انفصال اقتصادي محتمل.. هل سينتهي عصر صمم في أميركا وصنع في الصين؟

انفصال اقتصادي محتمل.. هل سينتهي عصر صمم في أميركا وصنع في الصين؟

لقد أصبح احتمال حدوث حرب اقتصادية جديدة حديث الساعة في كل مكان حول العالم، وبدأت الأضواء تتجه نحو المواجهة بين الولايات المتحدة والصين، فالسياق الاقتصادي بينهما يختلف اختلافا جذريا عن زمن الستار الحديدي، حيث خلقت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي عولمة متنافسة قسّمت العالم إلى كتل اقتصادية منفصلة.

في تقرير نشرته صحيفة “غارديان” (The Guardian) قالت الكاتبة إيزابيلا ويبر إن وجهي الانقسام الحالي يرتبطان باعتبار الصين ورشة العمل العالمية والولايات المتحدة المقر الرئيسي التكنولوجي في العالم، وقد تحطم الأمل القديم في أن يؤدي هذا الترابط الاقتصادي إلى منع الصراع السياسي.

في المقابل، أدى الاندماج الاقتصادي العميق إلى زيادة المخاطر، وأصبح جوهر الاقتصاد العالمي مهددا بالانهيار.

ولا يزال النظام الاقتصادي العالمي اليوم مكتوبا على ظهر كل جهاز آيفون “صمم في كاليفورنيا وصنع في الصين”، حيث يتعهد طرفا السباق على رئاسة الولايات المتحدة بوضع حد لهذا الترتيب، وإعادة التصنيع إلى الوطن.

بدورها، تعلن حملة الرئيس دونالد ترامب أنها ستنهي اعتمادها على الصين، فيما يحاول جو بايدن التفوق على ترامب ويعد بمستقبل “صنع في أميركا”.

التداول المزدوج
من جهته، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ أن “التداول المزدوج” سيصبح الإستراتيجية الاقتصادية الجديدة للصين، والتي تعد بمزيد من التركيز على المجال المحلي بدلا من الاعتماد على بقية العالم، غير أن أحد أجزاء هذا النهج المزدوج يشير إلى أن باب الصين لا يزال مفتوحا.

وكتب شي جين بينغ شخصيا إلى الرؤساء التنفيذيين للشركات الأجنبية ليؤكد لهم وجود بيئة أعمال مواتية، فقد أعلنت الحكومة الصينية عن خطط لتحويل جزيرة هاينان إلى ميناء هائل للتجارة الحرة، وفتحت الصين أسواقها المالية والتأمينية بشكل لم يكن مديرو الصناديق الدولية يتوقعونه.

وتستعد الصين لخلاف مع الولايات المتحدة، مؤكدة على سعيها لتصبح مستقلة في قطاعات مهمة مثل الغذاء والتكنولوجيا، لكن “الانفصال” يجعل الأمر يبدو كما لو أن تفكك أكبر اقتصادين في العالم يمكن أن يحدث بمنتهى السهولة، لكن الأمر ليس كذلك.

في عام 2012 سأل الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما مؤسس شركة آبل ستيف جوبز عن إمكانية صنع أجهزة آيفون في الولايات المتحدة، لكن جوبز استبعد هذه الفرضية، والظاهر أن صعوبات عدة لا تزال قائمة إلى حد هذه الساعة.

اعلان
وقامت المؤسسات الحكومية الصينية وشركاء الأعمال المحليين والشركات متعددة الجنسيات ببناء سلاسل التوريد في الصين منذ أواخر الثمانينيات، وتحافظ الصين على مواقع الإنتاج من خلال التطورات الضخمة في البنية التحتية، والتي تستقطب حوالي 300 مليون عامل مهاجر في الصين.

ويتطلب الانفصال عن الصين إعادة تنظيم كاملة لجزء كبير من الإنتاج العالمي، ونتيجة للحرب التجارية تقلصت حصة الصين في سلاسل التوريد العالمية لأجهزة الحاسوب والأجهزة اللوحية -القطاع الأكثر تضررا- بنحو 4 نقاط مئوية.

ومع ذلك، تنتج الصين 45% من الصادرات العالمية في هذا القطاع، و54% من جميع الهواتف في جميع أنحاء العالم، أما بالنسبة للأثاث والملابس والسلع الكهربائية المنزلية فبلغت الحصص 34%، و28%، و42% على التوالي.

وذكرت الكاتبة أن سحب الشركات الأجنبية إنتاجها من الصين لم يكن بالأمر الهين، حيث نقلت شركة “فوكسكون” (Foxconn) بعض إنتاجها إلى فيتنام والهند، ومع ذلك لا بد أن يبقى حوالي 70% منه في الصين، وحتى عندما تكون مدعومة بقدرة الصين الفريدة في التطوير السريع للبنية التحتية فإن نقل مرافق الإنتاج الرئيسية يستغرق وقتا.

الانفصال
لا يزال العالم يعتمد على البنية التحتية التصنيعية في الصين التي لا يمكنها الاستغناء عن التكنولوجيا الأجنبية، ففي صناعة رقائق الحاسوب لا تزال الصين متأخرة عن قادة الصناعة ولا تزال مرتبطة بالمعرفة الأميركية، لذلك وصفت العقوبات الأخيرة التي حرمت شركة هواوي (Huawei) من الرقائق الأميركية الصنع بأنها “حكم بالإعدام” على أنجح شركة تكنولوجيا في الصين.

وفي شأن متصل، يشعر الباحثون والمسؤولون الصينيون بقلق متزايد بشأن حرب مالية شاملة.

من جانبه، يحذر يو يونغدينغ الخبير الاقتصادي المستشار السابق للبنك المركزي الصيني من أن الصين تعتمد على نظام الدولار الأميركي، وأن البنوك الصينية قد تتضرر بشدة إذا تسببت العقوبات في إغلاقها.

كما يمكن للولايات المتحدة أن تذهب إلى حد مصادرة الأصول الصينية في الخارج، ويمكن أن تؤدي مثل هذه العقوبات المالية إلى إطلاق دوامة خطيرة من الأعمال الانتقامية مع تعرض نظام الإنتاج العالمي للخطر.

وأوضحت الكاتبة أن نهاية الشيوعية أقرب تشبيه لاحتمال الانفصال السريع، حيث كانت نتيجة “العلاج بالصدمة” في روسيا تجربة عنيفة تسببت في تراجع التصنيع، لكن الصين تجنبت “العلاج بالصدمة” على الطريقة الروسية في الثمانينيات من القرن الماضي، ويبقى الأمل في إمكانية تجنب حدوث صدمة كبيرة في العلاقات الأميركية الصينية.

ولا تزال التحديات العالمية -من الوباء إلى تغير المناخ- في تصاعد، وتتطلب تعاونا صينيا أميركيا، وبعد الانتخابات الأميركية قد تفتح فرصة لإعادة التفاوض بشأن العلاقات في قلب الاقتصاد العالمي، كما أن وضع إستراتيجيات عملية للمصالحة يمثل مهمة ملحة ينبغي تحقيقها من كلا الجانبين.

المصدر : غارديان