباشراً على أمنها القومي لقربها من الأراضي التركية، إلى جانب الخلافات التاريخية على ملكيتها حيث نصت العديد من الاتفاقيات الدولية على منع التسلح ورفع الأعلام في العديد من الجزر لاحتواء الخلاف بين أنقرة وأثينا عليها.
لكن خبراء أتراك قالوا إن التسليح اليوناني المتسارع لهذه الجزر ليس جديداً أو وليد التطورات الأخيرة في شرق المتوسط، لافتين إلى أن اليونان بدأت منذ عام 1960 في إرسال الجنود والأسلحة لهذه الجزر بشكل تدريجي ودون ضجة إعلامية، معتبرين أن تصريحات وزير الدفاع التركي، الذي أثار فيها القضية، الخميس، كانت متأخرة جداً، مطالبين الحكومة التركية بنقل المسألة إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
وقبل أشهر، وإلى جانب إرساله سفن وطائرات حربية إلى شرق المتوسط وبحر إيجه لحماية سفن التنقيب التركية، عزز الجيش التركي تواجده في قبرص التي ينتشر فيها قرابة 40 ألف جندي، وأعلن بدء استخدام قاعدة جوية هناك.
القدس العرب