تحول لبنان من بيئة حاضنة للنازحين والمهاجرين، إلى كيان طارد لأبنائه، في ظل أزمة اقتصادية تعصف بالبلد منذ أشهر، ازدادت حدتها مع انفجار مرفأ بيروت المدمر، في الرابع من أغسطس الماضي.
وسجلت في الأسابيع الأخيرة موجات هجرة غير شرعية مرتفعة صوب قبرص المجاورة، الأمر الذي دفع نيقوسيا إلى دق ناقوس الخطر والتحرك في محاولة لوقف هذه الظاهرة خشية تفاقمها.
وأعلنت قبرص، الاثنين، أنّها سترسل إلى بيروت هذا الأسبوع وفدا للتباحث في سبل منع القوارب المحمّلة بالمهاجرين غير نظاميين من الإبحار من السواحل اللبنانية نحو الجزيرة المتوسطية والتي كانت اعترضت في الأيام الأخيرة عدداً غير مسبوق منها.
وقال وزير الداخلية القبرصي نيكوس نوريس إن مسؤولين من مختلف الأجهزة القبرصية المعنية بهذه المسألة سيزورون لبنان في غضون 48 ساعة “للتعامل مع هذه الظاهرة بأفضل طريقة ممكنة وأكثرها فاعلية”.
وتقع قبرص على بعد 160 كيلومترا فقط من الساحل اللبناني، وهي قريبة لدرجة أنّ الانفجار الضخم، الذي وقع في مرفأ بيروت ودمّر أحياء عدّة من العاصمة اللبنانية، سُمع صداه في الجزيرة. أما سوريا الغارقة منذ 2011 في حرب أهلية فتفصل بين سواحلها وسواحل الجزيرة مسافة أقلّ.
ويتجرع لبنان بلد ملايين المهاجرين والنازحين، أوجاعا اقتصادية طاحنة تزيد شتاته ورغبة شبابه في الهجرة.
واتخذت طرق الهجرة من لبنان أشكالا متعددة، فهناك من قصدوا أبواب السفارات وحصلوا على تأشيرات رسمية حيث شهد لبنان خلال الشهرين الماضيين موجات كبيرة من طلبات الهجرة إلى الخارج، هربا من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدنية.
وخلال الأشهر الماضية، شهدت عدة سفارات أجنبية في لبنان، أبرزها الكندية، وقفات احتجاجية من قبل شباب لبنانيّين للمطالبة بفتح أبوابها للهجرة.
وأمام انسداد الأفاق آثر الكثير من اللبنانيين ممن لم يتمكنوا من الحصول على تأشيرات، الهجرة غير الشرعية، عبر البحر إلى قبرص.
يذكر أنه خلال الأشهر القليلة الماضية، أوقفت قوات الأمن اللبناني عددا من القوارب المحملة بالمهاجرين اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين، معظمها منطلقة من السواحل الشمالية للبلاد، كانت في طريقها إلى قبرص.
واعترضت السلطات القبرصية في الأيام الأخيرة قبالة سواحل الجزيرة ما لا يقلّ عن خمسة قوارب محمّلة بأكثر من 150 مهاجراً.
والاثنين، عقدت وزارة الداخلية القبرصية اجتماعا طارئا لبحث هذا الوضع. ووفقاً لسلطات هذا البلد فإنّ القسم الأكبر من المهاجرين غير النظاميين الذين أبحروا من لبنان في الأيام الأخيرة كانوا لبنانيين وسوريين، وقد سُمح لبعضهم بالنزول في الجزيرة بينما أُعيد البقية إلى لبنان على متن سفينة استأجرتها نيقوسيا لهذا الغرض.
ولبنان الذي يستضيف أكثر من مليون لاجئ سوري، والآلاف من الفلسطينيين، الذين لجأوا إليه بعد “نكبة” 1948، يعاني منذ أشهر من أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، فاقمها الانفجار الكارثي الذي وقع في مرفأ بيروت.
وتخشى قبرص، العضو في الاتّحاد الأوروبي، من أن تتحوّل مقصداً لمهاجرين اقتصاديين ساعين للفرار من أزمة سياسية واقتصادية لا تنفكّ تتفاقم في البلد المجاور.
وترتبط قبرص ولبنان باتفاقية تنصّ على “إعادة إرسال” المهاجرين الاقتصاديين غير الشرعيين إلى البلد الذي انطلقوا منه.
وقبرص هي الدولة الأولى في الاتحاد الأوروبي من حيث عدد طالبي اللجوء قياساً إلى عدد السكان. وقال نيكوس نوريس “لم نعد قادرين على استقبال أعداد إضافية من المهاجرين الاقتصاديين لسبب بسيط” هو أن مراكز إيواء هؤلاء المهاجرين في الجزيرة ممتلئة.
وكان وزير الداخلية القبرصي أشاد الأسبوع الماضي بموافقة البرلمان على تقليص المدة التي يمكن خلالها للاجئ أن يستأنف قرار رفض طلبه من 75 إلى 15 يوماً.
ووفقاً لوزارة الداخلية القبرصية فإنّه منذ أغلق في 2015 “طريق البلقان” الذي كان المهاجرون يسلكونه من تركيا إلى وسط أوروبا، ارتفعت طلبات اللجوء في قبرص من 2.253 طلباً في 2015 إلى 13.648 في 2019.
من جهته قال متحدّث باسم المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة في قبرص إنّ “أيّ شخص على متن قارب يطلب اللجوء يجب أن يُسمح له بالدخول، على الأقلّ بصورة مؤقّتة لدرس طلبه”.
صحيفة العرب