نظرًا إلى التطورات السابقة، يجب ألّا يشكّل الإعلان الأخير عن التطبيع بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل مقابل إيقاف خطط الضمّ مفاجأةً كبيرةً، ولو أنّ التوقيت لم يكن متوقّعًا. لكن تبقى بعض الاختلافات التي يتم التقليل من شأنها في كثيرٍ من الأحيان قائمة على صعيد أحد جوانب هذه العلاقة، وهو جانبٌ غالبًا ما يُفترَض أنه قاسمٌ مشتركٌ: أي وجهات النظر الخاصة بالقدس وأبو ظبي حول إيران. فسيشكّل فهم هذه الاختلافات واستيعابها مسألةً مهمةً جدًّا حتى تدوم العلاقة بين البلديْن، مع الحاجة إلى اعتراف الحكومة الإسرائيلية بشكلٍ خاص بهذه الاختلافات إضافةً إلى أوجه الشبه بين الطرفيْن.
لا يخفى على أحد أنّ إسرائيل والإمارت تعتبران إيران عدوًّا مشتركًا؛ فعمِلَ كلا البلديْن معًا بشكلٍ سرّي لسنوات من أجل منع الهيمنة الإيرانية في الخليج والشرق الأوسط ككل. ومنذ بدء علاقتهما غير الرسمية قبل عدة عقود، حسّن البلدان علاقاتهما العسكرية وتلك المتعلقة بتبادل المعلومات الاستخباراتية، وعزّزا روابطهما الدبلوماسية بعيدًا عن الأضواء، وعمِلا على تحسين جهوزيتهما إزاء التهديدات الإيرانية بشكلٍ شامل. وساهمت قرارات الرئيس ترامب الأخيرة بسحب القوات من بعض أجزاء منطقة الشرق الأوسط والعالم بشكلٍ عام بتحفيز تطوُّر العلاقات بين إسرائيل والإمارات، وذلك استباقًا لتراجع الدعم المباشر من الولايات المتحدة.
مع ذلك، تختلف علاقتا الإمارات وإسرائيل مع إيران بشكلٍ جذري. وتنشأ الاختلافات جزئيًّا من المواقف الإقليمية الخاصة بهذين البلدين. فترى إيران والإمارات بعضهما بعضًا كخصميْن يناوران لحيازة السلطة في المنطقة. وتنشأ اختلافاتهما من آراءٍ متضاربة حول عدة مسائل إقليمية وعددٍ من الخلافات المرتبطة بالأراضي. وفي المقابل، ترى إسرائيل النظام الإيراني على أنه “الشر المطلق” وكخطر وجودي وشيك. وترفض إسرائيل التعاطي مع طهران بأي شكل، وإيران هي الدولة الوحيدة في العالَم التي لا يمكن أن يتواصل عملاء جهاز الموساد مع مواطنيها إلا لأسبابٍ سياسية وبعد الحصول على إذنٍ صريحٍ من رئيس الوزراء، فيما يعمل “جيش الدفاع الإسرائيلي” على نطاقٍ واسع لمحاربة توسّع إيران ووكلائها في سوريا.
إلا أنّ موقفيْ هذيْن البلديْن يختلفان أيضًا على صعيد ثقتهما في القدرة على تحمّل المواجهة العسكرية مع إيران. فعلى عكس إسرائيل، تفتقر الإمارات إلى القوة العسكرية والقدرات الدفاعية الفعّالة، لا سيّما فرض القوة. وبالإضافة إلى ذلك، تبقى الإمارات غير واثقة تمامًا من المساعدة الأمريكية أو الدفاع الأمريكي في حال المواجهة العسكرية مع إيران. وأصبحت هذه النقطة بارزة بشكلٍ خاص بعد الكشف مؤخرًا عن الاعتداء على “أرامكو”. فيبدو أن الإمارات فاجأها امتناع ترامب عن تأمين الدعم الملحوظ والقيام بالأعمال اللازمة، وأثارت التجارب مسألة الموثوقية الأمريكية في أوقات النزاع. وفي المقابل، تبقى إسرائيل واثقة من الدعم العسكري الأمريكي.
ما يعقّد وضع الإمارات أكثر بعد هو موقعها الجغرافي؛ فيقع هذا البلد بمحاذاة إيران، وهو يأوي جزءًا كبيرًا من المجتمع الإيراني. وبعيدًا عن التحضير للمواجهة، يتخوّف الكثير من الإماراتيين من آثار النزاع العسكري بين السعودية وإيران.
في نهاية المطاف، يرى كلا البلديْن أنّ إيران تشكّل تهديدًا، ولو بدرجات مختلفة، لكنهما يختاران مساريْن مختلفيْن لوضع حدٍّ لهذا التهديد. فقد اختارت إسرائيل نهج المواجهة: أي التهديد باستخدام القوة وتعزيز الضغط والعقوبات السياسية والاقتصادية المكثّفة على إيران لمنع توسّعها وبرنامجها النووي. ومن ناحية أخرى، تؤيّد الإمارات التدابير الدبلوماسية للحدّ من الاعتداء والامتداد الإيرانييْن لكنها قلقة من استمرار حملة الضغط الأقصى بما أنها قد تؤدي إلى النزاع المباشر، وهو سيناريو تعمل الإمارات بنشاط على تفاديه.
إنّ فهم طبيعة التداخل المباشر الصغير بين الموقفيْن الاستراتيجييْن الإسرائيلي والإماراتي إزاء إيران يُظهِر أنّ وجود عدو مشترك لا يكفي على الأرجح لتأمين التحالف الاستراتيجي. ففي حال المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران، لا يجوز اعتبار الدعم الإماراتي من المسلّمات، حتى في ظل تشكّل الروابط الجديدة. وإلى ذلك، إذا تمّ تقديم الدعم، قد لا يكون واسعًا بقدر ما يتوقّع البعض حاليًّا داخل إسرائيل.
هذا هو الحال بشكلٍ خاص إذا كانت إسرائيل تتوقع العمل باتّجاه استخدام المجال الجوي الإماراتي أو القواعد الإماراتية في هجومٍ مباشر على إيران. لكن قد يتردد أيضًا الدبلوماسيون الإماراتيون في الوقوف جنبًا إلى جنب مع الإسرائيليين في مبادراتٍ لزيادة الضغط على إيران، وهو ما تراه إسرائيل ضروريًّا لمنع التصعيد المباشر. ونظرًا إلى هذه الاختلافات، على إسرائيل أن تعمل بنشاطٍ لإيجاد أرضية مشتركة مع الإمارات بدلًا من افتراض أنّ التعاون هو أمرٌ مفروغٌ منه.
تسلّط المسألة الأخيرة المتعلّقة بالمبيعات المحتملة لطائرات “أف-35” إلى الإمارات الضوء على الطرق التي يمكن أن تهدّد فيها التوقعات غير المتطابقة بوضع حدٍّ للجهود المفيدة للطرفيْن. فعارضَ الكثيرون من الأوساط العامة والمؤسسة الدفاعية في إسرائيل عملية بيع مقاتلات الـ “أف-35” – التي تراها الإمارات جزءًا لا يتجزّأ من اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل – إذ قد تضعف هذه العملية التفوق العسكري النوعي الخاص بإسرائيل، وهي سياسة أمريكية قائمة منذ زمن طويل وينصّ عليها أيضًا القانون الأمريكي.
لكن لا بدّ من أن يُعيد الإسرائيليون النظر في مسألة إمّا قبول ما يُحتمل أن يكون فترة طويلة من المفاوضات بشأن طائرات الـ “أف-35” وإما الاحتجاج عليها بشدة، وخاصّةً بما أنّ زيادة قوة الإمارات ستقوّي كلا البلديْن في وجه إيران. وعدا عن دور القوات العسكرية الإماراتية المعززة في اتفاق السلام، يجب أن ينظر الإسرائيليون في المنافع المحققة من هذه القوات المعززة إلى جانب عقباتها. فسيعزز الاتفاق القوة الجوية الإماراتية ضد إيران ويسمح للإمارات بمهاجمة الأهداف الإيرانية بشكلٍ أسهل. كما ستزيد الطائرات النفّاثة المدى الجوي الاستراتيجي الخاص بالإمارات ليبلغ الشرق الأوسط بأكمله تقريبًا، وذلك من أجل ردع تركيا على ما يبدو، وهو ما جسّدته مشاركة الإمارات في تدريب يوناني مشترك للقوة الجوية هذا الأسبوع. وعلاوةً على ذلك، زاد تقلُّب إسرائيل المزعوم في مسألة المبيعات التوتر بعد أسابيعٍ فحسب من إعلان اتفاق السلام. فردّت الإمارات من خلال إلغاء اجتماع ثلاثي الأطراف مع الولايات المتحدة وإسرائيل لإيضاح موقفها إزاء التمرد الإسرائيلي في هذا الشأن.
على الحكومة الإسرائيلية أن تأخذ هذا الدرس على محمل الجدّ فيما تقترب من بناء استراتيجية لردع إيران تشمل الإمارات. فيصبح العمل سويًّا مع الشركاء الإقليميين أمرًا ضروريًّا أكثر فأكثر نظرًا إلى احتمال التغيّر الهائل في السياسة الخارجية الأمريكية بعد الانتخابات الرئاسية القادمة. فيمكن ويجب تكييف سياسة مشتركة مع الاتجاه المحتمل لكل إدارة: ولا بدّ من أن تأخذ هذه السياسة في الحسبان إمكانية التصعيد إذا أُعيد انتخاب ترامب، أو إمكانية العودة إلى المفاوضات وأخيرًا إلى “خطة العمل الشاملة المشتركة” إذا تغلّب بايدن على ترامب.
في خلال هذا النقاش بين البلديْن، يجب أن تبحث إسرائيل عن خطوط حمراء مشتركة لأي نقاش مستقبلي مع إيران بشأن “خطة عمل شاملة مشتركة” جديدة. فعلى الأرجح، سيؤدّي العرض المشترك الذي تقدّمه إسرائيل والإمارات إلى الإدارة التالية في واشنطن، والذي يدعمه اتفاقٌ بشأن الخطوات الواجب اتخاذها إذا تخطت إيران الخطوط الحمراء المشتركة في ما يخص برنامجها النووي، إلى التأثير كثيرًا في أيٍّ من الإدارتيْن الأمريكيتيْن المحتملتيْن، وذلك تحقيقًا للمنفعة المتبادلة بين إسرائيل والإمارات.
ويمكن أن تقدّم إسرائيل الكثير إلى الإمارات على صعيد مكافحة النفوذ والتوسّع الإيرانييْن. ويشمل ذلك مجموعةً من قدرات القوة الناعمة مثل الجهود الدبلوماسية المشتركة، والتعاون التكنولوجي والاقتصادي، وحتى زيادة إمكانية الوصول إلى البحر المتوسط، التي ستسمح بتجاوز خطر إغلاق إيران لمضيق هرمز، وتعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية. وتشمل خيارات استخدام القوة الصلبة إمكانية تنفيذ هجمات سيبرانية عدوانية مشتركة، وإمكانية التعاون في الهجوم على مواقع نووية أو مواقع بنى تحتية مهمة إيرانية، بالإضافة إلى التعاون العسكري للتعامل المحدود مع القوات الإيرانية الوكيلة في العراق أو اليمن أو سوريا.
تُظهر الاضطرابات الأخيرة بشأن المبيعات المحتملة لطائرات “أف-35” هشاشة الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل، لا سيّما إذا كان التوصل إلى أرضية مشتركة حول المسائل الأساسية مثل إيران غير ممكن. وفيما يبدو أنّ مسألة إيران تشكّل نقطة انطلاق آمنة، يجب أن تكون أيضًا الاختلافات في وجهات النظر مأخوذة في الحسبان ضمن المفاوضات بين الدولتيْن، مع تفهُّم الطرق الخاصة بالإمارات للتعاطي مع إيران. فأمام إسرائيل فرصة كبيرة حاليًّا؛ لكن إذا لم تُطوَّر سياسة خارجية مشتركة كخط أساس تأخذ في الحسبان مصالح كلٍّ من الطرفيْن، سيواجه كلاهما خطر عدم الاستعداد بالقدر الذي كان ممكنًا لأي خطوة قد تتخذها إيران.
داني (دينيس) سيترينوفيتش
معهد واشنطن