أربك الدعم الأميركي المباشر لقبرص واليونان أجندات تركيا في شرق المتوسط، ما دفعها إلى مراجعة استراتيجياتها في المنطقة والإذعان لمطالب الجلوس إلى طاولة المفاوضات بعد أن كان هذا السيناريو غير مطروح لدى المسؤولين الأتراك رغم التهديدات الأوروبية.
أثينا – أجبرت الاندفاعة الأميركية صوب قبرص واليونان، تركيا على مراجعة سياساتها التصعيدية شرق المتوسط والجنوح لتسوية الأزمة مع جيرانها سلميا، بعد أن لوحت مرارا بإمكانية اللجوء إلى الحل العسكري لتسوية الخلافات.
وساهم الانخراط العسكري الأميركي في دعم أثينا ونيقوسيا في تغيّر موزاين القوى في المنطقة، بعد أن كانت الدفة تميل لصالح أنقرة التي ترى في ملف الهجرة المثير للجدل ورقة ابتزاز سياسية يمكن استخدامها لعرقلة أي خطوات عقابية أوروبية.
ويؤكد متابعون أنه لا يمكن فصل هذه الخطوة الأميركية الجديدة في شرق المتوسط عن إعلان تركيا المفاجئ الأحد، عن سحب سفينة للتنقيب عن الغاز كان يفترض أن مهمتها ستكون أطول، حيث رفض المسؤولون الأتراك قبل ذلك الدعوات الأوروبية لسحبها ووقف الاستفزازات تمهيدا للبدء في محادثات.
وقالت تركيا الاثنين، إن سفينة التنقيب عن الغاز في المتوسط تم سحبها لأشغال صيانة وليس تحت طائلة الضغوط الخارجية، فيما اعتبر دبلوماسيون التصريحات التركية
من قبيل التورية ونسب ما وقع إلى أسباب خارجة عن إرادتها كي تدخل المفاوضات التي طالبت بها عن مضض من موقع قوة.
وانطلقت الاثنين، مناورات عسكرية برية باستخدام الدبابات تشارك فيها اليونان والولايات المتحدة لمدة خمسة أيام بالقرب من الحدود البرية مع تركيا، في تحرك وصفه مراقبون بالإشارات الأميركية الحازمة تحسبا لأي مغامرة تركية. وأشارت قناة “أوبن تي.في” اليونانية إلى أن التدريبات المشتركة لليونان والولايات المتحدة بمشاركة الدبابات والمدرعات ستجرى من أجل الحفاظ على أقصى درجات الاستعداد.
وهذه هي المرة الأولى التي يشارك فيها أميركيون في مثل هذه التدريبات البرية في شمال شرق اليونان. حيث أجريت من قبل تدريبات عسكرية يونانية بمشاركة وحدات عسكرية من فرنسا والإمارات العربية المتحدة.
وتم الإعلان عن مناورات الدبابات اليونانية الأميركية المشتركة في 8 سبتمبر الجاري وسط تقارير من أنقرة حول نقل 40 دبابة تركية إلى الحدود مع اليونان.
وإلى جانب ذلك دعت تركيا الاثنين، الولايات المتحدة إلى العودة لاتخاذ موقف محايد بشأن قبرص وذلك بعد أن وقعت واشنطن ونيقوسيا على مذكرة تفاهم لإقامة مركز تدريب عسكري، ما أثار حفيظة أنقرة التي وصفت الخطوة بالاستفزازية والمهددة للسلام في المنطقة. وصرح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في وقت سابق من الشهر الجاري بأن الولايات المتحدة سترفع حظرا فرضته قبل 33 عاما على تزويد قبرص بالسلاح وستعزز تعاونها الأمني مع نيقوسيا.
وقال بومبيو السبت خلال زيارة لقبرص إن واشنطن ما زالت “تشعر بقلق عميق” إزاء تصرفات تركيا في شرق البحر المتوسط حيث تخوض مواجهة مع اليونان وقبرص بشأن المناطق البحرية التي يُعتقد أنها غنية بالغاز الطبيعي.
وأشارت وزارة الخارجية التركية إلى إن “مذكرة التفاهم لن تخدم السلام والاستقرار في شرق المتوسط وستلحق الضرر بحل المشكلة القبرصية”.
وأضافت إن الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة زادت من التوترات في شرق المتوسط.
وأجرى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار برفقة قادة الجيش، الأحد، زيارة مفاجئة إلى شمال قبرص. ورافق أكار خلال الزيارة، كلّا من رئيس هيئة أركان الجيش، يشار غولر، وقادة القوات البرية، أوميت دوندار، والبحرية عدنان أوزبال، والجوية حسن كوتشوك آقيوز.
ولدى وصولهم إلى قبرص التركية، تابع أكار وقادة الجيش المرافقون له، فعاليات مناورات “عاصفة البحر المتوسط 2020، التي انطلقت في 6 سبتمبر الجاري.
وتشمل المناورات إجراء تدريبات بشكل مشترك وفعلي على هجمات جوية وعمليات بحث وإنقاذ قتالية، وغيرها.
وقبرص مقسمة بين جنوب يوناني وشمال تركي غير معترف به دوليا منذ عام 1974، عندما غزت تركيا الجزيرة ردا على انقلاب.
وتقول تركيا إن مطالبتها بالسيادة على المنطقة الواقعة بشرق البحر المتوسط مشروعة. ولا يوجد اتفاق بينها وبين اليونان يحدد الجرف القاري لكل منهما، كما ترفض أنقرة أي مطالب سيادية لقبرص التي لا تربطها بها علاقات دبلوماسية. وتهدف أثينا إلى ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة قبالة سواحل جزيرة كاستيلوريزو، الواقعة على بُعد 120 كلم شرق رودس و520 كلم من البر الرئيسي لليونان.
وتصدّرت جزيرة كاستيلوريزو، الخلافات بين أنقرة وأثينا مؤخرا، عقب إرسال اليونان حشودا عسكرية إليها، في خطوة جاءت ردا على الاستفزازات التركية.
وأصبحت الجزيرة التي لا تتعدى مساحتها 10 كلم ويسكنها 500 شخص، نصفهم من عناصر القوات المسلحة، في الأشهر الأخيرة مصدر المواجهة بين الجارتين، ومركز أحداث دولية.
وارتفعت وتيرة التوتر بين البلدين عندما أرسلت تركيا في العاشر من أغسطس الماضي سفينة للمسح الزلزالي ترافقها سفن حربية إلى منطقة بحرية تطالب بها اليونان، رغم الاحتجاجات المتكررة من أثينا والاتحاد الأوروبي.
العرب