التطورات الميدانية المتسارعة في الحرب باليمن والانقلاب الملحوظ في ميزان القوى لمصلحة القوات الحكومية المدعومة من التحالف العربي على حساب المتمرّدين الحوثيين، يمكن تفسيرهما بحالة الإنهاك العسكري والمالي التي بلغها المتمرّدون بعد ست سنوات من الحرب المتواصلة، كما يمكن تفسيرهما، من جهة مقابلة، بالتغيير الذي حدث مؤخّرا على رأس القيادة العسكرية السعودية المكلّفة بإدارة الحرب، بعد أن تبين أنّ تعثّر حسمها عائد في جزء منه إلى وجود فساد وسوء إدارة في تسيير الملفّ.
عدن – شهدت محافظة الجوف شمالي العاصمة اليمنية صنعاء، خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، تصعيدا لافتا في المواجهات العسكرية بين القوّات اليمنية الموالية للسلطة المعترف بها دوليا بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي والمدعومة من التحالف العربي الذي تقوده السعودية، والمتمرّدين الحوثيين الموالين لإيران.
ويكتسي موقع المحافظة المذكورة أهمية استثنائية للسعودية لاتصاله بأراضيها عبر حدود برّية طويلة نسبيا، ما جعل استيلاء الحوثيين على مركزها، مدينة الحزم، قبل عدّة أشهر يُصنّف من قبل محللي الشؤون العسكرية كانتكاسة كبيرة لجهود استعادة مناطق اليمن من أيدي المتمرّدين.
وتقول مصادر عسكرية يمنية إنّ المعركة الدائرة حاليا هي معركة استعادة محافظة الجوف، مؤكّدة تحقيق تقدّم ملموس باتجاه تحقيق ذلك الهدف.
وتشير بعض تلك المصادر إلى أنّ استعادة المحافظة هدف أساسي للسعودية التي تريد في هذه المرحلة إبعاد الخطر الحوثي عن حدودها، الأمر الذي يفسّر المشاركة الكثيفة لطيران التحالف العربي في معركة الجوف وقيامه بدور كبير في شلّ حركة المتمرّدين وقطع طرق الإمداد عن مقاتليهم هناك، وتدمير الكثير من أسلحتهم وآلياتهم.
ويذهب البعض إلى اعتبار المعركة بداية منعطف في حرب اليمن بعد التغيير الذي حدث مؤخرا على رأس القيادة العسكرية المكلّفة بإدارة تلك الحرب، وذلك بإزاحة الفريق فهد بن تركي بن عبدالعزيز آل سعود من قيادة القوات المشتركة المسؤولة عن ملف الحرب في اليمن ضمن التحالف العربي، وإحالته على التقاعد والتحقيق، وتكليف الفريق الركن مطلق بن سالم بن مطلق الأزيمع نائب رئيس هيئة الأركان العامة بالقيام بعمل قائد القوات المشتركة.
وسبق لمصادر مطّلعة أن ربطت ذلك القرار في جانب منه بالتعثّر المتواصل منذ سنوات في معركة تحرير المناطق اليمنية من المتمرّدين الحوثيين، نظرا لوجود فساد وسوء إدارة للملف داخل الجهات المسؤولة عنه سواء من الجانب السعودي أو من الجانب اليمني.
وأعلن، الإثنين، عن سقوط ما لا يقل عن أربعة وعشرين قتيلا في المعارك الدائرة بين قوات موالية للحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين في محافظة الجوف التي تسعى الحكومة لاستردادها منذ نحو ستة أشهر، بحسب ما أفادت مصادر عسكرية حكومية.
وقالت مصادر من قوات الحكومة المعترف بها دوليا لوكالة فرانس برس إنّ ستّة عشر متمردا حوثيا وثمانية من القوات الحكومية قتلوا وجرح العشرات من الطرفين في معارك وقعت مساء الأحد في مناطق متعدّدة من الجوف.
وسيطر المتمردون على مدينة الحزم مركز محافظة الجوف في مارس الماضي. وقبل ذلك كانوا يسيطرون على أجزاء واسعة من المحافظة لكن مركزها الذي يبعد نحو مئة وخمسين كيلومترا جنوبي الحدود مع السعودية، كان قبل ذلك لا يزال تحت سيطرة القوات الحكومية.
ورأى محللون عسكريون أنّ من شأن استكمال المتمردين بسط سيطرتهم على الجوف أن يغير مسار الحرب، حيث يضع محافظة مأرب المجاورة والغنية بالنفط، وهي آخر معاقل الحكومة في شمال اليمن، في مرمى نيران الحوثيين.
وقامت القوات الحكومية على مدى الستة أشهر الماضية بعدة محاولات لاستعادة الجوف ومركزها دون أن تنجح في ذلك. وقالت المصادر العسكرية إن المعارك الأخيرة مساء الأحد دارت بين الطرفين في أطراف المحافظة وتمكنت القوات الحكومية من محاصرة الحوثيين وأسر أكثر من أربعين منهم، بينما شنت المقاتلات التابعة للتحالف العربي بقيادة السعودية سلسلة غارات على مواقع الحوثيين.
وتمكّنت قوات الجيش اليمني من استعادة مناطق مهمة من قبضة الحوثيين أبرزها جبل عرفان وقرن الكدادي وجبل الصبايغ، فيما أطبقت الحصار على مواقع الحوثيين في النضود والعلم وواصلت تقدمّها باتجاه بئر المزاريق شمال شرق مدينة الحزم.
وأشارت المصادر إلى أنّ الحوثيين تعرضوا لخسائر فادحة في المعارك التي تشارك فيها أيضا قبائل محلية ويغطيها من الجو طيران التحالف العربي.
ونقلت مواقع إخبارية يمنية عن القائم بأعمال قائد المنطقة العسكرية السادسة اللواء الركن أمين الوائلي قوله إنّ المعارك أسفرت عن مقتل وجرح العشرات من مقاتلي الحوثي وتدمير عدد كبير من الأطقم والآليات القتالية التابعة لهم في غارات شنتها مقاتلات التحالف على مواقعهم في الجوف.
ولم تقتصر التراجعات الميدانية للحوثيين خلال الأيام الأخيرة على جبهة الجوف، بل امتدّت لتشمل جبهتي مأرب شرقي صنعاء، والبيضاء بوسط البلاد، حيث تلقّى المتمرّدون سلسلة من الهزائم العسكرية اضطرّوا معها إلى الانسحاب وإخلاء العديد من مواقعهم بعد تكبّدهم خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
وأظهرت تلك الهزائم تراجع القدرات العسكرية للحوثيين في ظلّ استفحال الأزمات والمشاكل في المناطق التي يسيطرون عليها وحالة الفاقة الشديدة التي يواجهها سكان تلك المناطق التي يشكل بعضها خزانا بشريا رئيسيا للمتمرّدين ومصدرا لإمدادهم بالمقاتلين.
كما لم يفصل متابعون للشأن اليمني تناقص القدرات العسكرية للحوثيين بتراجع الدعم الإيراني لهم، وذلك بسبب انشغال إيران بوضعها الداخلي الصعب والناتج عن العقوبات الشديدة المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة الأميركية، والتي كان لها أسوأ الأثر على أوضاعها الاقتصادية والمالية.
وخلال الأسابيع الأخيرة حاول الحوثيون إطلاق معركة كبيرة باتجاه محافظة مأرب الواقعة شرقي العاصمة صنعاء، وذلك في محاولة للسيطرة بشكل سريع وخاطف على المحافظة ذات الموقع الاستراتيجي والغنية بالنفط والتي تمثّل أهم نقاط ارتكاز القوّات الموالية لحكومة عبدربّه منصور هادي.
وقالت مصادر عسكرية إنّ تحشيد الحوثيين غير الاعتيادي باتجاه مأرب ورصدهم جزءا هاما من قدراتهم القتالية في تلك الجبهة أفقداهما توازنهم في جبهات أخرى، ما يفسّر سلسلة هزائمهم في تلك الجبهات.
وعلى هذه الخلفية يدعو خبراء عسكريون يمنيون إلى فتح عدّة جبهات بشكل متزامن لتشتيت قوى الحوثيين. وفي ذات السياق طالب مستشار وزير الدفاع اليمني العقيد يحيى أبوحاتم من الرئيس هادي بإنهاء اتفاقية السويد التي تمّ بموجبها إقرار هدنة طويلة الأمد في الحرب على جبهة الحديدة على الساحل الغربي اليمني. كما طالبه، في تغريدة عبر تويتر، بإعادة تسخين تلك الجبهة، إلى جانب تحريك كل الجبهات العسكرية.
العرب