سوريا تتعاون مع جمهورية القرم تحت مظلة روسية

سوريا تتعاون مع جمهورية القرم تحت مظلة روسية

تبدو الاتفاقية التجارية بين جمهورية القرم وسوريا، المعاقبة أميركياً وأوروبياً، بمثابة طوق نجاة يتشبث به بلد محاصر وغارق في حروب مستعرة لا يستطيع الخروج من أتونها. لكن الأمر يتعدى ذلك، إلى رسم مستقبل جديد لسوريا بزعامة العراب الروسي.

الحضور الروسي

يتضح ذلك جلياً مع قراءة حضور موسكو اللافت في السنتين الماضيتين من عمر الأزمة السورية، بعد حضور عسكري طاغ منذ عام 2015، ما أسفر عن قلب موازين المعركة لصالح دمشق بعد السيطرة على مدينة حلب، شمال سوريا.

ولما كانت موسكو حققت إنجازات عسكرية لصالح السلطة، يبدو يسيراً عليها في الوقت الحالي الانتقال نحو تعزيز سطوتها الاقتصادية في البلاد والاستثمار في مجالات الطاقة والنفط والنقل والاستحواذ على الموانئ البحرية، ناهيك عن حاجة سوريا إلى دولة داعمة بحجم روسيا وثقلها.

ويشير الباحث في الشأن الاقتصادي السوري رضوان المبيض، في حديثه لـ”اندبندنت عربية”، إلى نجاح المساعي الروسية في تهيئة البيئة المناسبة والروابط مع بلدان عدة كان أبرزها جمهورية القرم بغية فك الحصار المفروض على سوريا. لكن الأمر ليس بهذه السهولة، وفقه، بعدما وضعت الولايات المتحدة قانون قيصر حيز التطبيق في 17 يونيو (حزيران) الماضي.

في المقابل، تحتوي الاتفاقية جملة من بنود التعاون التجاري والاقتصادي مع جمهورية القرم، هادفة في الوقت ذاته إلى تقديم تسهيلات متنوعة لشركات البلدين في مجالات المعارض وتبادل الخبراء والوفود، لكن أبرز ما جاء فيها هو الدفع نحو تأسيس شركة ملاحة بحرية.

ويرى مبيض أن تطور العلاقات بين البلدين سبق هذه الاتفاقية، لا سيما بالتوازي مع تنامي الدور الاقتصادي لروسيا الاتحادية منذ عام 2018، ما أهل القرم للدخول بشراكات وزيادة التبادل التجاري مع سوريا “فتأسس ما يسمى (بيت) تجاري سوري في القرم لتسهيل الإجراءات المالية والبنكية، وإنشاء معامل وشركات في مجالات التعدين والنفط والزراعة”.

الطريق البحرية

وعلى الرغم من أن جمهورية القرم روسية الهوى حتى قبل أزمة عام 2014 والتي أطاحت بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش، وتعدّ جزءاً من الاتحاد الروسي منذ القرن الثامن عشر ميلادي، لكن علاقتها بالمحصلة مع سوريا ليست مثالية إلى هذا الحد، بل هي تسير في الفلك الروسي، كما يرى مراقبون.

وتحرص القرم على كسب أكبر قدر ممكن من الاستثمار في بلد لا منفذ له غير البحر. ويعتقد مبيض أنه “مع خروج لبنان إثر أزمته السياسية والاقتصادية في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 من لعب دور الحديقة الخلفية للنشاط التجاري السري أو المُعلن للسوريين، كان لا بد من البحث عن طريق جديدة لإمداد البلاد بالحاجات المتزايدة، خصوصاً أن حدودها البرية مقفلة مع دول الجوار”.
يأتي كل ذلك مع تراجع ملحوظ في الصناعة السورية وتقهقرها، وفق مبيض، لعدم توافر شروط استمرارها، ومنها حوامل الطاقة والمواد الأولية وغيرها.

هذه الحالة دفعت إلى زيادة في التبادل مع شبه جزيرة القرم عبر إرسال شحنات من الإنتاج الزراعي من الساحل السوري ومنها الحمضيات مقابل استقبال شحنات من مواد غذائية واستهلاكية متعددة.

وهنا تبرز أهمية الملاحة البحرية كطريق بديلة وربما وحيدة أمام دمشق لفك الحصار المفروض عليها.

وكان لمنتدى “يالطا” الاقتصادي الدولي العام الماضي، الذي نظم في شبه جزيرة القرم، دور كبير في التوصل لعدد من الاتفاقيات التجارية بعد مشاركة شخصيات تجارية سورية وعلى رأسها وزير الاقتصاد السوري، محمد سامر خليل، الذي أعلن حينها أن “سوريا تعوّل على مساعدة الشركات الروسية في زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين وتأسيس شركة نقل بحري تربط القرم بميناءي طرطوس واللاذقية”.

ويبرز دور دولة القرم المتنامي بإيعاز روسي والآخذ بالصعود منذ أكتوبر 2018، إثر زيارة رئيس جمهورية القرم سيرغي أوكسيونوف إلى سوريا، حيث تسعى إلى مد جسور من العلاقات التجارية من بوابة البحر، ولتحمل معها بصورة مباشرة أعباء الطريق نحو المتوسط بغطاء روسي.

ويرى مراقبون أن الغريق لا يستطيع إنقاذ غريق آخر. إذ إن جمهورية القرم تتعرض بدورها لعقوبات من قبل واشنطن ودول أوروبية شملت شخصيات وكيانات على خلفية أزمة 2014 وخروج الجمهورية من العاصمة كييف ودخولها تحت المظلة الروسية باستفتاء شعبي. وهذه العقوبات ستعرقل بلا شك أي تقدم على المسار السوري.

رولا اليوسف

اندبندت عربي